fbpx

حقائق ودروس في طبيعة وإمكانيات الرد الإيراني الفعّال!

0 61

في أعقاب هجوم طوفان الأقصى في صبيحة السابع من أكتوبر 2023، هرعت بوارج الحرب وحاملات الطيران الأمريكية، وبدأ الناس يعتقدون تحت تأثير ما رافق الأحداث من ضخ إعلامي أن” الحرب الكونية” ضد إيران باتت وشيكة.. ولم يحصل سوى بعض “المناوشات”، رغم استماتت حكومة الحرب الصهيونية لجرّ النظام الإيراني الى منازلة شاملة، لم يمنع وقوعها طيلة سنوات سوى مظلّة الحماية التي تشكّلها شبكة السيطرة والنهب الإقليميّة التشاركية بين الولايات المتّحدة والنظام الايراني.

عرض القوّة الأمريكية كما تبيّن لاحقاً لم يكن يستهدف النظام الإيراني أو أيّ من أذرعه الإقليمية. على العكس من ذلك، كان في أبرز أهدافه الضغط على إيران كي لا تقع في “فخ” حكومة نتنياهو، وبالتالي تضييع الفرصة والمبررات التي يسعى إليها من أجل توريط إيران في حرب شاملة، قد تكون الأخيرة في صراعات السيطرة على الحصص ومناطق النفوذ بين شريكي السيطرة الإقليميّة الأمريكية، الأكثر قوّة!

هكذا انتهت “الأزمة” الأكثر تفجّرا بين الشريكين اللدودين بما يتوافق مع مصالح وسياسات واشنطن ووفقا لقواعد اشتباكها؛ واستعراض الإيرانيون أوراق قوّتهم العسكرية الأحدث، البالستية والمسيّرة، دون تفعيلها في ساحات الحرب الحقيقية، ولم يتجاوز هجوم الرد الإيراني في نتائجه التدميرية الواقعية سقف قواعد الاشتباك الأمريكية!

أولاً: في طبيعة الرّد الفعّال، الحقيقي، وإمكانيات تنفيذه!

اليوم في أعقاب اغتيال المغدور “إسماعيل هنية ” رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، يُكرّر نفس السيناريو – استعراض عسكري أمريكي، وضخ إعلامي إيراني، ولن يحصل أكثر ما حصل في السادس عشر من نيسان، كما يقول منطق الأحداث وضرورات مشروع التطبيع الإقليمي الأمريكي، وما زالت التوقّعات تتجاهل حقائق الصراع، وتحت مستوى سقف الدعايات!

ما كنّا نتوقعه تحت تأثير “الإعلام الموجّه” قبل الرد على هجوم القنصلية في مطلع نيسان، ما زلنا نتوقعه اليوم، رغم أن هجوم القنصلية كان يُعطي للنظام الإيراني مبرراً أكثر مشروعية في تنفيذ ردّاً حقيقياً ورادعاً…وقد انتهك هجوم نيسان الغادر السيادة الإيرانية في القنصلية، وقتل ثلّة من صفوة قيادة حرس الثورة، ولا تقارن أهمية هؤلاء الضحايا بالنسبة للأمن القومي الإيراني باغتيال المناضلين “إسماعيل هنية” أو “فؤاد شكر”، مع كامل الاحترام والتقدير.

إذا كان من حق أنصار المقاومة وجمهورها أنّ يعتقدوا، بعد كلّ ما تعرّضت له قوى جبهة المقاومة الإيرانية من صفعات قبل وبعد طوفان الأقصى، وخلال مذبحة غزة المتواصلة، أنّه بات مطلوباً أكثر من أي وقت مضى أن يكون “الرّد” الإيراني فاعلاً، وحقيقيّاً، يقوّض إمكانيات استمرار انتهاك حكومات الاحتلال الإسرائيلي لسيادة إيران المباشرة، أو المرتبطة بسلامة حلفائها الإقليميين،[1]، شخصياً، لا أرى احتمالات حصول رد فعال، يُحدث تغيّراً نوعياً في قواعد الاشتباك الأمريكية القائمة، وهذا ليس رغبة أو مجرّد توقع!

في حقائق الصراع، تُدرك القيادة الإيرانية جيدا طبيعة الأسباب التي تحول دون تحقيق هدف الدعاية المُعلنة حول تحرير القدس، وهزيمة دولة الاحتلال، كما تعي جيداً الفارق بين الدخول في حرب شاملة مع العراق خلال ثمانينيات القرن الماضي في توافق مع عوامل سياق سياسات السيطرة الإقليميّة الأمريكية وبين مواجهة جيش حديث، يملك جميع مقوّمات الردع، في سياق أمريكي مختلف!!

في حقائق الصراع الموضوعية، يبقى لموازين قوى الحرب وسقف قواعد الاشتباك الأمريكية، صاحبة اكبر وأقوى مشروع سيطرة إقليمية، القول الفصل، وهي التي أكّدت حتى الآن محدودية قدرات الردع الإيرانية، ليس فقط لانّها تتعلّق بقضايا تقدّم وتثبيت أدوات مشروع السيطرة الإقليميّة التشاركية، الأمريكية – الإيرانية في حلقات الطوق المباشرة، فلسطين سوريا ولبنان، حيث تمسّ “الأمن القومي الإسرائيلي”، بل بسبب ما قد ينتج عنها من مخاطر على خطوات وإجراءات مشروع التطبيع الإقليمي الأمريكي وهو ما يفسّر طبيعة وتعقيدات الصراع، والعلاقات بين قواه الرئيسية، الولايات المتّحدة الأمريكية، صاحبة مشروع السيطرة الإقليميّة الرئيسي، وشريكيها الأقوى، النظام الإيراني ودولة الاحتلال الإسرائيلي.

ثانياً: في طبيعة الاستنتاجات والدروس

بناء عليه، وفي خلاصة الدروس، أعتقد أنّه بات مطلوباً أكثر من أي وقت مضى خروج الوعي السياسي النخبوي، الوطني الديمقراطي والتحرري، من تحت تأثير أفكار وثقافة الديماغوجية والإيديولوجية، ومواجهة الحقائق الموضوعية التي تكشفها مستجدّات العلاقات بين قوى الصراع، وإدراك طبيعة أبعادها الاستراتيجية.

أكثر ما يطفو على السطح اليوم هو انكشاف حقائق العلاقات السياسية والمصالح بين الولايات المتّحدة والنظام الإيراني، من جهة، وبين واشنطن وتل أبيب، من جهة ثانية.

إذ نشهد على الصعيد التكتيكي سقوط دعاية الغرب الأمريكي والإيراني حول أولوية حماية إسرائيل في مصالح وسياسات الولايات المتّحدة الإقليمية، وتناقض استراتيجي بين مصالح وسياسات وأدوات مشروعي السيطرة الإقليمية الأمريكية – الإيرانية، وقد كشفت أحداث الحرب ومآلاتها تفارقاً نوعياً في رؤى وسياسات واشنطن وتل أبيب حول حدود الحروب إقليميّاً، وأهداف توريط إيران، وحول مستقبل حماس السياسي، كما حول طبيعة الصراع مع حزب الله، تبيّن عمق تناقض السياسات والمصالح بين “الحليفين الاستراتيجيين”، وكانت تسعى سياسات واشنطن في مجملها إلى “حماية” أذرع ورأس المقاومة الإيرانية – الإسلامية، ومنع حكومة الحرب من تحقيق ما اعتبرته حكومة فرصة تاريخية لتقليم أظافر مشروع التمدد الإيراني في سوريا وفلسطين ولبنان، حيث يهدد الأمن القومي الإسرائيلي؛ فليس في ذلك سوى تأكيداً لحقائق العلاقات، على الصعيد الإستراتيجي.

من أبرز الحقائق المُغيّبة في دعايات الولايات المتّحدة والنظام الايراني هي أنّ العامل الرئيسي الذي شكّل تاريخيا مظلّة حماية موضوعية للنظام الإيرانية وأذرعه الإقليمية هو طبيعة الدور الوظيفي الذي تقوم به في إطار تعزيز أدوات السيطرة الإقليميّة الأمريكية، وهو العامل الرئيسي الذي أتاح انتصار “الثورة المضادة للتغيير الديمقراطي الخمينيّة” خلال “العشرة المباركة” من شباط 1979، وشكّل حينئذ انتصاراً تاريخياً لخطط وسياسات “الحزام الأخضر الإسلامي” التي تبنّتها سلطات النظام الأمريكي خلال سبعينيات القرن الماضي لمواجهة تحدّيات استراتيجية في إيران والإقليم وتمثّلت خلال السبعينيات بنهوض ثوري ديمقراطي في إيران وافغانستان، وفي طموحات السيطرة الإقليمية السوفييتية المنافسة، وقد باتت “سلطات وقوى الإسلام السياسي” أفضل أدوات المواجهة الأمريكية.

ليس خارج السياق، ما يحصل اليوم من تقاطع المصالح والسياسات في مواجهة تحدّيات هجوم طوفان الأقصى والحرب الإسرائيلية الانتقامية، الذي تجسّد في حرص سياسات واشنطن وأولوياتها لمنع حصول حرب مباشرة مع النظام الإيراني يرتبط مباشرة بأهداف وآليات مشروع التطبيع الإقليمي الأمريكي والتسويات السياسة في سوريا واليمن، حيث يشغل النظام الإيراني موقعا رئيسيّاً، وتأتي في أقصى أولويات أهداف السيطرة الإقليميّة الأمريكية التشاركية.

القضية المركزية في أولويات ترتيب شروط السيطرة الإقليميّة للولايات المتّحدة منذ مطلع 2020 في ضوء نتائج الحروب الإقليمية التي قادتها واشنطن منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي هي مشروع التطبيع الإقليمي.

تقود واشنطن مشروع تطبيع إقليمي، وقد أنجزت خطوات كبيرة على تحقيق أهدافه، ويقوم على إعادة صياغة العلاقات التصارعية بين شركاء الولايات المتّحدة الإقليميين الأقوى إيران والسعودية، وإيران وإسرائيل، بما يؤدّي إلى إقامة شبكة سيطرة أمريكية إقليمية تشاركية في ضوء ما انتهت إليه نتائج الحروب الإقليمية حتى نهاية 2019، ويؤكّد على مركزية موقع إيران ونظامها السياسي، وحرص ومصلحة واشنطن على “إعادة نظام طهران” إلى الحضن الإقليمي، بعد إنجاز المهمة!!

لقد كتبتُ بالتفصيل عن مشروع التطبيع الإقليمي في مقالات ودراسات عديدة، نشرتُ معظمها على موقعي الفرعي في الحوار المتمدن، وبيّنت مواقع ترابطه مع إجراءات التسوية السياسية الأمريكية الجزئية في سوريا، وما نتج عنها على صعيد سلطتي قسد والنظام، وباتت عليه سياسات تركيا وروسيا، الساعية لتحقيق أهداف تسوية شاملة، وفقا لمخرجات اللجنة الدستورية[2].


[1]– طوال سنوات، يواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي انتهاك كرامة النظام الإيراني وسيادة دولته بشكل مباشر، أو غير مباشر، وقد وصل في جريمة تدمير القنصلية الإيرانية في دمشق ذروة غير مسبوقة في الصراعات الإقليمية والدولية، ولم تجد جميع الردود السابقة نفعا، بما في الرد الأخير على جريمة القنصلية في 16 نيسان الماضي، أو تؤدّي إلى منع إسرائيل من الاستمرار في هذا النهج، كما تؤكّد آخر جرائمها ضد الراحلين “هنية وشكر”!

من هنا يصبح واضحاً طبيعة الرد الحقيقي: يمنع إسرائيل من الاستمرار في هذا النهج العسكري، وكل ردّ إيراني، يعقبه استمرار الهجمات العدوانية الإسرائيلية على مواقع السيادة والسيطرة الإيرانية، يعني أنّه لم يصب إلى مرحلة الردع، ولا يخرج عن سقف قواعد الاشتباك الأمريكية.

من نافل القول أنّ كل ردّ لا يؤدّي عسكرياً وسياسيا إلى كسر قواعد الاشتباك القائمة التي سمحت باستمرار التطاول الإسرائيلي على كرامة النظام الإيراني وسيادة دولته ومرتكزات مشروعه الإقليمي لا يخرج في النهاية عن سقف قواعد الاشتباك الأمريكية التي تضعها وتستخدمها الولايات المتّحدة لإدارة لعبة صراعات شركائها في مشروع السيطرة الإقليميّة حول تقاسم الحصص ومناطق النفوذ، ولا يمكن وضعه بالتالي خارج خانة لعبة “المسرح” الإعلامية، ومحاولات “حفظ ماء الوجه” أمام جمهور مُضَلل، وقد أخطأتُ الاستنتاج سابقاً عندما توقّعت باحتمال أن يكون قد “نجح” الرد السابق على جريمة هجوم القنصلية في دمشق يوم الفاتح من نيسان الماضي، بفرض “قواعد اشتباك جديدة”، تردع استمرار الهجمات العدوانية الإسرائيلية!

[2]“التسوية السياسية الأمريكية الشاملة- أهداف وعوامل سياق وعقبات”.

https://m.ahewar.org/s.asp?aid=820806&r=0

“في أبرز سمات مشروع التسوية السياسية الشاملة، وطبيعة مسارها الإقليمي”.

https://m.ahewar.org/s.asp?aid=821540&r=0

“في مغزى سياسات واشنطن تجاه عواقب الصراع على فلسطين. “

https://m.ahewar.org/s.asp?aid=837653&r=0

“في أبرز سمات التسوية السياسية الأمريكية الجزئية في سوريا”.

https://m.ahewar.org/s.asp?aid=835209&r=0

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني