حراك السويداء السلمي والخَيارات الأقل خطورة
إذا كان من الطبيعي – في ظل غياب آفاق قيام حل سياسي وطني وتفاقم ظروف النهب والتجويع التي تعيشها الغالبية الساحقة من السوريين تحت سيطرة جميع سلطات الأمر الواقع في المركز والأطراف، وفي منطق حقوق المواطنة التي يكفلها الدستور السوري نفسه – أن يُعبّر السوريون عن مواجعهم المعيشيّة والإنسانية، ويطالبون بضرورة فرض حصول انتقال سياسي، ما يزال السبيل الوحيد للحفاظ على مقوّمات الدولة السورية، وذلك بأدوات ووسائل النضال السلمي، بعيدا عن مخاطر العسكرة والتدخّل الخارجي القاتلة؛ وأن نأخذ بعين الاعتبار أنّ آليات إسقاط النظام (سواء في ركيزته الشرعية الرئيسية أو في مرتكزات سلطات الأمر الواقع الجديدة)، العنيفة أو السلمية، ليست في متناول السوريين في الظرفين الموضوعي والذاتي الراهنين؛ حتّى لو أراد الشعب كلّه – رغم أنّ إمكانية وحدة إرادة السوريين غير قابلة للتحقق، ويدلل على لا موضوعيتها عدم تحوّل الحراك السلمي في السويداء إلى حالة سورية وطنية شاملة، تحي ظروف ربيع 2011 الثورية، وتؤكّد مخاطر استخدام العسكرة[1].
وأنّ هذا الأجنبي، الذي نطالبه بفرض انتقال سياسي عبر تطبيق قرارات الشرعية الدولية، هو نفسه الذي يكيّف القانون الدولي وفقا لمصالح أطرافه التي انتهكت قوانين الشرعية الدولية عند تدخّلها العسكري المباشر في الصراع بين 2014-2015، وعندما منعت خلال حروبها اللاحقة لتقاسم الجسد السوري تطبيق القرار 2254 وحصول انتقال سياسي، تحت ذريعة أولوية مكافحة الإرهاب ، وقد تركّزت جهودها السياسية والعسكرية على دفع الصراع على مآلات تكرّس أسباب تفشيل الدولة السورية، صانعة البيئة الأمثل لتحقيق مصالح أطرافها – وهي أبرز حقائق الصراع.
وأنّ وجود حزمة المخاطر، على صعيد الحراك الذاتية وعلى الصعيد الموضوعي العام، لا يمكن تجاهله في حسابات الربح والخسارة السياسية[2]، ألا يصبح من واجب المثقّف السياسي، المعني بالدفاع عن حراك السوريين، والداعم لأهدافهم، أن يشير بالبنان لمكامن الخطر، قبل أن تتحوّل إلى وقائع، وما تخلقه من آلام وخيبات أمل؟.
على صعيد الوعي السياسي النخبوي، اعتقد أنّ المخاطر الأبرز على سلمية الحراك وبالتالي مصالح جمهوره الخاصة، والمصالح الوطنية السورية، تكمن في طبيعة العلاقات الجدلية بين شعار الحراك السياسي الرئيسي – الانتقال السياسي، إسقاط النظام – وآليات تنفيذه – تطبيق القرار 2254. كيف؟
1- هل ينبغي أن تتجاهل نخب الحراك طبيعة الحجج التي يقدّمها شعار إسقاط النظام – وما يُسوّغ كبديل في إدارة ذاتية – لأبواق الحكومة من أجل إقناع السوريين، على الأقل الذين تحت سلطتها، بالطابع الانفصالي وبـ لا وطنية الحراك، وبالتالي بلاشرعية التضامن معه في نفس الطريقة والنهج، وبما يعزز آليات إبقاء السوريين في حالة سلبية تجاه الحراك، ويعزله، بخلاف ما تتمنى، وتطالب نخبه!؟ هذا أوّلاً.
في نفس السياق، ألا يبرّر نجاح دعاية النظام في التغطية على ما قد يستخدمه من آليات عنيفة لمواجهة الحراك، وإجهاضه؟ إذا كان تطييف حراك 2011 وعسكرته قد وفّر للنظام مشروعية مواجهته تحت يافطة محاربة الإرهاب، ألا يقدّم شعار إسقاط النظام وما يتضمّنه من بديل لسلطته عبر الاستقواء بالخارج، غطاء وطنيا لسياسات وأدوات مواجهته؟ فهل من الحكمة أن نطلق شعارا يبرّر استجرار العنف السلطوي، وما قد يتركه من ردّات فعل، تدفع الحراك على مسارات العنف المسلح القاتلة؟.
2- في طبيعة المخاطرة الكامنة في آليات التنفيذ – تطبيق القرار 2254!.
هل تجهل نخب الحراك حقيقة أنّه عندما تربط هدف إسقاط النظام (الانتقال السياسي) بتطبيق القرار 2254 – اعتقاداً منها أنّه قد يتضمن فرض حصول انتقال سياسي من المجتمع الدولي – أنّها تطلب عملياً تدخّلاً عسكرياً خارجياً لا يمكن أن يكون من بين أهدافه تطبيق القرار 2254، ولن تتجاوز دوافعه الأمريكية استخدامه كورقة ضغط في إطار صراع واشنطن الحالي مع سلطة النظام حول شروط التسوية السياسية الأمريكية، وما قد ينتج عن وسائل التجيير من ردود أفعال سلطوية، تجعل من ساحات الحراك ومدنه ملعبا لتصارع القوى المعادية لهدف الحراك المركزي؟ فهل من العقلانية أن نتبنّى آليات تنفيذ، تشكّل عملياً دعوة لتدخّل خارجي، وما قد ينتج عنه من ردّات فعل سلطوية، تغيّر الطابع السلمي للحراك، وتجعل من جمهوره وقودا لحروب القوى المضادة للتغيير الديمقراطي؟[3].
3- أليس أمام النخب خَيارات أقل تكلفة، وأقرب إلى الواقعية؟ ألا يمكن ويجب تبنّي خطاب سياسي يسحب البساط من تحت جهود تجيير الحراك، لصالح السلطة، أو خصومها، ويعكس وعيا دقيقا لمخاطر الحالتين؟
صحيح أن الأمل بإمكانية ظهور بوادر إيجابية لطرح شعارات إصلاحية، تحت سقف الانتقال السياسي شبه معدومة، لكن يمكن للحراك على الاقل تجنّب مخاطر واقعية في ظل سياق وطني وإقليمي (ودولي) غير ثوري، والعمل على فرض إرادة الإصلاح بآليات النضال السلمي التي يمارسها جمهوره ونشطائه بكفاءة عالية طوال أسابيع.
لنأخذ بعض ما تطرحه هذه الورقة، التي تمّ ترويجها باسم الحراك السلمي في السويداء، ونتساءل:
أليست إنجازات وطنية وديمقراطية أن يستطيع حراك السويداء السلمي أو غيره أن يحقق هذه الحزمة من الأهداف الإصلاحية، تحت سقف شعارات سياسية واقعية؟.
- وحدة الأراضي السورية تحت راية العلم الوطني للجمهورية العربية السورية.
- التأكيد على سلمية الحراك، ورفض أيّة أجندات سياسية تبرر التدخّل الخارجي.
- إلغاء إجراءات الملاحقات الأمنية عن أهلنا الموجودين بالحراك، أصحاب المطالب المحقّة، ليعيشوا حياتهم بشكل طبيعي.
- نطالب الحكومة بإيجاد الحلول لتخفيف المعاناة عن المواطنين، ونحمّلها مسؤولية توفير شروط الحياة الكريمة لجميع المواطنين.
- يجب اتخاذ إجراءات فورية لحل المشاكل الخدمية في المحافظة، وخاصّة ملفات المياه والكهرباء والوقود.
- توفير الدعم الحكومي لتسويق المنتجات الزراعية في المحافظة.
- محاربة الفساد ومحاسبة الفاسدين في جميع مفاصل الدولة.
- مكافحة جرائم السرقة والخطف وترويج المخدرات. والتعدّي على حقوق المواطنين. والمال العام.
السويداء 23/9
4- في خلاصة القول:
إذا كانت تحرص نخب الحراك على تطبيق القرار 2254، كما تُعلن، فلماذا لا تنفّذ آليات عمله؟
ألا يرتكز القرار على قاعدة إجراء مفاوضات بين وفد معارض وآخر حكومي بتيسير مبعوث خاص للأمم المتحدة، من أجل الوصول إلى تسوية يتفق على شروطها وآليات عملها الطرفان المتحاوران؟ أليس هو جوهر القرار 2254؟.
بناء عليه، التساؤل الذي يطرح نفسه، باسم جميع المشاركين بحراك السويداء وأهل السويداء، وجميع السوريين الذين تدّعي نخب الحراك تمثيل مصالحهم الوطنية المشتركة، وبرسم القيادة الدينية، بشخص شيخ عقلها الاوّل، فضيلة الشيخ حكمت الهجري:
إذا كنتم حقّا تحرصون على تطبيق القرار 2254، فلماذا لا تبادرون إلى تشكيل وفض تفاوض يمثّل حراك السويداء، على غرار الوفد الذي كُلّفت السعودية بتشكيله، وتستخدمون وسائل الضغط الثورية لفرض مسار التفاوض على النظام، وفرض تحقيق مطالب الحراك العادلة، والمشروعة؟ أليست هي اللعبة الأقل خطورة؟.
[1]– إحياء ثورة 2011، على الصعيد الوطني، بات أقرب إلى الأمنيات الطيّبة، لأسباب قاهرة، لا ترتبط فقط بأمراض التهجير الخارجي، بل وأيضا وبعقبات وقوع السوريين في الداخل تحت نير احتلال مزدوج، سلطات الأمر الواقع الميليشياوية – التي تتشابه في طبيعتها الاستبدادية وآليات نهبها وارتهانها لقوى الاحتلال الخارجي – وجيوش قوى الاحتلال؛ الذين تتناقض مصالحهم وسياساتهم مع أهداف السوريين الوطنية المشتركة، خاصة هدف الانتقال السياسي.
في تصريح منسوب للشيخ مروان كيوان على قناة أورينت، يؤكّد أنّ السويداء سحبت سيوفها، ولن تتراجع قبل إسقاط الأسد!؟.
[2]– المخاطر لا تقتصر على توجيه التهم، التي تجد احيانا ما يبررها في سلوك ووعي النخب. إذا غضينا النظر عمّا قد تشكله خطط وسياسات النظام لإجهاض أهداف الحراك وأنشطته تحت ذريعة مواجهة مؤامرة انفصالية، وتواجد ميليشيات إيرانية (داعشية)على تخوم المحافظة، وركّزنا على المخاطر الداخلية الذاتية، لا يجب أن نتجاهل وجود أشكال مختلفة من التنظيمات الميليشياوية التي تطرح نفسها كحامية ، وخط دفاع أوّل عن الحراك والمحافظة، وهي تمثّل بعض أشكال العسكرة. علاوة على ذلك، ثمّة مخاطر متعدّدة داخل صف الحراك وقيادته تشكّل علاقات بعضها خارج الحدود مخاطر جمّة! يضع هذا المشهد الحراك أمام مخاطر التدّخلات الخارجية، التي قد تأخذ أكثر من مستوى، ترتبط:
أ- بمرجعيات بعضهم اللبنانية.
ب- بمرجعيات دينية وتمويليّة موجودة في إسرائيل!.
ت- يرتبط بأجندات فرنسو أمريكية واضحة، عبر القوى التي بات لها تأثير واسع (حزب اللواء)!
ث- بخيوط لبعض الأنظمة العربية، تستطيع تحريكها بوسائلها الخاصّة، خاصّة النظام الأردني.
ج- بإمكانية تجيير هذا الحراك من قبل القوى الدولية المتصارعة على السيطرة في سوريا، وخاصة في هذه المرحلة من التسوية السياسية الأمريكية، حيث تستخدم الولايات المتّحدة كلّ الأوراق ضد النظام من أجل فرض شروطها السياسية المرتبطة بتأهيل سلطة قسد، والمتناقضة مع حقوق ومصالح السوريين المشتركة.
يُضاف إلى ذلك، الواقع الجيوسياسي الذي تشكّله سلطة الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، وقد دعت بعض الأصوات في قيادة الحراك لاتخاذه نموذجا، وتسعى قيادات قسد لدفع الحراك في السويداء بما يشرعن نموذجها، وطنياً وديمقراطياً!.
لنتابع بعضا مما يقوله الأستاذ جمال الشوفي:
إن الترويج لمشروع إدارة ذاتية في السويداء وتزيينه بأفكار اللامركزية الإدارية إنما يهدف لخلط الأزمان وحرق المراحل، ومن ثم يروج لإغلاق السويداء وعزلها عن محيطها الحيوي السوري ويفقدها نقطة قوتها العامة والوطنية في الضغط على سلطة النظام بوجوب إحداث التغيير السياسي العام لمصلحة الكل السوري، ما يميز هذا الحدث قولها الصريح للانسلاخ عن سوريا وإقامة حكم ذاتي في المحافظة مستغلة حراكها الشعبي الواسع، مزيفة حقيقة انتفاضة السويداء ومطالبها الواضحة.
26-09-2023
فهل تأتي وسائل التدّخل الأمريكية خارج هذا السياق؟
[3]– تتحدّث مصادر مختلفة:
أوّل مسؤول في إدارة الرئيس بايدن ورابع شخصية أمريكية (بعد ثلاثة أعضاء مجلس النواب، جو ويلسون، رئيس لجنة شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وآسيا الوسطى في الكونغرس الأمريكي، والديمقراطي، برندن بويل، والجمهوري فرينش هيل) تتصل وتدعم مواقف الشيخ حكمت الهجري.
فقد تحدث نائب مساعد وزير الخارجية السيد ايثان غولدريتش مع الزعيم الروحي للموحدين الدروز الشيخ حكمت الهجري لتأكيد دعم الولايات المتحدة لحرية التعبير للسوريين، بما في ذلك الاحتجاج السلمي في السويداء.
والتأكيد من جديد على الدعوة إلى سوريا عادلة وموحدة وإلى حل سياسي يتوافق مع قرار مجلس الأمن رقم 2254.علما أنّه تجري هذه الاتصالات بالتنسيق مع مدير منظمة الطوارئ السورية SETF، معاذ مصطفى، الذي يمتلك علاقات وطيدة مع السياسيين الأمريكيين!.
لا غرابة أن يتجاهل هذا الوعي والسلوك المخادع واقع أنّه إذا كانت الولايات المتحدة، (التي كانت اوّل من تدخّل عسكريا بدعم حلف واسع من شركائها الدوليين في منتصف 2014، القادر على فرض قيام حل سياسي وطني، عبر تطبيق القرار 2254)، قد رفضت حينئذ قيام حل سياسي، وتطبيق القرار منذ 2014، بذريعة أولوية محاربة الإرهاب، فهل ستعمل اليوم على تطبيقه، علما أنّ نتائجه تتعارض مع مصلحتها في استمرار سيطرتها على كانتون قسد الحالي، الحصّة الجيوسياسية الأكبر من الجسد السوري؟!.