
جواز سفر
«إلى روح الصديق ع.ن»
طرقَ الباب بخفة.. فتحته.. أهلاً وسهلاً.. ضممته بقوة.. العمر لمن سبب هذه الزيارة. بل قِصَره.. أجاب بابتسامته المعهودة. تفضّل ودلفنا إلى الداخل. أراك متعباً؟
– نعم، أستطيع غسل وجهي؟
– وأنا أجهّز العشاء.
لم يأكل سوى لقيمات تكفي عصفوراً.. وجلسنا نتسامر. سألته: ما يتعبك؟
– ابتسم، هل تعلم لماذا أتيت في هذا الوقت؟
– لا، إنّما هناك أمر…
– كنت في فرع…
– مازالوا يستقصون خطاك؟
– يا أخي، تصوّر… ضجرت… وما ملّوا…
– هاتِ… بُقّ هذه الحصاة…
– كما تعلم أكثر من ثلاثة أشهر وأنا آتي صباحاً.. يضعوني في غرفة بلا مقاعد أنتظر حتّى المساء دون أيّ سؤال، ثمّ يقولون عُد غداً.. ضقت ذرعاً.. كرهت الحياة.. أخيراً رفضت… جلبوني مخفوراً.. انتابتني هواجس شتّى، هذه المرّة لن يفرجوا عني إلى ما شاء الله.. لماذا لم اُسْتجوَب سابقاً؟ أيحققون معي اليوم؟ هل يفكرون بكسري معنوياً؟ شعرت أن العالم يضيق.. والغرفة تتقلص جدرانها وتتدانى.. تصبح كابوساً.. ماذا يريدون؟ ربما يطمعون بتجنيدي فيساوموني على إطعام أطفالي.. و… و… لن يفرحوا…، وبعد ثلاث ساعات أدخلوني غرفة رئيس التحقيق.. كنت شارد الذهن.. مشوشاً.. حاولت أن استرد ذاتي، واستجمع أفكاري.. فاجأني بما صرّح به.. بادرني.. نعرف عنك أكثر مما تتوقع.. قل ما عندك.. لدينا في كل بيت مخبر يكتب… كلماته استثارتني.. ضحكت.. شزرني.. نطقها محتدّاً ما الذي يُضحك؟ لست أدري كيف لمعت الفكرة.. نويت إغاضته.. رددت: أنا مطمئن…، زوجتي أميّة، وأولادي لم يدخلوا المدرسة بعد؛ لكن يحضرني استفسار…
– قطّب فيّ ما هو؟
– استحلفك بالحليب الذي رضعته مَن يدبج الأخبار في بيتك؟
استشاط غضباً.. ضرب الطاولة بيديه.. كاد زجاجها السميك يتحطم وصرخ.. ماذا تقول؟ وهبّ واقفاً.. تحفّزت لأتقي لكماته بينما دخل ضابط برتبة ملازم أول مسرعاً.. خير سيدي؟ خذه من هنا قبل أن أزهق روحه…
زجرني.. واقتادني إلى مكتبه، وبلطافة مصطنعة.. تكلّم ما الذي حصل؟ وما قصتك؟
قصصت حكايتي. تخرجت في الجامعة.. تقدمت للوظيفة رُفِضت.. اشتغلت عند متعهد للحفريات أجبرتموه على إقالتي.. حاولت السفر منعتموني.. عملت في التجارة جعلتموني موظفاً عندكم بدوام كامل.. فمن أين أطعم أطفالي؟
– لماذا كلّ ذلك؟
– ببساطة أنا أنتمي لحزب…
– أتريد الهجرة حقاً؟
– نعم، وأسامحكم بالوطن
– دع الأمر لي، تقدّم بطلبك والموافقة تأخذها من شاربي.. سأريحك…
– وترتاحون …
– افترّت شفتاه عن ابتسامة…، اذهب الآن…
خرجت وأنا أقول: “اِلحق الكذّاب للباب”.. سأتقدم غداً لأرى إن كان صادقاً…
صدق الرجل… قال له ناصحاً: صُن لسانك.. لا تنسَ.. هناك لنا عيون.. وعده بزيارة عند عودته…
رأيته مصادفة.. غريب!! .. قيل لي إنك سافرتَ من يومين. ألغيتُ حجز الطائرة، وغداً سأذهب مع جارنا في سيارته.. وقبل أن يصلوا بغيتهم بحوالي خمسين كيلو متراً حدث ما لم يكن متوقعاً، انفجر الإطار الأمامي.. انحرفت السيارة عن مسارها.. تدحرجت وارتطمت بصخرة…، جِيء به مشلول النصف الأسفل، وبأضلاع مهشّمة، ورأس معطوب. نقل أحد المتتبعين أخباره إلى الضابط…، وبصوت يكاد يسمع: سفرة ميمونة.. الآن أطمئنُّ أنّه لن يفي بعهده…