fbpx

ثقافة التخلف.. الأسباب والنتائج

0 233

يقول مصطفى حجازي في كتابه “التخلف الاجتماعي – مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور”، بدل علاقة أنا، أنت، التي تتضمن المساواة والاعتراف المتبادل بإنسانية الآخر وحقه في الوجود ذاك الاعتراف الذي يشكل شرط حصولنا على انسانيتنا من خلال اعتراف الآخر بنا كقيمة إنسانية، بدل هذه العلاقة تقوم علاقة من نوع آخر، (أنا، ذاك) ذاك هو الشيء، هو الكائن الذي لا أعترف به وبإنسانيته وقيمتها، أو بحياته وقدسيتها باعتباره شيئاً.

أسباب التخلف

لا أعتقد أن أحداً يجادل في أننا نعيش في ظل نظم استبدادية منذ قرون، وأن شعوبنا العربية لم تتذوق معنى الحرية أبداً، وإن الفترات المحدودة جداً التي عاشها بعض هذه الشعوب تشكل واحات صغيرة في صحراء كبيرة قاحلة جدباء، وأحسب بأننا ندرك انعكاس ذلك على بنية الإنسان وسيكولوجيته وما ينتجه الاستبداد من بنى معرفية وثقافية واجتماعية ووعي سياسي وتربوي متخلف، بحيث يعاش هذا التخلف على المستوى الإنساني، كنمط وجود مميز له ديناميته النفسية والعقلية والعلائفية النوعية، كما قال مصطفى حجازي، وأضاف:

(الإنسان المتخلف، منذ أن ينشأ تبعاً لبنية اجتماعية معينة يصبح قوة فاعلة ومؤثرة فيها فهو يعزز هذه البنية ويدعم استقرارها بمقاومة تغييرها نظرا ارتباطها ببنيته النفسية).

في ظل هذه الأنظمة الاستبدادية المستديمة تمت الامتثالية الاجتماعية المحافظة الموروثة عن عصور طويلة من الانحطاط والفقر والبؤس المادي والمعنوي من جهة، ومن جهة ثانية نمت ثقافة اجتماعية تسترية، قائمة على الخوف من كشف الهوية والمواقف السياسية والتستر على الذات ونشاطاتها الخاصة وتوخي في كل عمل خوفا من إثارة الغيرة أو الحسد أو العداء، هناك بالفعل انفصام كبير بين الاعتقاد والتعبير، وفق رأي برهان غليون، في كتابه الاختيار الديمقراطي في سوريا، ذلك لأن الناس مضطرة، بسبب القهر والخوف من انتقام الحكام وجسد الجمهور أو نقمته إلى النفاق، أي إلى التعبير عن عكس ما تعتقده وفق رأي برهان أيضاً.

إن ثقافة الخوف التي تنميها أنظمة الاستبداد تجعل الإنسان الفرد لا يرى بنفسه القدرة على امتلاك حريته بل يعتبرها خطراً على حياته ومصالحه وحتى على وجوده الاجتماعي.

وينظر إلى الاستلاب والاغتراب عن ذاته، والإقصاء بأنها أمور طبيعية ويعزوها إلى القوى الماورائية، إلى الله لأنه العاطي والرازق، وكل شيء مقدر ومكتوب، وما (يصيبكم إلا ما كتبه الله لكم) وهو الذي خلق هذا التمايز بين البشر.

كما أن تعميم مقولة (الرضا والتسليم آخر العلم والتعليم) واخضاع إرادة الإنسان إلى إرادة الخالق، وربط كل ما يجري به في إطار مقولات كثيرة لم تستلب إرادة الشعوب فقط، بل عززت من طغيان الحكام واستبدادهم وجعلتهم أعداء ليس لشعوبهم أو بتعبير أدق لرعاياهم بل للجنس البشري، حسب قول (ديدرو).

لذلك لم نر على مر التاريخ لا إسلامياً ولا عربياً، المستبد المستنير الذي قال بضرورته العديد من الفلاسفة والمفكرين، خاصة في الغرب.

وهذا جعل من (القيم) الدينية وفق هذا الفهم المتخلف تحتل المساحة الأوسع والأشمل في تجمعاتنا وجعل لكل دين أو طائفة لها قيمها التي تحدد سلوك أفرادها والمشترك فيما بينهم هو الأضعف، بحيث أصبحت مصفوفات بشرية أكثر ما هي مجتمعات، ما جعل من الثقافة السائدة خارجة عن المجتمع الحضري فهي ثقافة قبلية كما وصفها عابد الجابري، وماضوية في مقابل المستقبلية، وأسطورية في مقابل الواقعية، وأحادية في مقابل التعددية، ورغبوية في مقابل التاريخية، كما وصفها د. تركي الحمد.

إن هذا وغيره الكثير، جعل من الأزمة التي نعيشها أزمة مركبة في غاية التعقيد وعقبة كأداة أمام أي تغيير، وتحتاج إلى بنى فكرية وسياسية ليست فقط جديدة بل بنى منتجة من خصوصيتنا من واقعنا ليست استطالة لأي تجربة أو فلسفة أو فيلسوف أو امتداداً لأي سياسة، محلية أو دولية بل هي بنية ذاتية ذات بعد إنساني بعيد عن العنف تتقاطع وتتعاون مع البنى المشابهة لها أينما وجدت والعمل على خلق صداقات على هذا الأساس لا قومي ولا طبقي ولا ديني أو طوائفي ولا هي امتداد لأي من الصراعات القائمة بكل وجوهها، إنها مكون إنساني أخلاقي أساساً ينتج ذاته الفردي والجمعي على هذه الركائز.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني