fbpx

توريث المرأة بين العرف والقانون

2 370

لعب الموروث التاريخي دوراً مهماً في تكوين ثقافة المجتمع في سوريا، وبخاصة في مناطقها الريفية، فيما يتعلق بقضية الميراث، وخلق فجوة كبيرة بين الجنسين في الحقوق والواجبات. ولإلقاء الضوء على هذه الفجوة، لابدّ من تبيان الواقع الفعلي للمجتمع، من خلال قضية مهمة ألا وهي قضية توريث الإناث.

تمتثل جميع الطوائف الإسلامية في سوريا لقانون إرث واحد يعطي النساء نصف ما يعطي الرجال، فـ “للذكر مثل حظّ الأنثيين”، ما يعني، أن الأخت ترث نصف ما يرث أخيها، وترث الزوجة من زوجها نصف ما يرث منها، ولا تحجب البنت الميراث عن الآخرين، ممّن يحق لهم الإرث، كما في التشريع المسيحي، ويتشارك مع التشريع المسيحي المذهب الجعفري، في أن الأنثى تقطع الارث في حال لم يكن للمتوفى إلا الإناث من الذرية، ويختلف المذهب الدرزي فقط فيما يتعلق باحترام وصية المتوفى بالدرجة الأولى، وتشمل وصيته كامل ميراثه.

وقد تم تعديل قانون الإرث لدى الطوائف المسيحية الشرقية بمرسوم لعام 2010، لتتساوى الانثى والذكر في حصتهم من الإرث، كما لدى الطوائف الغربية، وعُدلت الوصية لتبلغ نصف التركة، بعد ان كانت تبلغ ثلثها فقط.

فعلى الرغم من أن هذه القضية قضية توريث المرأة منصوص عليها في القوانين المعمول بها في سورية، والمستندة إلى التشريعات الدينية، إلا أن للإرث الثقافي المجتمعي بأعرافه وتقاليده سطوة على تنفيذ تلك الأحكام الشرعية، فتُحرم الإناث من إرثهن وحقوقهن المشروعة قانوناً، مما يخلق جوّاً من الصراعات والمشاحنات بين الأسر التي تجمعها علاقة مصاهرة، وقد تصل تلك الصراعات إلى حدّ القتل أو السجن، ناهيك عن المقاطعة بين الأرحام.

هذه المقالة، لا تهدف إلى مناقشة شريعة التوريث، أو تقسيم الأنصبة، أو مدى عدالتها أو مواءمتها لأفكار العدل والمساواة، إنما هدفها تسليط الضوء على المشكلات التي تعاني منها المرأة في مجتمعنا، للحصول على حقها في الميراث وأثر حرمانها من هذا الحق عليها وعلى المجتمع. حيث تواجه المرأة في مجتمعنا العديد من المشكلات عند الحصول على حقوقها في الإرث، وتشمل:

التمييز القانوني ضد المرأة فيما يتعلق بحقوق الإرث، حيث يتمّ منح الرجل حصة أكبر في الإرث من المرأة. إذ يعتبر الرجل أنه المعيل الرئيسي للأسرة، ويتوقع أن يتمكن من الحصول على حصة أكبر في الإرث، بينما تنظر إلى المرأة على أنها تنتمي إلى أسرة زوجها، ولا تمتلك حقوق ملكية خاصة بها.

وفي بعض الحالات، تواجه المرأة صعوبة في الحصول على حصتها المشروعة في الإرث، بسبب تعقيد الإجراءات القانونية، وطول فترتها، التي يجب اتباعها للحصول على الحقوق المالية، إضافة إلى التكلفة العالية لمثل هكذا دعاوى، التي في غالب الأحيان لا تستطيع المرأة توفيرها.

وفي ذات الأهمية، إن لم تكن الأكثر صعوبة، ونقصد تلك الضغوط الاجتماعية التي تواجه النساء من العائلة، أو المجتمع للتنازل عن حقوقهن في الإرث، ومحاصرتها بثقافة العيب.

يضاف لما سبق، افتقار بعض النساء إلى المعرفة الكافية بالقانون، والإجراءات اللازمة للحصول على حصتهن المشروعة في الإرث، مما يؤدي إلى عدم قدرتهن على المطالبة بحقوقهن.

تخلّي المرأة عن حقها في الميراث يؤدي إلى العديد من النتائج السلبية، والتي تؤثر على حياتها وحياة أسرتها والمجتمع ككل، ومن هذه النتائج:

إن تخلي المرأة عن حقها في الميراث يؤدي إلى الظلم الاجتماعي وعدم المساواة بين الجنسين، وهذا ينعكس سلباً على الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للمجتمع. وتكريس ثقافة التمييز بين الذكور والإناث، ما يجعل الذكور يستسهلون التنمّر على الإناث، ويجعل الإناث يشعرن أنهن ضيفات لدى أسرهن، وستنتهي ضيافتهن لدى زواجهن.

والنقطة الثانية التي تشعر بها المرأة لدى زواجها من رجل من عائلة ثانية، ستُفهمها أنها ستظل غريبة، وبالتالي لن ترغب العائلة الجديدة بمشاركتها إرثها، فتُحرم النساء من الحصص في الحالتين، وتصبح مكانتهن المادية والمعنوية هشّة جداً، ويرين أنفسهن في موقع ضعيف، سيدفعهن إلى التضحية كثيراً لكي يُرضين الزوج وعائلته من جهة، وعائلتهن الأولى من جهة أخرى، وإلا، فقد تنمو العداوات إلى حدّ القطيعة.

كما أن تلك الخطوة تؤدي إلى الضعف الاقتصادي للمرأة وأسرتها، حيث تُحرم من الحصول على مورد مالي مهم، يساعد في تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لها وللأسرة.

وبالرغم من أن هذه الضغوط قد تؤدي إلى تخلى المرأة عن حقوقها في الميراث، إلا أنه يجب على النساء الحفاظ على حقوقهن، والسعي لتحقيقها، وذلك بالتعريف عن حقوقهن القانونية، والوعي بأهمية الحصول على هذه الحقوق، وأيضاً بالعمل على تغيير الثقافة والعادات التي تحرم المرأة من حقوقها في الميراث، وبالتالي نتجه خطوة في بناء مجتمع يساوي بين الذكور والإناث في الحقوق والواجبات.

إن تغيير العادات والثقافة السائدة في المجتمع السوري بخصوص النظرة إلى حقوق المرأة، يحتاج إلى تغيير الشروط والظروف المنتجة لها، فهذه العادات تنحسر مع تطور فكري اجتماعي، ناتج عن تطور البنى الاجتماعية على مستوياتها السياسية والاقتصادية والثقافية.

وهناك من يظن أنه يمكنه تثبيت العادات والتقاليد الاجتماعية في وقت تتطور فيه العلاقات الاقتصادية، وهذا غير ممكن لأن حيوات الجماعات البشرية تتغير مع تغير علاقات الإنتاج الاقتصادي فيها، فحصول الذكر على حق المرأة في الميراث يرتبط حكماً بذهنية الحيازة الزراعية الصغيرة، وهي تكشف عن بنى اجتماعية ما قبل رأسمالية، صارت جزءاً من الماضي، وتجاوزها التطور العام للمجتمع بكل أنساقه.

فهل ستتغير العادات والتقاليد التي تحرم المرأة من الحصول على حقها في الميراث؟ سؤال يدرك الجميع أنه يقرع أبواب الحياة الاجتماعية، لتنفتح على مجتمع الإنسان وليس مجتمع التمييز بين الذكور والإناث؟ نعم ستتغيّر العادات والثقافة، لأنها محكومة بقانون التطور البشري بكل أنساقه.

2 التعليقات
  1. عبد الناصر حوشان says

    وإن مشكلة حرمان المرأة – سواءٌ كانت زوجة أو بنتاً أو أمّاً – أو الانتقاص من ميراثها الذي فرضه الله لها ليست “مشكلة نصوص” وإنما هي “مُشكلة لصوص” الذين يخالفون النصوص الشرعيّة الناظمة لأحكام الميراث، وينتقصُون من شخصية الوارث، ويهدمون القيم، ويُفرِّطون بالحقوق، ويعبثون في تركيبة المجتمع من خلال خلق العداوات فيما بين الأجيال المتعاقبة بدافع الطمع وبسبب قِلّة الوعي الديني، الامر يستوجب عقاب الله – عز وجل – إذ أنّ حرمان الورثة من حقوقهم يُعتبر باطِلاً وظلماً، وأكلها يعتبر سُحتاً وحوباً كبيراً، فلنتَّقِ اللهَ فيما بيننا ولنُوَفِّ كلَّ ذي حقِّ حقَّه.

  2. عبد الناصر حوشان says

    https://ninarpress.net/?p=16707
    استكمالا لمقالك المهم هذا مقال سابق لنا حول الموضوع

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني