fbpx

الميراث بين العدل والمساواة

0 290

تُعتبر قضيّة الإرث والمساواة في الميراث بين الذكر والأنثى القضية الأكثر جدلاً والأكثر تداولاً من قبل منظمات حقوق الإنسان، ومنظمات الحركة النسويّة المتطرّفة، ويشوبها الكثير من المغالطات، وانتقلت عدواها إلى السوريين والسوريّات، الذين أصبح جلّ همّهم تغيير الدستور والقوانين وتضمينها مبادئ فوق دستوريّة ومنها مبدأ “المساواة في الإرث بين الذكر والأنثى” الأمر الذي يقتضي بيان وتوضيح أحكام الإرث بالنسبة للمسلمين في قانون الأحوال الشخصيّة السوريّ المُستمدّ من الشريعة الاسلاميّة وما استقرّ عليه إجماع الأئمة.

العدل والمساواة:

إن مفهومي العدل والمساواة مرتبطان ببعضهما بعضاً، إلّا أنّ العدل لا يكون دائماً بالمناصفة والتكافؤ بين الأطراف في مختلف القضايا والأمور، فقد يأتي العدل بصورة “الحياد في المعاملة” في حال تشابه وتساوي حقوق الطرفين المتنازعين حيث يتمثّل العدل في هذه الحالة “بالمساواة بالإنصاف بينهما”. أمّا وفي حال تباين الحقوق فيأخذ كلّ طرفٍ من الأطراف ما يستحقه تماماً دون النظر إلى التكافؤ بينهم.

ويُعرّفُ أرسطو العدل بأنّه: معاملة الأفراد بالتناسب في إعطاء الحقوق بمنطق القانون، حيث إنّه يُمكن حصول أحد الطرفين على ما لا يستحقه إذا طُبقّت قاعدة المساواة ذاتها في توزيع الحقوق لأصحابها، وهنا يُمكن القول بأنّ مفهوميّ العدل والمساواة مرتبطان لكنّهما مختلفان.

أمّا المساواة فقد عرّفتها الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان: بأنّها منح أفراد المجتمع فرصاً متكافئةً لتمكينهم من تحقيق الاستفادة القصوى من مواهبهم وحياتهم، بحيث يحصل الجميع على ذات الفرص والمعاملة والدعم، ويتساوى الجميع بغض النظر عن أعراقهم، وأنسابهم، واعتقاداتهم، وحالتهم الجسدية كالإعاقة….”.

وبناءً عليه فإنّ المساواة تتحقّق عند تطبيق العدل بين الناس، وفقاً لما يُقرره القانون من ضوابط وقواعد وآليّات، وتكون هذه القواعد والضوابط والمبادئ هي المرجع في تحديد عدالة أو جَور تصرّفات الافراد والجماعات، وتتولّى السلطة مسؤوليّة ومهمة تحقيق المساواة وضمانها بالاستناد إلى قوانين الإجراءات والقوانين المدنيّة والجزائيّة، وتبقى قوانين الأحوال الشخصيّة هي المرجع في تحديد مبادئ وقواعد وآليّات توزيع الميراث سواء للمسلمين أو لغيرهم كلٌ حسب ما تُقرِّره شريعته.

وبما أن القانون بالمعنى العام هو الحاكم لأفراد الجماعة باعتباره يُعبّر عن إرادة الجماعة، وعن معتقداتها، وقيَمِها الاخلاقيّة والثقافيّة والاجتماعيّة، وهو الذي يُحدّد ويُنظّم العلاقات بين أفراد الجماعة فيما بينهم وعلاقة الافراد بالجماعة، وعلاقة الجماعة بالجماعات الأخرى، وحيث أن الدين والعرف مصدران أسياسيّان من مصادر القانون، فإن أيّ دعوى لتفكيك هذه الإرادة خارج إطار أليات صياغة وإصدار القوانين سواء من خلال التوسّل “بالقوة، أو بالسلطة أو الاحتكام إلى العامّة ” لا يُعوّل عليها لآنها تتناقض مع العدالة والمساواة والإنصاف باعتبارها افتئات على حقوق الأفراد الآخرين المنضوين تحت راية الجماعة.

وتتسّم العدالة بالعديد من السمات، حيث أنها تستند على عادات وتقاليد المجتمع، وتشمل جميع جوانب السلوك البشري، وتتحقّق عن طريق وضع القوانين وإنشاء المحاكم. وتوزيع الحقوق والفرص والوسائل بشكلٍ متساوٍ وعادل بين الجميع. أنها تقوم على التوفيق بين المصالح الفردية والمجتمعية. وترتبط بالحرية، والمساواة، والملكية. وترتكز العدالة على مبدأ الموازنة بين العلاقات الإنسانية، لكي يتمكّن كلّ فرد من الحصول على حقوقه، أو عقابه فيما لو أخلّ بأحد القوانين.

وحيث أن “الاعتقاد” غير “البيِّنة”، وحيث أن اتساع نطاق الاعتقاد بقضيةٍ ما هو أمرٌ غيرُ ذي صلة بصدق القضية ذاتها أو كذبها، إنما يتحدد ذلك بالوسائل العقلانية الخاصة التي تستخدم الأدلة والمعلومات الصحيحة التي يمكن أن تُستمد منها النتائج بطريقة منطقية، وحيث أننا ملزمون بالسير وراء الحقيقة، وليس العكس فلابد لنا معرفة حقيقة أحكام الإرث في الشريعة الاسلاميّة ثمّ الحكم عليها.

تقوم فلسفة الميراث في الشريعة الإسلامية على ثلاثة معايير بيّنها الدكتور محمد عمارة رحمه الله:

  • درجة القرابة بين الوارث والمتوفى: فكلما كان الوارث أقرب كان ميراثه أكبر، والعكس صحيح، دونما اعتبار لجنس الوارثين.
  • موقع الجيل الوارث من التتابع الزمني للأجيال: فالأجيال التي تستقبل الحياة وتستعدّ لتحمّل أعبائها عادة يكون نصيبها من الميراث أكبر من نصيب الأجيال التي تستدبر الحياة وتتخفّف من أعبائها، بل وتصبح أعباؤها عادةً وشرعاُ مفروضة على غيرها “نفقة الأقارب”، وذلك بصرف النظر عن الذكورة والأنوثة في الوارثين والوارثات، فبِنت المتوفى ترث أكثر من أمه – وكلتاهما أنثى – وترث البنت أكثر من الأب، وكذلك يرث الابن أكثر من الأب، وكلاهما من الذكور، وفي هذا المعيار من معايير فلسفة الميراث في الإسلام حِكم إلهية بالغة، ومقاصد سامية تخفى على الكثيرين، وهي معايير لا علاقة لها بالذكورة ولا بالأنوثة على الإطلاق.
  • العبء المالي الذي يوجب الشرع الإسلامي على الوارث تحمله والقيام به إزاء الآخرين: وهذا هو المعيار الوحيد الذي يُثمر تفاوتاً – ظاهرياً – بين الذكر والأنثى، لكنّه تفاوتٌ لا يُفضي إلى أي ظلمٍ للأنثى أو انتقاصٍ من إنصافها، بل ربما كان العكس هو الصحيح، ففي حالة ما إذا اتفق الوارثون في درجة القرابة، وفي موقع الجيل الوارث – مثل أولاد المتوفى – يكون تفاوت العبء المالي هو السبب في تفاوت الميراث بين الأخ وأخته، ولذلك قالت الآية “11” من سورة النساء: “يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين”، ولم تقل يوصيكم الله في مطلق الوارثين، ذلك لأن الذكر هنا سيؤسس أسرة وينفق عليها، بينما الأنثى سيعولها ذكر، وسيكون ميراثها ادخاراً لجبرِ الاستضعاف الأنثوي، وللتأمين ضد المخاطر والتقلبات، ولأن هذه هي فلسفة الإسلام في الميراث جاءت تطبيقها الواقعية امتيازاً وتميّزاً للإناث على الذكور، على عكس ما يظن الجاهلون والمتجاهلون.
  • حالات ميراث الأنثى في الشريعة الإسلاميّة للمرأة “34” مسألة في الميراث منها: المرأة ترث ولا يرث الرجل: عندما تحجب فيه المرأة الرجل، وله صور، منها:
  • إذا ترك الميت: بنتاً، وأخاً لأم، فإن البنت تحجب الأخ لأم، ولا يرث شيئاً بسببها.
  • إذا ترك الميت: بنتاً، وأختاً شقيقة، وأخاً لأب، فللبنت نصف التركة فرضاً، وللأخت الشقيقة باقي التركة تعصيباً مع البنت، لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قضى بأن تجعل الأخوات مع البنات عصبة، ولا شيء للأخ لأب، لأنه حُجِب بسبب إرث الأخت الشقيقة بالتعصيب.

أربع حالات فقط تأخذ فيها نصف ميراث الرجل “للذكر مثل حظّ الأنثيين” وهي:

  • البنت مع الابن.
  • بنت الابن مع ابن الابن.
  • الأخ الشقيق مع الأخت الشقيقة.
  • الأخت لأب مع الأخ لأب.

حالات ميراث الأنثى فيها مثل الذكر تماما وهي:

  • الأب والأم في حالة وجود الفرع الوارث.
  • الأخ والأخت لأم.
  • أخوات مع الإخوة والأخوات لأم.
  • البنت مع عمِّها أو أقرب عُصبة للأبّ “مع عدم وجود الحاجب وهناك حالات عشر – أو تزيد – ترث فيها الأنثى ولا يرث نظيرها من الذكور.

حالات ميراث الأنثى أكثر من الذكر هي:

  • الأب مع أم الأم “الجدة” وابن الابن.
  • زوج وأمّ وأختان لأمّ وأخ شقيق: على قضاء عمر رضى الله عنه، فإن الأختين لأمّ والأخ الشقيق شركاء في الثلث.
  • انفراد الرجل أو المرأة بالتركة بأن يكون هو الوارث الوحيد، فيرث الابن إن كان وحده التركة كلها تعصيباً، والبنت ترث النصف. فرضاً والباقى ردّاً. وذلك أيضاً لو ترك أباً وحده فإنه سيرث التركة كلها تعصيباً، ولو ترك أمّاً فسترث الثلث فرضاً والباقي ردّاً عليها.
  • زوج مع الأخت الشقيقة، فإنها ستأخذ مثلما لو كانت ذكراً، بمعنى لو تركت المرأة زوجاً وأخاً شقيقاً فسيأخذ الزوج النصف، والباقي للأخ تعصيباً، ولو تركت زوجاً وأختاً فسيأخذ الزوج النصف والأخت النصف كذلك.
  • الأخت لأم مع الأخّ الشقيق، وهذا إذا تركت المرأة زوجاً، وأمّاً، وأختاً لأم، وأخاً شقيقاً، فسيأخذ الزوج النصف، والأم السدس، والأخت لأمّ السدس، والباقى للأخ الشقيق تعصيباً وهو السدس.
  • ذوو الأرحام في مذهب أهل الرحِم، وهو إن لم يكن هناك أصحاب فروض ولا عصبات فإن ذوي الأرحام هم الورثة، وتُقسّم بينهم التركة بالتساوي كأن يترك المتوفى ” بنت بنت، وابن بنت، وخالا، وخالة ” فكلهم يرثون نفس الأنصبة.
  • وممّا يتميز به الميراث في الإسلام أنه يتحرّى العدالة في كل الأحوال بالإضافة لما ذُكِرَ فإن ميراث “الخُنثى المُشكِل” الذي لا يُعرف جنسه وميراث “الحمل” من أعدل المسائل الإرثيّة، حيث يفرض “الخُنثى المشكِل” مرّة على أنه ذكر ومرّة على أنه أنثى ثم يُعطى أقلّ النصيبين، ومن الفقهاء من قال بإعطائه المتوسّط من النصيبين أي يُجمعان ويُقسّمان على اثنين ويستحقّ ناتج القسمة.

وأمّا ميراث الحمل ففيه التفصيل الدقيق التالي:

  • يُؤخذ بالتقديرات الغالبة لأحوال الحمل وهي ستّ: أن ينزل ميتاً. أو أن ينزل حيّاً ذَكَراً. أو أن ينزل حيّاً أنثى. أو أن ينزل حيّاً ذَكَراً وأنثى. أو أن ينزل حيّاً ذَكَرَين. أو أن ينزل حيّاً أُنثيين”.
  • فيُقدّر الحمل بالتقديرات السابقة وتتم مقارنة هذه التقديرات، ويوقف النصيب الأكبر في هذه التقديرات للحمل ونعطي أضرّ الأنصباء لبقية الورثة، فإن ظهر الحمل، كما قُدِّر عند التوزيع “أعطيناه الموقوف”، وإن اختلف أخذ نصيبه الذي يستحقّه ويُردّ الباقي على بقية الورثة حسب انصبتهم.
  • إنّ أحكام الميراث من الأحكام قطعيّة الثبوت وقطعيّة الدلالة، شرحها القرآنُ الكريم، وأكدتها السنة النبوية بالتصديق والإقرار، ووضع صور تطبيقاتها للصحابة الكرام وأئمة الفقهاء.

 وإن مشكلة حرمان المرأة – سواءٌ كانت زوجة أو بنتاً أو أمّاً – أو الانتقاص من ميراثها الذي فرضه الله لها ليست “مشكلة نصوص” وإنما هي “مُشكلة لصوص” الذين يخالفون النصوص الشرعيّة الناظمة لأحكام الميراث، وينتقصُون من شخصية الوارث، ويهدمون القيم، ويُفرِّطون بالحقوق، ويعبثون في تركيبة المجتمع من خلال خلق العداوات فيما بين الأجيال المتعاقبة بدافع الطمع وبسبب قِلّة الوعي الديني، الامر يستوجب عقاب الله – عز وجل – إذ أنّ حرمان الورثة من حقوقهم يُعتبر باطِلاً وظلماً، وأكلها يعتبر سُحتاً وحوباً كبيراً، فلنتَّقِ اللهَ فيما بيننا ولنُوَفِّ كلَّ ذي حقِّ حقَّه.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني