fbpx

تل أبيب وطهران.. إلى أين تقودان سوريا؟

0 1٬118
تاريخ العلاقات بين طهران وتل أبيب

قبل ثلاثين عاماً كانت طهران أكبر مستورد للأسلحة من تل أبيب مقابل تصدير النفط إليها، ولمدة ثلاثة عقود كانت للأخيرة بعثة دبلوماسية في طهران حتى انطلاقة الثورة الإيرانية بقيادة (الخميني) بين عامي 1948 و1978، مع استمرار علاقات ودية فيما بينهما حتى عام 1979، ثم بدأت تتحوّل شيئاً فشيئاً نحو التصعيد، ومن ثم المواجهة المباشرة والدخول في لعبة الأدوات والتحدي للسيطرة على أكثر المناطق توتراً في الشرق الأوسط.

هل العداء بين طهران وتل أبيب حقيقي؟

ومنذ نشوء دولة إسرائيل (1948) كانت حليفاً استراتيجياً قوياً لشاه إيران، الذي منح له دور “شرطي الخليج” وكان يلوح بعصا التهديد في وجه كل من يحاول رفض السياسات الأمريكية في المنطقة.

رسمت تل أبيب الخطوط الحمر أمام طهران وحذرتها على الدوام من تجاوزها، وهي منعها من امتلاك السلاح النووي، وتعطيل حصول “حزب الله” على الصواريخ الدقيقة وبعيدة المدى، ووقف التوسع والوجود الإيراني وترسيخه في الشرق الأوسط.

وبتسليح أمريكي مباشر، كانت إيران تخوض حرباً ضروساً ضد العراق منذ عام 1980 إلى 1988 التي كانت أطول حرب في القرن العشرين، وأحد أكثر الصراعات دموية وتكلفة من الناحية الاقتصادية والبشرية.

المفارقة في الوضع الشائك للصراع في الشرق الأوسط، هو أن طهران كانت ولاتزال ترفع شعار «تحرير فلسطين» وتدعم فصائل المقاومة الفلسطينية وترى أن هذا التحرير يجب أن يمر عبر الإطاحة بنظام صدام حسين ومن ثم الهيمنة على قرارات بعض الدول المحيطة بإسرائيل، وتصدير “الثورة الإسلامية للعراق” والمنطقة، وبالفعل تمكنت طهران من الالتفاف على الغزو الأمريكي للعراق 2003 ووضعت قبضتها على مفاصل الدولة، وباتت تحرج واشنطن في الكثير من المواقف والقضايا، وصولاً إلى انتقام واشنطن منها عبر الإطاحة بقاسم سليماني (قائد فيلق القدس) الذي كان يتحكم بقرارات أربع عواصم في المنطقة، وذلك عبر عملية عسكرية معقدة شارك فيها طيران الاستطلاع في مطار بغداد الدولي العام الماضي.

نقل الكرة إلى الملعب السوري

تدّعي تل أبيب، من خلال عملياتها الجوية المستمرة على مواقع المليشيات الإيرانية في سوريا، أنها تهدف إلى إضعاف قدرة منافسيها قبل أي حرب مستقبلية محتملة معها، وتستخدم أسلوب الغارات غير المعلنة في سوريا فيما يعرف بـ “حرب وسط الصراعات”، وبعد الهجوم المتقن على المفاعل النووي السوري في عام 2007، تستخدم إسرائيل نفس الأسلوب على نطاق واسع حيث ألقت 4239 قنبلة لاستهداف 955 هدفاً داخل سوريا، وشارك في تلك الحملة 70% من الطيارين الإسرائيليين وتصدرتها مقاتلات إف-35” في أنحاء سوريا وحتى يومنا هذا، رغم ذلك زادت إيران من وجودها العسكري في هذا البلد عبر قوات فيلق القدس وحليفها اللبناني حزب الله وغيره من الوكلاء.

تل أبيب في الفترة الأخيرة، تحاول أن تتناغم وبشكل مستمر مع موسكو على الساحة السورية، رغبة منها في إبعادها عن حماية المليشيات الإيرانية في سوريا، وتحجيم دورها في مساندة النظام السوري، ومؤخراً بدأت تطفو على السطح أيضاً بوادر صراع بين طهران وموسكو، لأن الأخيرة تعتبر طهران مصدر إزعاج لديها نتيجة اندلاع اشتباكات بين قوات النظام الموالية لموسكو، وأخرى لطهران على الأرض السورية، وموسكو بدورها، كلما ضاقت بها السبل تلجأ إلى تل أبيب لردع التوسع الإيراني في المنطقة.

بين هذا وذاك، طهران تعمل جاهدةً للانخراط في الحروب القائمة في المنطقة عبر أدواتها ووكلائها لتفرض شروطها في أية مفاوضات محتملة مع واشنطن، قد تحدث على مستقبل سوريا والمنطقة برمتها بما فيها (اليمن والعراق ولبنان)، وتعتبر أن الهجوم أفضل وسيلة للدفاع، وتحاول جاهدة نقل الكرة إلى الملعب اللبناني والسيطرة على مفاصل الدولة هناك لتتحكم بقرارها السياسي لحماية النظام السوري من السقوط ومن البوابة الخلفية، لأنها تعتبر أن سوريا تشكل جبهة متقدمة لها في الصراع القائم مع تل أبيب، ومن جهة أخرى يعتقد المراقبون أن الوجود العسكري الروسي في سوريا كانت برغبة إسرائيلية/أمريكية لخلق حالة من التوازن العسكري في مواجهة أنقرة في الجبهة الشمالية.

ومن هنا نستطيع القول: إن تغلغل إيران داخل سوريا (عسكرياً واقتصادياً)، بات من الصعب على تل أبيب مواجهته، خصوصاً مع ضعف نظام بشار الأسد واعتماده على الإيرانيين، بشكل كبير لا يسمح له بالطلب منهم الخروج من البلاد، وتعتقد طهران أن بقاء نظام الأسد في السلطة، هو مصلحة أمنية وطنية رئيسية وضرورية لضمان بقاء أحد حلفائها الإقليميين.

وبحسب المسؤولين في طهران، فإن سقوط منظومة البعث في سوريا في أيدي القوات “المعادية لها” سيهدد بشكل خطير نفوذ إيران الإقليمي وعمقها الاستراتيجي، من خلال احتمال قطع وصول طهران إلى “حزب الله” في لبنان، وهو الورقة الإيرانية الأكثر أهمية من الناحية الاستراتيجية لمواجهة واشنطن وتل أبيب في الشرق الأوسط.

الخلاصة:

تل أبيب ترى أن ترسيخ طهران لوجودها العسكري المتزايد على حدودها الشمالية أمر غير مقبول، وعلى الرغم من كونها “محايدة” رسمياً في الحرب السورية، إلا أن النشاط الإيراني المتزايد في البلاد دفعها إلى رسم “خطوطها الحمراء” واتخاذ إجراءات عسكرية تهدف إلى مواجهة إيران وحلفائها في سوريا، كما أنها تسعى لوقف توسيع نفوذها الإقليمي بمزيد من العمليات العسكرية السرية.

بالمحصلة، بعد تدخل الرياض والدوحة والقاهرة بالتنسيق مع أنقرة من خلال الجامعة العربية في 2012، واقتراح الحلول السلمية لتطويق شرارة المتظاهرين في سوريا مقابل إجراء إصلاحات إدارية وسياسية في البلاد، فإن طهران، عبر وكلائها في هرم النظام ضربت بعرض الحائط جميع الجهود وتمكنت من الإطاحة بخلية الأزمة ونسف مكان الجلسة بالكامل وفرضت أجنداتها على المشهد السوري العام، وأصبح قرار النظام مرهوناً بيد إيران، ووجدت تل أبيب نفسها في موقف محرج، فلجأت إلى الخطة (ب) من خلال واشنطن، ووضعت قبضتها على النفط في شمال شرق سوريا لإخراج طهران من الملعب خاوية الوفاض، ولهذا السبب، فإن الصراع على سوريا سيستمر، وقوات سوريا الديمقراطية من أكثر المستفيدين منه، وتبقى كلمة الفصل، لموسكو وواشنطن حول مستقبل هذا البلد، والمعادلة تقول إن لم ترضخ طهران لأجندات تل أبيب في سوريا، فالاحتمال الكبير أن تذهب إيران نحو فوضى عارمة خلاقة، ومن الداخل، ومحاولة تحريك الشارع نحو حالة التمرد على النظام الحاكم وبدعم من الإمبراطورية الإعلامية الغربية بات أمراً مفروغاً منه، ويبدو أنه من المطلوب من إيران أيضاً، مراعاة مصالح تل أبيب في المنطقة وإلا فإن سوريا باعتبارها الورقة الأقوى بحوزتها، ذاهبة نحو تشكيل ثلاث مقاطعات منفصلة، وبالتالي نحن أمام معادلة (تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ)، وباتت الكرة في الملعب الإيراني لتقرر مصير هذا البلد كأمر واقع جديد لا مفرّ منه وعليها أن تحسم الجدل وتقرر ما إذا كانت ترغب بسوريا مفككة أو موحدة والخروج منها عسكرياً بالتي هي أحسن.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني