تغيرات المشهد الدولي وأثره على المعارضة السورية.. المطلوب إدارة الصراع
بدأنا في العامين الاخيرين أو أكثر، نلمس تراجعاً دولياً لأهمية المسألة السورية وتراجعها إلى مراتب متأخرة في أولويات الدول المنخرطة بالصراع السوري.
فبعد الهدنة غير المعلنة التي تمّ التوصل إليها في اتفاق موسكو بين الرئيسين التركي والروسي في آذار 2020، شهدت خطوط القتال ثباتاً واستمرت الخروقات من قبل النظام وحلفائه، وكانت أقرب للرسائل منها إلى الرغبة أو القدرة على عمل عسكري ما.
وكان الجميع ينتظر استلام بايدن لمفاتيح البيت الأبيض وتموضع سياسات كل دولة وفق الاستراتيجية الأمريكية.
كان السوريون يراقبون المشهد بقلق بالغ، لم يتفوُه بايدن بكلمة أثناء حملته الانتخابية عن سورية ولا حتى بعد عام من وصوله إلى البيت الأبيض، واقتصرت المقاربة الأمريكية على لقاء قمة في جنيف بين الرئيسين الأمريكي والروسي، أسفر عن الاتفاق على تمرير القرار 2285 بدخول المساعدات الإنسانية وتصريحات كل فترة وأخرى عن سياسة الولايات المتحدة بتطبيق القرارات الدولية، وضرورة الحل السياسي مع غياب كامل لوهج قانون قيصر الذي علّق السوريون آمالاً كبيرة عليه، مع التأكيد على محاربة الإرهاب واستمرار دعم ما يسمى قوات سورية الديمقراطية.
أحس السوريون أن سوريا تضيع أو تتسرب من بين أيديهم، وبدأ القلق يساورهم من اكتفاء الجيوش الخمسة بما حققته، ووصولها لتفاهمات بعدم الاشتباك ولو بالوكالة، وكان شبح تحول قوى الأمر الواقع إلى واقع مفروض على الأرض، يقسم سوريا إلى ثلاث مناطق سيطرة تضم أربع إدارات مدنية، وكان التفتت المجتمعي يشكل الخطر الأكبر من التشظي الجغرافي
المعادلات القائمة لا تغيّرها إلا الأحداث الكبرى
كانت تنقية الأجواء العربية – العربية، والعربية – التركية عاملاً هاماً يصبّ حتماً في صالح الثورة السورية، لكن المنطقة كانت تعيش مخاض التوصل لاتفاق نووي جديد أو مجدد، يتيح تهدئة أمريكية – إيرانية يعقبها تنمٌر إيراني في الإقليم عموماً وسورية بشكل خاص، وكانت سحب الدخان الأبيض تتصاعد من فيينا إيذاناً بولادة الاتفاق.
خلال فترة تبديل الإدارات الأمريكية، كان الروسي يعيث فساداً بالعالم، ومنه سوريا، وكان كل ما يصدر عنه يشير إلى عدم استعجاله بأي حل للمسألة السورية إلا وفق شروطه وتفسيراته للقرارات الدولية، وكانت إدارة الأزمة تتم عبر مسار أستانة الإقليمي ومسار اللجنة الدستورية الذي يحظى برعاية أممية، ولم تكن أي بادرة أمل تلوح بالأفق، وما زاد الطين بلة، تآكل دور المعارضة السورية الرسمية وقلة الاهتمام الإقليمي والدولي بها، ودخولها في مرحلة تكلّس وجمود، بل انحدار، مع استمرار عجزها عن الاستحواذ على ثقة الشارع الثوري وضعف وسائل التواصل معه.
حدث الغزو الروسي لأوكرانيا، ذلك الحدث العالمي التي ستنعكس آثاره الجانبية في عمق المسألة السورية، نظراً لأن أطراف الصراع في أوكرانيا هي نفسها المتصارعة في سوريا
الاستحقاقات التي ستواجهها المعارضة السورية الآن
بات من المؤكد بعد دخول الولايات المتحدة والعالم الغربي في مواجهة عسكرية بالوكالة بأوكرانيا ومواجهة اقتصادية وسياسية شاملة ومباشرة، أن أي فرص لتعاون روسي – أمريكي في الملف السوري أصبح من الماضي، وبالتالي يجب على المعارضة السورية رسم استراتيجياتها وفق الحالة المستجدة ووضع سيناريوهات مختلفة تتماشى مع مآلات الصراع العالمي الجاري ومحاولة التموضع إلى جانب المعسكر الغربي ومحاولة الاستفادة ما أمكن من نتائج الصراع.
لكن المعضلة التي تواجه السوريين عموماً والمعارضة السورية خصوصاً هي عدم جاهزيتها لمواجهة تلك الاستحقاقات وهي:
– انضمام النظام السوري إلى صف الرئيس الروسي في الحرب، إذ أنه واحد من أربع دول مارقة صوتت في الأمم المتحدة بتأييد الغزو، والجهة الوحيدة التي جاهرت بإرسال مرتزقة للقتال إلى جانب الجيش الروسي، وتم ذلك علناً وتحت الأضواء.
وقد لمسنا انسحابات عسكرية روسية للعتاد والعديد، بل تعيين الجزار الروسي في حميميم قائداً جديداً للجيش الروسي في أوكرانيا.
إن استمرار الحرب في أوكرانيا، – التي يقول المسؤولون الغربيون أنها قد تستمر لسنوات، إلى جانب آثار العقوبات الاقتصادية القوية وآثار العزلة الروسية الدولية – قد يدفع بالوجود الروسي (العسكري والسياسي) في سورية إلى التآكل والاضمحلال وبالتالي إلى انسحاب مفاجئ.
– لم تتوضّح صورة الاتفاق النووي حتى الآن، فهل سيتمُ توقيعه أم لا؟ وإن كنت أظن أنه في هذا العام لن يتم التوصل لاتفاق بشأنه.
يجب على قيادة المعارضة السورية وضع الخطط لمواجهة أحد الاحتمالين، وصياغة خطة تناسب الوضع الحالي من حالة الترقب التي قد تستمر طويلاً، حيث كما الفضاء لا يقبل الفراغ، فإن السياسة لا تقبله أيضاً، لابد من ملء الغياب الروسي المتوقع، وعدم السماح للإيرانيين بفعل ذلك.
– كان واضحاً الاستعداد الأمريكي وبدايات رسم سياسات لمقاربة جديدة للمسألة السورية بعد الحرب في أوكرانيا، والتعاطي مع تحسن العلاقات الأمريكية مع تركيا، على حساب تراجع العلاقات الروسية – التركية، فقد بدأت تتسرب أخبار، عن رغبة أمريكية بتنسيق عالي المستوى بين الشمالين الشرقي والغربي، قد يصل إلى نوع من تشكيل جبهة معارضة قوية تقف بمواجهة النظام، وتضعفه مع حلفائه الروس والإيرانيين بأي مرحلة قادمة.
وتجلى ذلك بدفع واشنطن نحو حوار كردي – كردي بين ما يمسى الذراع السياسي لقسد (مسد) مع المجلس الوطني الكردي (أحد مكونات الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة) والقريب من تركيا، والدفع بما يسمى قسد ومسد للاحتفال لأول مرة بالذكرى الحادية عشر للثورة السورية واعتبار أنفسهم جزءاً منها وإقامة الاحتفالات وإصدار البيانات ورفع الأعلام.
– أيضاً يمكن اعتبار تنظيم مسد بالتعاون مع مركز أولف بالمه السويدي للقاء ما سمي القوى الوطنية الديمقراطية وتسليط الأضواء عليه، كإحدى عمليات غسيل التاريخ لتقديم نفسها للسوريين بحلة جديدة.
إزاء كل تلك الأحداث الجسام الحالية يتوجب على قيادة الائتلاف السوري المعارض أن تستمر بما أسمته عمليات الإصلاح، التي بدأت بها، والتي يجب أن تكون شاملة وبنيوية، لكي تقدّم نفسها كممثل معترف به دولياً للثورة السورية وتحاول ما أمكن إصلاح العلاقة مع القاعدة الشعبية ومن ضمنها نقل مقراتها للداخل المحرر قبل أن تصلح الأنظمة الناظمة لعملها، وليس تبديل الوجوه أو ما يسمى الكتل، بل إدخال من له وجود على الأرض ويمتلك تمثيلاً شعبياً أو ثقة المجتمع به سواء كان موجوداً داخل سورية أو خارجها.
مع الاسف تغييب في المقال عوامل السياق الراهن، المحفّز الرئيسي لإجراءات الإصلاح الشامل الراهنة؛ والتي تتمحور حول صفقة روسية أمريكية وإقليمية ، حصلت قبل غزو أوكرانيا، لإعادة تأهيل جميع سلطات الأمر الواقع،بما يضع الإئتلاف امام متطلّبات مرحلة جديدة ، يمارس بها دور سياسي مباشر في قيادة ” الحصّة ” التي تسيطر عليها تركيا والجيش الوطني. لايخرج عن هذاالسياق ، ويؤكّده ، جهود متوازية لإعادة تأهيل سلطات ” قسد ” و ” أسد ” .
جزيل الشكر والتقدير.