تطبيع عربيٌ مع الأسد ”نكاية بالطهارة“.. من المستهدف الحقيقي منه؟
في ”قمّة جدّة“ بدت سلسلة القيم التي سارت عليها الدول اللاهثة للتطبيع مع الأسد، متسقة كل الاتساق مع طبيعة الأنظمة التي يجري بناؤها يوماً بعد يوم في تلك الدول نفسها. فمن غير المتوقع أن تنخرط أنظمة حكم تكتشف للتو أهمية وضرورة وجود أجهزة “أمن دولة“ لديها إلى أبعد حد في مسارات تطالب أساساً بتقويض الدولة الأمنية العربية ومثالها الفاحش والأكثر حدّة ”نظام الأسد“ في سورية.
لا غرابة إذاً في اتجاه قيادات جديدة استفاقت على مثل هذه ”الضرورات“ نحو التقارب مع الأسد، فكيف يمكنها أن توجّه رسالة أكثر وضوحاً إلى شعوبها من مثل هذه الرسالة؟
الدرس السوري هو درس عربي، وطّي صفحة ”الربيع العربي“ هدف مشترك لكافة الأنظمة الداعية إلى الاستقرار بذريعة أنّ مطالبة الشعوب بالديمقراطية هي نقيض هذا الاستقرار والمتسبب الأول في الدمار والخراب الذي ضرب دول الربيع العربي المنكوبة.
هي إذاً استراتيجية تتعدى حدود السوريين، لتصل إلى هدف إقناع الشعوب العربية، أو بمعنى أدق ”غسل أدمغتها“ من حكاية الربيع والحرية والديمقراطية، فلا ربيع سوى ربيع الترفيه الذي عرضته السعودية على شعبها وربيع الملاذات الضريبية الذي عرضته دول أخرى معروفة، كما ربيع السجون وعودة هيمنة الجيش على الدولة والمجتمع في حالات أخرى.
من بين أهم ما يجعل من هذا التطبيع شأناً ”فوق سوري“ هو الجمهور العربي الواسع الذي عليه أن يتعامل مع معطيات مرحلة ما بعد التطبيع مع الأسد. فهذه البيئة المحيطة بالمشهد السوري ذات دور كبير في التفاعل مع الموقف المستجد وستبدر عنها ردود فعل لم تكن لتظهر في سنوات الجمر الماضية.
ولعل آخر ما تفكّر به الدول المنخرطة في التطبيع مع نظام مثل نظام الأسد بوضعه الحالي هو ردّ فعل السوريين المعارضين له، فهم في المقام الأول ومع الوقت، رفضوا لعب دور إقليمي ”نافع“لتلك الأنظمة، واستنكفوا عن مساعدتها سواء في الانسجام مع خطابها الرافض لطروحات السوريين بالمطالبة بما تعتبره تلك الأنظمة من ”المحرّمات“ أو بالانقضاض على المخاطر التي تخشاها عواصم بعينها رفعت شعار محاربة ما سمّته بـ ”الإرهاب الإسلامي السياسي“ الذي يمكن وضع أي جهة معارضة لها تحت عنوانه وفي أي حين.
في هذه اللحظة ليس بوسع السوريين فعل الكثير لمنع ما اعترضوا عليه والذي مثّله التطبيع العربي مع الأسد، ولعل حديث ”السيادة“ وعدم التدخّل في الشؤون الداخلية لكل دولة عربية والذي كان الأبرز في مخرجات ”قمة جدّة“ والذي يعمل في اتجاهين، لا نتدخل في الشأن السوري ولا يتدخل السوريون في شؤوننا، كفيلٌ بإنهاء معادلة لطالما خرقها نظام الأسد مع الدول العربية ومع دول الجوار، فيما التزمت به تلك الدول، لا رغبة بالمسالمة، وإنما طلباً للسلامة.
دولة مثل البحرين أقامت محاكمات علنية لخلايا حزب الله البحريني واتهمتها بالإرهاب بعد ثبوت تلقي تدريبات على يد المخابرات السورية في معسكرات بريف دمشق في كل من السيدة زينب والحجيرة، لا يمكنها أن تتعامل مع نظام الأسد إلا من باب اتقاء شروره، وهي من الداعين اليوم لمد اليد له وبقوة، وكذا هي الحال مع الأردن والسعودية وغيرها التي تعاني من سيول المخدرات التي يصدّرها إليها.
وعلى ذلك يبدو الدرس التطبيعي العربي مع الأسد درساً ذاتياً لتلك الدول قبل أن يكون مصدّراً إلى الآخر. فهي بقرارها ذاك تتوهّم، كما يتوهم الأسد، أنها قادرة على العودة إلى ما قبل العام 2011 العام الذي تفجّرت فيه الثورة السورية، ولكنها هي ذاتها تغيّرت كثيراً وجذرياً منذ ذلك الحين، وسعودية بن سلمان ليست سعودية سعود الفيصل حتى لو نشرت صحيفة” عكاظ الرسمية مانشيتاً عريضاً يحنّ إلى معادل ”س – س“ في إشارة إلى الاتفاقات السعودية السورية حول لبنان. هذا زمن ولّى ولا رجعى إليه.
ما لا تحسبه دول التطبيع مع الأسد هو التحولات التي طرأت على كل شيء تقريباً فيها ومن حولها، تكنولوجيا أصبحت الحرية في زمنها جزءاً أساسياً من يوميات المواطنين، والبث المباشر المتاح لكل مواطن، والذهنية التي ستتيحها حتى ديمقراطية الترفيه التي اتبعتها لمنح شعوبها بديلاً عن ربيع عربي خشيت أن يتسلل إلى أراضيها.
المصدر: نداء بوست