fbpx

تصعيد عسكري قبل تشييع محور أستانة إلى مثواه الأخير

0 569

عندما كان يحدث تصعيد روسي بعد هدوء نسبي.. كان الانسان العادي يسالنا هل من جولة قريبة لمفاوضات أستانة؟.

كان الإنسان السوري يدرك بحسه السياسي أن حزمة مطالب روسية سيذهب بها الوفد الروسي إلى قاعة المفاوضات.. ولأن الرئيس الروسي كان يحمل عقدة القياصرة والطغاة فانه يوعز لحاشيته (أو أحياناً هم من يذكرونه) بحجم العنف المطلوب حتى توضع الأوراق المخضبة بالدم السوري على طاولة المساومات.

وباعتبار أن القرار الأمني والسياسي في المناطق المحررة من سلطة النظام بيد الحكومة التركية فإن الدم السوري هو الوسيلة والغاية الضغط على الحكومة التركية.

لم تعقد جولة من جولات أستانة إلا وسبقها تصعيد من قبل القوات الروسية التي لها السيادة الجوية ومسلّحة أيضاً بالصمت العالمي والهمجية المجردة من أي بعد أخلاقي أو إنساني.

وهي على الأغلب إما تريد كسر التلكؤ التركي بتنفيذ ما اتفق عليه أو فرض قراءتها للنصوص الذي يلفها الغموض (السلبي غالباً).. أو حتى مطالب مستجدة لم يكن جرى بحثها مسبقاً

ومن المؤكد أن الطرف الروسي كان يعتمد سياسة القضم البطيء للأراضي فمنذ عام 2017 لغاية اذار 2020.احتل كل مناطق خفض التصعيد التي تم الاتفاق عليها وبقيت نصف منطقة (ما تبقى من محافظة ادلب ريف حلب الغربي )عصية عليه…وكانت الملهاة حين تجاوز بهجومه الاخير نقاط المراقبة التركية الـ 12 وأصبحت وراءه، ووقف عند حدود طريق M4 والتي سعى جاهداً لفرض رؤيته أو قراءته لبنود التفاهمات وبقي طيلة العام 2021 تقريباً في تصعيد مستمر لكن تمركز آلاف من الجنود الأتراك مدججين بأسلحتهم وبانتشار على خطوط التماس وإنشاء قوس دفاعي فولاذي حدا بالقيادة الروسية تأجيل ذلك خوفاً من فشل عسكري أو انهيار التفاهمات الهشة مع تركيا في سورية وبالتالي انهيار في العلاقة الروسية – التركية بشكل عام والتي يخشاها البلدان بسبب تشابك المصالح الاقتصادية والاستراتيجية بملفات عديدة من شمال أفريقيا إلى وسط آسيا فكان أن انتصرت الإرادة التركية على الروسية في ليبيا وأذربيجان وسورية بحرمانها من نصر كانت تمني النفس به ونسف كل مسارات التفاوض وإعلان انتصار النظام السوري عسكرياً وفرض التعامل معه كأمر واقع.. ولا شك أن التموضع الأمريكي في شرق الفرات كان له أكبر الأثر مع التموضع التركي في غربه في إفشال أحلام القيصر الروسي بجعل سورية مستعمرة روسية خالصة له.

تصدع العلاقات بين ثلاثي أستانة

بعد التورط الروسي بالحرب في أوكرانيا انكسرت هالة العظمة التي أحاط الرئيس الروسي نفسه وجيشه وبلاده بها، فروسيا البوتينية الآن ليست كما كانت قبل 24 شباط.، وبدت عوامل ضعفها بادية للجميع وطموحات القيصر أكبر بكثير من إمكاناته، وهذا ما أسهم بكسر الجليد بين تركيا والولايات المتحدة وأوربة عموماً وبدا منذ اللحظة الأولى أن تركيا تعود إلى جذورها الغربية الناتاوية بمواقفها المعروفة، ومنها تطبيق اتفاقية مونتيرو وإغلاق المضائق البحرية أمام الأسطول الروسي وبالتالي قطع الطريق بين البحرين الأسود والمتوسط وهو بمثابة حصار بحري عسكري.

إلا أن الخطوة الأهم التي أقدمت عليها تركيا، هي منع الطيران الروسي المدني الذي يحمل جنوداً والطيران الحربي من عبور الأجواء التركية، وهو بمثابة حظر جوي تركي بعد الحظر البحري تفرضه أنقرة على موسكو، وابتلعت موسكو القرار وقالت سننفذه ولم يخل الأمر من رسائل احتجاج روسية دموية كالعادة طالت بعض المواقع التركية في الريف الحلبي ونفذت بأيادي قسد الروسية.

إن اقتراب تركيا أكثر من الناتو (وهو سيزداد مستقبلاً) يعتبر ضربة قاصمة لروسيا لأنها راهنت كثيراً على استمالة تركيا إليها ومحاولة شق صفوف الناتو، تجلى بشراء تركيا لمنظومة الدفاع الجوية الروسية الأحدث لديها S400.

الصدع القوي الذي حدث بين تركيا وإيران كان واضحاً بتحقيق تركيا لاختراقات مهمة، إن كان في الحدائق الخلفية لإيران وكان للدور التركي أثر واضح بخسارة الأحزاب الموالية لإيران للانتخابات التشريعية، والتوقيع بشهر شباط الماضي على اتفاقية تركية مع حكومة إقليم كردستان العراق بإنشاء أنبوب يربط الحقول الغازية بدهوك بميناء جيهان التركي لتصديره إلى أوربة وأخذ قسم منه للاستهلاك المحلي.

وهذا ما أغضب الحرس الثوري الإيراني الذي قام بالاعتداء على إربيل عدة مرات وعلى منشآت نفطية وغازية لمحاولة إفشال المشروع.

أيضاً عملية قفل المخلب التركية الجارية الآن في شمال العراق لإضعاف حزب العمال الكردستاني التركي، الذي هو أحد أذرع الحرس الثوري الإيراني.

ولا يمكننا تجاهل المعارك الجارية الآن مع ميليشيا الحزب في إقليم سنجار لطرده منها وقطع روابطه الجغرافية مع قواعده في سورية، وإرسال الـPKK  لمقاتلين من سورية لدعم ميليشيا الحزب في سنجار.

أيضاً راقب نظام الملالي بقلق العودة التركية للخليج العربي ومصر.. ولازال تصريح الرئيس أردوغان في أبو ظبي بأن أمن الخليج من أمن تركيا يرن في آذانهم.

الأسباب المباشرة للتصعيد في إدلب

  1. أعلنت الحكومة التركية وعبر الرئيس بالذات ايضا عن خطة تركية لإعادة مليون لاجئ سوري مقيم في تركيا إلى 13 منطقة تم تحديدها في مناطق نبع السلام ودرع الفرات وغصن الزيتون لبناء تجمعات سكنية لاستيعابهم.. وهو ما سيشكل بالضرورة تحسين فرص فوز حزب العدالة والتنمية بالانتخابات البرلمانية والرئاسية العام القادم بسحب ورقة اللجوء السوري من يد المعارضة.. وتكلم المسؤولون الأتراك عن منطقة آمنة أو بيئة آمنة هي الشرط الأهم لتحقيق تلك العودة دون الإفصاح عن ماهية هذه المنطقة ومساحتها وهل هي بتفاهم إقليمي مع روسيا أم العودة للمطالبة التركية بالمنطقة الآمنة التي جرى الحديث عنها سابقاً ورفضتها الإدارات الأمريكية.

الرسالة الروسية أن لنجاح المنطقة الآمنة كما تريدها تركيا فلا مناص من التفاهم مع روسيا على انشائها وليس خصمها الأمريكي.

وبالتالي قد يكون بمخطط القيادة الروسية إجبار تركيا على فتح قنوات اتصال مباشرة مع النظام السوري لإتمام التفاصيل المتعلقة بالمنطقة الآمنة وبالتالي سيكون ذلك مدخلاً لكسر الرفض التركي لإقامة أي تعاون سياسي مع النظام والدخول بخطوات تطبيع ملموسة قد تؤدي لكسر العزلة العربية عن النظام فيما بعد.

  • لا شك أن القيادة الروسية تخشى من انزلاق تركي أكثر باتجاه مواقف دول الناتو وأهمها إغلاق المجال الجوي التركي أمام الطيران المدني الروسي و (أو) الانضمام لتطبيق العقوبات الغربية على موسكو أو حتى تزويد أوكرانيا بأسلحة جديدة، حيث ترغب روسيا بإبقاء النافذة التركية مفتوحة لدخول الأوكسجين الضروري للتغلب أو التحايل على العقوبات الغربية التاريخية عليها.
  • إيران لا ترى مانعاً من أي ضغوطات تنال القيادة التركية وفقاً لما تمت الإشارة له سابقاً ولكون الحرب الرمادية بين تركيا وإيران تدور رحاها في سورية والعراق وتخشى أن تشاهد البيرقدار التركية في أجواء اليمن تدك معاقل وكيلها الحوثي هناك كحفتر آخر أو ناغورني كاراباخ يمنية.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني