fbpx

تسليم بشار الأسد بين الابتزاز الروسي والقانون الدولي

0 136

تتوارد الأنباء عن مناقشات تجريها الحكومة السورية مع مسؤولين روس حول تسليم رئيس النظام البائد بشار الأسد. تحاول روسيا استغلال الحدث لتحقيق مكاسب تتمثل في الإبقاء على قاعدتين عسكريتين لها في سوريا، وهو ما يتطلب الحذر لتجنب الوقوع في فخ الابتزاز الروسي، وعدم السماح بفرض إملاءات مجحفة بحق البلاد مقابل تسليم مجرم الحرب الذي يفرض القانون الدولي محاكمته.

هرب بشار الأسد من البلاد في السابع من كانون الأول 2024 مع عائلته وأمواله إلى روسيا، التي منحته حق اللجوء الإنساني رغم إدراكها أنه غير جدير بهذا الحق بسبب مسؤوليته الجنائية عن الفظائع التي وقعت في البلاد. فالقانون الدولي يحظر منح حق اللجوء لأي شخص متورط في ارتكاب جريمة ضد السلم أو جريمة حرب أو جريمة ضد الإنسانية، وفقاً للإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948، واتفاقية اللاجئين لعام 1951، وإعلان اللجوء الإقليمي لعام 1967.

القانون الدولي يفرض التسليم أو المحاكمة

رغم أن قرار التسليم من حيث المبدأ هو قرار سيادي، إلا أنه يجب أن يتوافق مع ما ورد في الاتفاقيات الدولية التي كرست مبدأً أساسياً يفرض على الدولة التي تأوي مجرماً إما تسليمه إلى الدولة الطالبة أو محاكمته لديها، في حال كانت تطبق الولاية القضائية العالمية. وقد جاء ذلك في العديد من الاتفاقيات الدولية، منها اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948، واتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949، واتفاقية مناهضة التعذيب لعام 1984، والاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري لعام 2006، وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3074 لعام 1973 المتعلق بإعلان مبادئ التعاون الدولي في تعقب واعتقال وتسليم ومعاقبة الأشخاص المتورطين في ارتكاب جرائم دولية.

أما على صعيد الاتفاقيات الثنائية، فإن روسيا ملزمة بتنفيذ اتفاقية تسليم المجرمين مع سوريا، والتي صادق عليها مجلس الدوما الروسي في نيسان من عام 2023. وقد تضمنت تلك الاتفاقية تنظيم إجراءات تسليم الأشخاص المطلوبين للمحاكمة أو لتنفيذ عقوبة محكوم بها.

ومن نافلة القول إن روسيا ملزمة بتسليم بشار الأسد تنفيذاً لأحكام الاتفاقية الثنائية، فضلاً عما تفرضه الاتفاقيات الدولية عموماً من واجب تسليم مرتكبي الجرائم الدولية لمحاكمتهم.

الأسباب القانونية المانعة للتسليم

تستطيع أي دولة تأوي مجرماً مطلوباً للعدالة أن تمتنع عن تسليمه إذا وجدت أسباباً يُعتقد من خلالها أنه عند تسليمه سيتعرض للتعذيب أو المعاملة القاسية أو الاختفاء القسري، أو سيخضع لمحكمة لا توفر له ضمانات المحاكمة العادلة، أو إذا كان قانون الدولة الطالبة للتسليم يعاقب بالإعدام. وهذه الأسباب وردت في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966، والمعاهدة النموذجية لتسليم المجرمين الصادرة بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 45/116 لعام 1990.

التحديات السابقة لا تقتصر على طلب تسليم بشار الأسد من روسيا، بل ستواجه كافة الطلبات التي يمكن أن تقدمها الحكومة السورية لأية دولة، بحجة أن عملية التسليم تتنافى مع التزامات تلك الدولة بموجب المواثيق الدولية. فمثلاً، يمكن أن يمتنع لبنان عن تسليم المجرمين المتواجدين على أراضيه إلى الحكومة السورية بحجة أنه طرف في اتفاقية مناهضة التعذيب، وأنه يخشى تعرضهم للتعذيب.

إنشاء محكمة جنائية مختلطة كحل قانوني

ولتلافي تلك التحديات، ينبغي إنشاء محكمة جنائية مختلطة يتضمن نظامها الأساسي ضمانات المحاكمة العادلة المقررة في المواثيق الدولية، ولا تنص على عقوبة الإعدام مع إمكانية فرض جميع العقوبات السالبة للحرية والتي تصل إلى السجن المؤبد. وهذه العقوبة قد يكون لها تأثير أقوى على المجرمين من عقوبة الإعدام.

بعد إنشاء المحكمة المختلطة، تكتسب الشخصية الاعتبارية التي تخولها توقيع اتفاقيات التعاون مع الدول والمنظمات الدولية، بما فيها الإنتربول. وبعد ذلك، يمكن لهذه المحكمة أن تتقدم بطلبات التسليم وتنفيذ مذكرات الاعتقال إلى الدول التي وقعت معها اتفاقيات تعاون. وفي حال امتناع الدولة، يمكن للمحكمة أن ترسل تقريراً بذلك إلى الأمم المتحدة. وكمثال على ذلك، فقد طلبت المحكمة الجنائية المختلطة الخاصة في سيراليون من الحكومة النيجيرية نهاية عام 2004 تسليمها رئيس ليبيريا السابق “تشارلز تايلور”. استجابت الحكومة النيجيرية للطلب في آذار عام 2006، وفي عام 2012 حكمت عليه المحكمة بالسجن لمدة خمسين عاماً بعد ثبوت مسؤوليته عن جرائم حرب في سيراليون.

تنشأ المحكمة المختلطة تحت إشراف الأمم المتحدة، مما يشجع الدول على التعاون معها لكونها تلتزم بالمبادئ المقررة في القانون الدولي، ولاسيما ضمانات المحاكمة العادلة، كما في المحكمة المختلطة الخاصة في سيراليون، والمحكمة المختلطة في البوسنة والهرسك، والمحكمة المختلطة في تيمور الشرقية وغيرها.

مع الإشارة إلى أن إنشاء المحكمة لا يمنع الحكومة السورية من القيام بدورها في تقديم طلبات التسليم إلى الدول التي تأوي مجرمين، استناداً إلى الاتفاقيات الثنائية بين الحكومة السورية وتلك الدول، وهو ما يدعم عمل المحكمة.

إجراءات التسليم

يمكن للحكومة السورية المطالبة بتسليم المجرمين إما بالطرق الدبلوماسية عبر وزارة الخارجية إلى وزارة الخارجية في الدولة المطلوب إليها التسليم، مع الإشارة إلى إمكانية تقديم طلب التسليم من خلال وزارة العدل السورية إلى وزارة العدل في الدول الأخرى في حال كانت العلاقة وثيقة بين البلدين.

ويمكن كذلك تقديم طلب التسليم عن طريق الإنتربول، لكن يقتصر دوره على تبليغ الدولة المطلوب إليها التسليم من أجل البت في الطلب طبقاً لقانونها، ثم تبليغ الدولة الطالبة بنتيجة القرار.

الإجراء القانوني في حال رفض دولة ما تسليم مجرم مطلوب لسوريا

تستطيع الحكومة السورية اللجوء إلى محكمة العدل الدولية لتقديم دعوى تتعلق بالامتناع عن تنفيذ التعهدات المفروضة بموجب اتفاقية تسليم المجرمين الموقعة بين البلدين، أو عدم احترام تلك الدولة للمواثيق الدولية التي تلزمها بتسليم المجرمين إلى الدولة الطالبة.

ويعتبر الحكم الصادر عن محكمة العدل الدولية ملزماً للدولة التي صدر بمواجهتها وفقاً للمادة 94 من ميثاق الأمم المتحدة. وفي حال عدم الامتثال لتنفيذ الحكم، يمكن للحكومة السورية أن تلجأ إلى مجلس الأمن، والذي يقدم توصياته أو يصدر قراراً بالتدابير التي يجب اتخاذها لتنفيذ هذا الحكم.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني