تباشير مخيّبة؛ ولكن…
أطل العام الجديد (2022) على البشرية في عالم يمور بالعنف، وتسوده التفرقة، وتجتاحه جيوش مدججة بالأسلحة المتنوعة والمتطورة تفتك بالبشرية في مناطق عديدة هنا وهناك، والمستضعفون يهربون بأنفسهم من شبح الموت نازحين من بيوتهم وطالبين اللجوء في مكان آمن.. يركضون في الدروب، ويلهثون خلف سراب الطمأنينة المتآكل في ساحات المواجهات الدامية.. تضيع صرخاتهم في معمعة المعارك، وهدير الدبابات وقصف المدافع، وأزيز الرصاص.. تُكتم صرخاتهم في الصدور، وتُطوى آلامهم في أدرج صُكّ عليها، فلا تنشر وثائق ضحاياها، ولا تفوح رائحتها في أجواء لوّثتها القنابل والصواريخ بسمومها القاتلة.
إن ما فعله العنف، وما يفعله في السنوات الأخيرة يعطينا دليلاً، ويمنحنا مؤشراً خطيراً عن عجز المجتمع الدولي أو تراخيه عن حلّ هذه الظاهرة التي تنتشر انتشاراً كبيراً في كثير من الدول يزاحم انتشار وتفشّي فيروس كورونا في السنتين الأخيرتين، وإن كان الفيروس حدّ من ظاهرة الهجرة الاختيارية المتزايدة إلّا أن الهجرة القسرية مازالت تتوالى، وتتصاعد بسبب العنف المنتشر في دول كثيرة، سواء في دول الشرق الأوسط أو الدول الأفريقية ودول أمريكا اللاتينية؛ ليصل عدد المهاجرين طوعاً وقسراً حوالي (281) ملون مهاجر في نهاية العام 2020، وتشير مفوضية شؤون اللاجئين للأمم المتحدة إلى ارتفاع عدد المهاجرين في النصف الأول من العام 2021 إلى ما يقرب من (21) مليون مهاجر، أكثرهم بسبب استبداد السلطات السياسية التي تضيق الخناق على المواطنين مما يؤدي إلى سوء الظروف الاقتصادية وأثرها الكبير على الأحوال المعيشية للغالبية العظمى من المواطنين، وتردي الحالة الاجتماعية، وفقدان الأمن والأمان والاستقرار بسبب انتشار الفساد والفوضى وعصابات النهب والسرقة والتعدي على المواطنين الآمنين وسلبهم، مع تراجع السلطات المختصة عن أخذ دورها في كبح هذه الظواهر في كثير من البلدان التي تتعرض لهزات العنف الشديدة، فيضطر المواطنون للبحث عن حياة توفر لهم الحد الأدنى من كرامة، ومن رفاهية العيش في أيّ بلد تتوفر لهم سبل الهجرة إليه مخاطرين بحياتهم في عرض البحار، أو البراري المهلكة في فصل الشتاء، كما حصل في العاصفة الثلجية بين بيلاروسيا وبولندا. فمتى يُوقف هذا العنف؟!!.
شركات تجّار الحروب تصنّع الأسلحة، والجشع لامتلاك وسائل القوة والسيطرة يشتعل في عقول أصحابها وأفئدتهم، ويحفّز أفكارهم لتطويرها لتصبح أكثر تدميراً وفتكاً. والدول الكبرى ما زالت تسعى للتوسّع والهيمنة على بقاع جديدة شتّى سياسياً وجغرافياً؛ لترفد اقتصادها بنهب خيرات الشعوب الفقيرة لينمو باضطراد، وترفّه شعوبها على حساب الآخرين، فكيف توقف هذه الدول مسيرة العنف وهي المستفيدة والمتحكمة بمسيرة الاقتصاد العالمي، ورأس مالها يعبر حدود الدول والقارات، ويتصارع على الكعكة الأكثر دسماً والألذ طعماً، وتتلاعب بالعالم إذ أدخلته في لعبة الأمم مرتين، عصبة الأمم التي فشلت تجربتها بعد الحرب العالمية الأولى، والحقتها بعد الحرب العالمية الثانية – مستفيدة من التجربة – فأنشأت هيئة الأمم المتحدة، وجمّعت دول العالم فيها، ووضعت ميثاقها في 1948، ونالت الحصة الكبرى من السيطرة عليها، وتوجيه نشاطها بما يتلاءم ومصالحها مجتمعة أو منفردة، وتميّزت عن جميع الدول الأطراف فيها بخاصتي العضوية الدائمة في مجلس الأمن، وحق الفيتو الذي يمنحها الحق في أن تعترض على أيّ قرار تجمع عليه دول العالم فتوقفه بكلمة واحدة (فيتو) لأنه لا ينسجم ومصلحتها، وتستمر اللعبة الدولية بين الكبار.
والتساؤل: هل تبقى شعوب العالم صامتة عن حقوقها، وعمّا يدور حولها؟ وهل تستمر لعبة العنف في حصد أرواح البشر؟ ألا يكفي ما تسمعه الأذن، ما تراه العين في اليمن، والعراق، وسوريا، وليبيا، ولبنان، وكازخستان، وفي الدول الأفريقية، ودول أمريكا اللاتينية، من تجييش للقوة المسلحة هنا وهناك، ومن سباق في إنتاج الأسلحة الفتاكة والمدمرة للإنسان والبيئة أم أن صوت المنظمات الإنسانية العالمية والدولية سيعلو ويعلو، ويسكت أصوات المدافع؟!
إن ما يمور به العالم من حركات تسعى لتحقيق السلام والأمن الدوليين، ومن منظمات حقوقية وإنسانية، وما تقوم به المفوضية السامية لحقوق الإنسان، والمنظمات الدولية الداعية للأمن وللسلم الدوليين، ووقف العنف بأشكاله كافة، ووضع حدّ لسيطرة النهب الممنهج لمقدرات الشعوب وثرواتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والأخذ بيد الدول الفقيرة والمستضعفة لتنمو وتتطور تدفعنا للتفاؤل بيوم تقف فيه شعوب العالم قاطبة يداً بيد لتنزع سلاح العنف، وتحدّ من سطوة الدول الكبرى وسيطرتها على المنظومة الدولية، وإشاعة روح المحبة بين الشعوب الراغبة بالسلام وغرسها في دروب الإنسانية السمحة.
تباشير مخيّبة؛ ولكن…لن تفقد البشرية إنسانيتها، وستبقى راية الدعوة للمحبة والأمن والسلام ترفرف عالية في سماء صافية الأديم، ومحفوظة في أفئدة الناس الغيارى على كرامة الإنسان وحقه في الحياة، والحرية، والعمل، والعيش الكريم، ومخزّنة في عقول المفكرين والفلاسفة المؤمنين بالسلام أن التغيير سنة الحياة، وأنه قادم لا محالة.