fbpx

تبادل

0 218

استجبت لنداء الشرفة أمام المنزل، استخدمت كامل قواي لأدحرج كرسيَّ المتحرك، لقد ذوت أعضائي، وتهاوت القوة في منحدر الزمان وكرّ الأيام.. شاخ الجسد، وضمرت العضلات، وعشت العيون، وثقل السمع، وسحّت الأحلام على مذبح الرؤى.. وحدها النفس بقيت شمعة الأمل فيها حيّة تنوس…

شعرت يومها أن الشمس تناديني: تعالَ استدفئ بحرارتي، إنها أوائل الربيع، وناي آذار يفجرّ الحياة في رحم الطبيعة فتخضرّ، وتبسم أكمام الزهور، وتكشف عن ألوان ناصعة لسجادة ربيع يهزج بترانيم الطيور على الأفنان، وسقسقة الجداول في الوديان…

جلست استمتع بالدفء، الشمس ترسل أشعة توقظ أعصابي المنهكة، وتليّن مفاصل جسدي وتريحها. أفرح كلما مرّ إنسان في الشارع.. يلقي التحية فأردها بمثلها.. عيناي تلاحقانه وهو يبتعد مخلفاً زوالاً يصغر ويضمحلّ حتى يذوب ويصبح سراباً يتلاشى كأنه لم يكن…

عاد حفيدي الصغير من مدرسته الابتدائية مع رفاقه.. زقزقتهم تعلو موسيقا ترد الروح من غياهب سجن الشيخوخة، وتوقظ الزمن الغافي من عقوده الثمانية.. تسترجع أيام الطفولة والشباب.. تذكرني بوالده… أستذكره يعود عجلاً.. يرمي محفظته على عتبة الباب ويسرع للعب مع لداته، وكم كنت أطلب منه الدخول.. الشمس حارة ،يا بني، تحرق دماغك. وفي أيام المطر والبرد يتغلغل إلى نقي العظام ستمرض.. يعاند ويعاند وهو يرغب بالاستمرار إلى أن أصرخ به مهدداً بعقاب إن تأخر…

عاد والده يظلل رأسه بدفتر تحضير الدروس. حيّاني.. سأل، منذ متى أنت هنا؟

– منذ الضحى

– هيّا ندخل، الشمس تشويك شيّاً

– دعني قليلاً.. الجوّ لطيف، وضوضاء الصغار تنعشني

– كفاك اليوم.. حرارة الشمس شديدة

– بضع ساعة وندخل.. ما رأيك؟

– أخاف منها.. أراها تحمل المرض إن زادت.. قاطعته

– لا تخف…

– لا تعاند أيها العجوز…

– يا لك من شقي

– هلمَّ.. وأمسك بالكرسي.. أداره نحو الباب ودلفنا إلى الداخل…

طافت الذكريات حارة كومض برقة.. تذكّرت طفولته.. شقاوته.. ومعاندته…    

يا للزمن!.. كبر صغيري…

وتبدّلت الأدوار…

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني