بين قوة المنطق ومنطق القوة
نعرّف القوة بأنها القدرة على فرض ما تريد وقدرة الإرادة على تحقيق أهدافها في الواقع، القوة بهذا المعنى سلطة، وكل سلطة تفترض حدين صاحب السلطة والمُتَسلط عليه سواء اعترف بشرعية السلطة أم لم.
بهذا المعنى تتعدد السُلط بتعدد أشكال القوة المملوكة.
تتولى قوة المنطق تنظيم علاقات الحق بين أفراد المجتمع بقيام وحدة الحق والقانون.
فإذا كان الحكم بأن الملكية حق مقدس وأنا أمتلك قطعة أرض فالنتيجة الأرض حق مقدس لي لا يجوز الاعتداء عليه أو سلبه.
ولكن إذا ظهرت داخل المجتمع قوة غاشمة قادرة على خرق القانون، وخرق قوة المنطق، فإن هذا يطيح بالنظام القائم على الحق والقانون الذي يؤسس لقوة المنطق وتسود مظاهر العدوان.
إنك لا تستطيع أن تواجه قوة عمياء غاشمة بقوة المنطق أو بقوة ناعمة، وليس باستطاعتك أن تواجه منطق القوة إلا بقوة مكافئة ومبدعة. وما الخضوع إلا وحدة نوعين من الاعتراف: الاعتراف بقوة الخصم من جهة، والاعتراف بالعجز عن مواجهة قوة الخصم.
والتاريخ يؤكد بأن منطق القوة هو الذي يتحكم بمساره، أي بمسار التاريخ، من القوة العسكرية إلى القوة الاقتصادية إلى القوة العلمية والمعرفية إلى القوة النخبوية إلى القوة الجغرافية لا القوة المنطقية ولا القوة الأخلاقية.
إذا كان الأمر كذلك، وهو كذلك، فإن قوة الحق الذي ينتج قوة المنطق يجب أن تتسلح بمنطق القوة إن هي أرادة أن تحافظ على الحق. لأن منطق القوة الغاشمة لا يكترث إطلاقاً بقوة المنطق-قوة الحق سواء كان الأمر في حقل الأفراد أو في حقل الجماعات.
فسلطة الدولة هي منطق القوة الذي يدافع منطق الحق داخل المجتمع، إنها التي تحول، بما تمتلك من قوانين، وشرطة ومحاكم وعقوبات، دون اعتداء الناس على حقوق بعضهم بعضاً.
وسيادة الدولة على الوطن تعني بانها تمتلك من القوة العسكرية والاقتصادية والثقافية ما يحمي الدول من إي اعتداء خارجي. بل إن القانون الدولي الذي تمثله منظمة الأمم المتحدة ليس سوى شكلاً من أشكال الحفاظ على سيادة الدول، ومنع الاعتداءات عليها.
ولكن على هذا الصعيد تبرز مشكلة حل الصراعات والاختلافات بالقوة فتكون الحرب وسيلة مدمرة للمشاركين فيها.
ولا شك بأن الامبراطوريات الكبرى، وعبر التاريخ البشري، كانت قدرتها على الهيمنة ومازالت كبيرة جداً. ويبدو ان لا حل في المدى المنظور لهذه الواقعة التاريخية حلاً جذرياً، فالعنصر الفاعل في الامبراطوريات الكبرى هو منطق القوة.
ويبدو لي بأنه ما زالت مظاهر شريعة الغاب حاضرة في العلاقات الإنسانية على نحو من الأنحاء، وبخاصة في تلك المناطق التي تشهد صراعات داخلية مسلحة على امتلاك السلطة والثروة.
هذه الصراعات التي تستند إلى تبريرات أيديولوجية زائفة لتبرير ذاتها، هي صراعات قاتلة، تحمل كثير من البشر على الهجرة إلى حيث الأمان.
وقد أنتجت هذه الصراعات بمنطق شريعة الغاب واقعة اللاجئ، الذي إن طال به زمان اللجوء ولم يعد، وتكاثر أبنائه وأحفاده مع الزمان، فإن اللجوء صار ذكرى ماضية في تلك البلدان التي منحت اللاجئين حقوق المواطنة. أما إذا استمر الشعور باللجوء جيلاً بعد جيل خارج حدود المواطنة وحقوقها ،فإنه سيولد حالة من الوجود المأساوي الذي لا أحد باستطاعته أن يعرف ثماره.