بين المواجهة والطعنة في الظهر
اشتقت العرب المواجهة من الوجه، حيث تكون المحاورة او المشاجرة، أو الاختلاف الصراعي بين اثنين وجهاً لوجه.
دعني من الحروب بين جيوش الدول، أو الصراعات الجماعية، وتأمل معي المواجهة بين رأيين اثنين.
قد تنتهي المواجهة إلى اتفاق، أو إلى تعميق الخلاف، أو إلى وقوف كل طرف عند رأيه، وتنفض المواجهة.
في المواجهة الفكرية ليس هناك غالب ومغلوب بالمعنى الحربي للكلمة، بل كل طرف هو غالب، حتى لو لم ينجب القناعة لدى الآخر برأيه.
ولكن قد تختلف آثار المواجهة النفسية عند الطرفين، فقد يشعر طرف منهما بقلة الحيلة في التعبير عن زاوية رؤيته، وقد يختار الصمت موقفاً مهذباً من أن تصل المواجهة، إذا كانت حارة، إلى حد الخصام.
وقد تترك المواجهة أثراً غير محمود عند الطرفين أو عند أحدهما، وقد يكون هذا الأثر مؤقتاً، وقد يكون طويلاً.
وتكون المواجهة، كل أشكال المواجهة الفكرية مهما اتسمت بالحدة، طقساً نبيلاً. حتى لو كان أحد الأطراف حار العقل والآخر باردة. ففيها شجاعة الصراحة والتعبير الواضح. ولهذا ليس من شيمة المواجهة الفكرية ان تنجب الأحقاد المتبادلة. إلا إذا كان الطرفان نذلين او أحدهما نذلاً.
ولعمري بأن الروح الأرستقراطية الفكرية، غالباً، ما تتسم بالتسامح، واعتبار الاختلاف عابراً إذا ما كانت المواجهة الفكرين بين الأصدقاء. فروح الصداقة لا تنال منها المواجهات النظرية.
وتختلف المواجهة، بهذا المعنى، عن الطعنة في الظهر. فالطعنة في الظهر تفيد الغدر والخيانة لآخر تربطك به علاقة معشرية ما. فالطعن في الظهر لا تكون مع عدو، فكل أشكال نفي العدو مشروعة. ولهذا فالطعن في الظهر سلوك منحط أخلاقياً. لأنه عدوان غير متوقع من صديق أو ما شابه ذلك.
ما هي أسباب الطعن في الظهر؟ قد تكون الأسباب أحقاداً دفينة اعتملت في النفس نتيجة الشعور بالدونية، قد تكون حالة انتقامية من موقف ما عجز الشخص عن مواجهته، وقد تكون الطعنة هذه رغبة في الحضور أو شهوة حضور سببها العجز، أو قد تكون ثمرة عقدة الخصاء، او بسبب شعور خفي بالحسد، أو ثمرة تربية سيئة، او ثمرة ذهنية جماعة تتسم بالغدر والخيانة.
وتثير الطعنة في الظهر حالة غضبية في نفس المطعون لأنها غير متوقعة من شخص ظُن بانه صديق أو زميل أو محب.
وكانت الطعنة، قبل ظهور الفيسبوك، تتم عبر النميمة والقيل والقال، وإذا كان الطاعن من أهل القلم فقد يكون النقد الوقح وسيلة الطعن.
وبعد ظهور الفيسبوك وسواه من وسائل التواصل الاجتماعي صار الطعن في الظهر حالة يتسم بها الجبناء والرعاديد. فهؤلاء المتنكرين الذين كانوا يتخوفون من المواجهة حصلوا على أهم وسيلة في الطعن عن بعد. فإذا كانت المواجهة تظهر شجاعة التعبير عن الاختلاف، فإن الطعن في الظهر، وبخاصة بأدوات التواصل الاجتماعي، تبرز وضاعة النفس وتفاهة الشخصية.
لقد وفر الفيسبوك للرعاديد مكاناً يختبئون خلفة بعيداً عن المطعون الذي يترفع على الرد عليهم خوفاً من ان تصيبهم الشهرة من قلمه النبيل.
وعندي بان الذي سرت فيهم أرواح الأرانب في فترة طويلة من العيش الخانع فترة الدكتاتورية هم الذين تحولوا إلى هذا النمط من الانحطاط القيمي. والبرء من هذا الداء يحتاج إلى زمن طويل.