fbpx

بعد تدمير السفارة والعمارة.. ماذا عن مستقبل الأسد؟

2 5٬349

سيكون يوم الأول من نيسان نقطة تَحوّل كبرى في الصراع الدائر على الأرض السورية، فما بعده لن يكون كما قبله، حيث كان واضحاً سقوط كامل لكل التفاهمات السابقة بين إسرائيل وإيران، وإجهاض أيّ مسعى إيراني للعودة لما كان قبل 7 أكتوبر، وعندما نقول بين إسرائيل وإيران، نقصد بالطبع بين كل من يدعم إسرائيل ويعتبرها قاعدة أطلسية مُتقدّمة في المنطقة وبين إيران، حيث يتفق بالأهداف أو بالاستراتيجيات، إسرائيل والغرب الداعم لها ويختلفون بالتكتيكات أو الطرق والوسائل لتحقيق تلك الأهداف، ويَتجلّى ذلك واضحاً بين بايدن ونتنياهو اللذين يَسعون للقضاء الكامل على حركة حماس لكن بأساليب مختلفة.

بعد وصول الجنرال الإيراني زاهدي بـ 24 ساعة إلى دمشق واختباره لأكثر الأماكن أمناً لإقامته وعقد اجتماعاته وهو السفارة الإيرانية في سوريا حيث يُعتبر في القانون الدولي والأعراف الدبلوماسية أنّ تلك أرضاً إيرانية والاعتداء عليها يعني الاعتداء على إيران نفسها.

يبدو أنه لم تصل قيادة الحرس الثوري لتقدير أنه يمكن للطيران الاسرائيلي أن ينال من ذلك المكان، وأنّ الولايات المتحدة تضع خطوطاً حمراء على نتنياهو بعدم توسيع رقعة الحرب أو بمعنى أوضح عدم جَرّ الحرس الثوري إليها.

أيضاً لا تختلف واشنطن وتل أبيب على الأهداف من تلك الضربة وقد يكون مُبرّراً لأمريكا سياستها في القضم البطيء للأذرع الإيرانية مع التركيز الكامل كأولوية على دحر العدو الروسي في أوكرانيا.

إلا أنّ نتنياهو الذي يريد استعادة هيبة الردع الإسرائيلية، حيث أحدث طوفان الأقصى صدمة هائلة في الوعي الجمعي الإسرائيلي وهَزّ كيان دولة الاحتلال وطرح أسئلة حقيقية عن الخطر الوجودي المُحيق بإسرائيل وسقوط آليات الردع السابقة والتي ولّدت استرخاءً أمنياً نتج عن الشعور بغطرسة القوة والتفوق والهيبة، وأنّ آليات ردع الدول والجيوش النظامية لا تُفيد مع التنظيمات العسكرية دون الدولة.

هذا هو الهدف الرئيسي لِكلّ آلة الحرب الإسرائيلية الآن وهو ما يعترض عليه الغرب اعتراضاً خجولاً غير مُؤثّر على السلوك الاسرائيلي حيث اهتزت كل المنظومات الأخلاقية الغربية عن قوانين الحرب وحماية المدنيين خلالها وظهور إسرائيل بمن يقوم بارتكاب مجازر الإبادة الجماعية ووصول ذلك إلى أروقة محكمة العدل الدولية.

وبالطبع تحاول الدعاية الإيرانية الحديث عن سيناريوهات الردّ وكيف ومتى وأين سترد إيران على ضربة السفارة بدمشق، وهي في الواقع لن تردّ على هذه الضربة لأنّ مسار الضربات بعد 7 أكتوبر لا يسير ضربة إسرائيلية وانتظار ردّ إيراني عليها بل هي حرب إسرائيلية مستمرة على الحرس الثوري ذاته وعلى الأذرع الأخرى وخاصة حزب الله في لبنان وسوريا. وسقوط كل قواعد الاشتباك بينهما التي أبرمتها روسيا بين الطرفين وكانت تحوز على الرضا الأمريكي.

ففي 26 آذار قام الطيران الإسرائيلي بضربات ساحقة في محافظة دير الزور وفي 29 من الشهر نفسه ضرب قرية جبرين المجاورة لمطار حلب وضرب معامل الدفاع في منطقة السفيرة في حلب، وفي الأول من نيسان دَمّر القنصلية الإيرانية وقتل من فيها، وبالتالي هذه حرب وليست ضربة تخشى إسرائيل من ردّ إيراني عليها، وفي انتظار الردّ الإيراني قد تحصل ضربات إسرائيلية عديدة.

إنّ استخدام طائرات الشبح F35 في الغارة الأخيرة له دلالته أيضاً ويفهمها الإيرانيون جيداً، فهو أحدث ما أنتجته صناعة الطائرات الأمريكية ولاشكّ أنّ تزويد أيّ دولة به يخضع لشروط ومعايير أمريكية منها ضِدّ من سيتم استعمال هذا السلاح.

وهو رسالة لروسيا بتأكيد سقوط كل التفاهمات السابقة التي رعتها مع إيران في سوريا حيث لا تتمكن قاعدة حميميم من كشف تلك الطائرة وإعاقة حركتها وبالتالي انهيار كامل للتفاهم بين موسكو وتل أبيب حول إبلاغ إسرائيل لحميميم عن أماكن وتوقيت تلك الضربات.

ويرى بعضهم أنّ إسرائيل لم تَعد تُبلغ الروس بالضربات إلا في طريق عودة الطائرات إلى مواقعها وأحياناً لا تفعل ذلك.

والرسالة لإيران أنّ طائرات الشبح هي السلاح المُعدّ لضرب المنشآت الحيوية والنووية داخل الأراضي الإيرانية وإنّ ذلك لم يَعد أمراً مُحرّماً وأنّ قراراً سياسياً قد تَمّ اتخاذه بذلك.

تداعيات الضربة على نظام الاسد

يرى بعضهم أنّ روسيا رعت اتفاقين مُهمّين قبل وبعد دخولها العسكري إلى سوريا ضمن ما عُرِف بالحرب الرمادية بين إيران وإسرائيل يقتضي الأول بحق إسرائيل بتدمير أيّ شحنة سلاح إيرانية تَعبر سوريا إلى لبنان عندما تراها أنها تُهدّد أمنها وتُنسّق بذلك مع قاعدة حميميم مقابل ألا تتدخل إسرائيل بالجهد الحربي الذي تقوم به الميليشيا الإيرانية ضد قوات المعارضة السورية حيث أن كل الحشد البشري والتسليحي ليس مُوجّهاً ضِدّ إسرائيل.

والثاني عدم استهداف قادة وعناصر حزب الله في سوريا ولبنان حيث إنّ جهدهم هذا يَصبّ في حماية نظام الأسد ودعمه ضد معارضيه ولا يهدّد الأمن الإسرائيلي، وسرى هذا التفاهم وخرقته إسرائيل عندما قتلت جهاد عماد مغنية ومجموعة كانت معه عندما تم رصده في الجنوب السوري وقام الحزب بالردّ على ذلك بقتل جندبين إسرائيليين في عملية تَمّت من الأراضي اللبنانية وتَمّ طيّ الصفحة.

لن يكون مُهماً ما قاله تحالف القوى الثورية الإيرانية القريب من الرئيس إبراهيم رئيسي والذي يرأسه والد زوجة مُجتبى خامنئي ابن المرشد ووريثه الأكثر حظاً بخلافته (ويرى بعضهم أنه يُمثّل الدولة الإيرانية العميقة) القول علناً إنّ زاهدي المقتول في القنصلية بدمشق هو من خطط لهجوم 7 أكتوبر ويناقض ذلك كل تصريحات المرشد السابقة للتنصل من العملية ويرى بعضهم أنه يُعفي إيران من الردّ على اعتبار أنّ لها أسبقية بالاعتداء على إسرائيل وأنّ إسرائيل هي من قامت بالردّ.

ولن يكون مُهماً تفنيد الاتهامات الإيرانية لأجهزة مخابرات الأسد بتسريب معلومات لإسرائيل عن حركة ضباط الحرس في سوريا ونفي الاختراق الهائل في صفوف الحرس، إذ أنّ عمليات ملاحقة قادة الحرس وتصفيتهم تتمّ في إيران نفسها ولبنان والعراق.

المهم أنّ مناطق سيطرة الأسد ومن قلب المربع الأمني في المزة ومن محرماتها (السفارة الإيرانية) بدأت معركة إضعاف التواجد الإيراني الحقيقية تمهيداً لطرده، ولن يُفيد الأسد النأي بنفسه عن كونه إحدى ساحات محور المراوغة والكبتاغون، حيث تعتبره إيران إحدى هذه الساحات وأيضاً تعتبره إسرائيل كذلك، وستكون مناطق سيطرة الأسد مُقدمة لإستراتيجيات بدأت بالتبلور بأن سوريا هي واسطة عقد المحور الإيراني، وأنّ سوريا هي دُرّة التاج الروسي الإمبراطوري في الخارج، وإنّ نظام الأسد هو ما يؤمّن واسطة العقد ودرة التاج في الشرق الأوسط ولكي يكون شرقاً أوسطياً جديداً بتعاون أمريكي وأوربي وعربي وتركي لابدّ من كسر الصندوق الذي يَضمّ الواسطة والدرة، وقد تكشف الأسابيع والأشهر القادمة عن أنّ إنهاء التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب في سوريا الذي مَرّ عليه 10 سنوات وأنجز مهمته يجب أن يسبقه خروج الروس والإيرانيين من سوريا والذي سيعقبه انسحاب أمريكي من الأرض أيضاً.

2 التعليقات
  1. Md khalifa says

    هل هي لعنة الجغرافيا ام لعنة الصداقات ؟
    إنها صراع الاحتلالات على الرقعة السوريّة .

  2. Mahrous Alsoud says

    مقال قيم و تحليل شامل جامع مانع

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني