
طرق الباب.. فتحه.. مبارك لكم.. كيف سوريا…؟ فتح ذراعيه لاستقباله، وضمّا بعضهما بعد سنوات فراق والدموع تنهلّ. أهلاً بكم وبالمغرب العربي كلّه.. تفضّل إلى الداخل.. جلس وكرر السؤال: كيف سوريا…؟
آآآه.. بلع لعابه.. أخذ نفساً عميقاً.. عبّأ رئتيه بالهواء.. زفره، وبدأ يسرد…
عرّوها يا صديقي.. شحذوا سكاكينهم، وبلا رحمة قطّعوا أوصالها.. قسّموا أطرافها العلويّة أجزاء صغيرة.. حشوها في محافظ.. وبتروا أعضاءها السفليّة.. كسّروا المفاصل.. وفصلوا اللحم، وطحنوا العظم، ولم ينسوا الجسم.. نهشوه بلا رحمة.. لاكوه…، لم يبقَ منها إلا نتف مبعثرة…
لقد غادروا هاربين دون تحديد وجهة عندما سمعوا أصوات تهاليل قادمة.. عمّت…، وتعالت تعانق الجوزاء.. تمدّد مطلقوها في الأنحاء وانتشروا يبحثون عن النهاشين لحمها في مخابئ شتّى.. ارتفع صوت المآذن، ودقت الأجراس، وأطلقت الحناجر العنان لنداء لم تسمعه الآذان منذ عقود. هزج الرجال، وزغردت النساء، وغنّى الأطفال وطيّروا الحمام، وأُطْلِقت البالونات الملونة في الفضاء الرّحب، لقد أشرقت شمس جديدة…، ولفّ الكونَ ضياء، وبدأت الحياة تدب في بقايا جسد العنقاء؛ فارتسمت البسمة على الوجوه، وعلت الضحكات، وتتالت الوفود فامتلأت الساحات بالرايات ترفرف فوق الهامات، وحوّم الحمام يحمل بشائر التفاؤل والأمل الممزوج بترقّب حذر..
هذه سوريا اليوم…