fbpx

النوم في الطرقات.. ظاهرة نشأت زمن الحرب وعزّزها الانهيار الاقتصادي والفساد

0 550

مخلفات الحرب كارثية وموجعة، المادية منها والنفسية، فكما دمرت قرى ومدناً كثيرة، كسرت وسحقت قلوباً وأرواحاً، لا ذنب لها سوى أنها حلمت وتأملت واقعاً أفضل والقليل من الحرية، واقعاً يضمن لهم وطناً دافئاً وحنوناً، ويصون كرامتهم وكرامة أبنائهم وأحفادهم ورئيساً يكون همه الأكبر هو النهوض بالوطن، وحماية المواطنين، والدفاع عن حقوقهم ورعاية شؤونهم والحفاظ على وحدتهم ووحدة أراضيهم. ما فعله بشار الأسد، عكس ذلك تماماً، فقد استجلب شذاذ الآفاق من جميع أصقاع الأرض لسحق آمال الشعب السوري وتدمير أحلامهم والتضييق على حياتهم، فتحولوا للاجئين ونازحين، بعضهم اتخذ من البحر طريقاً للنجاة وبعضهم الآخر افترش الأراضي والكهوف، من استطاع الخروج من سوريا، نجا بحياته وبحياة أسرته وضمن على الأقل سقفاً يحميه أو خيمة لا تقي حراً وبرداً ولكن تستره وعائلته، أما من كتب عليه البقاء فقد كتب عليه الاستمرار في رحلة الشقاء، فبعد مغادرتهم لمنازلهم استطاع بعضهم أن يجد مأوى بسعر مناسب لكن للأسف الغالبية العظمى، خاصة من أبناء المناطق الفقيرة صعب عليهم إيجاد منازل بأسعار مناسبة لدخلهم في المدن والمناطق الآمنة ما اضطرهم للمبيت في المساجد، لكن حتى هذه حرمهم منها النظام إذ أصدر قرار يقضي بإغلاق الجوامع بعد صلاة العشاء، ومع جائحة كورونا أغلقت الجوامع تماماً، ما اضطرهم لافتراش الطرقات والنوم على الأرصفة.
ظاهرة النوم في الطرقات أصبحت سمة من سمات دمشق بعد الحرب
بجولة بسيطة في شوارع دمشق بعد حلول الليل، ترى مشهداً يندى له الجبين، نساء وأطفال وشيوخ يفترشون الطرقات في ليال تكون درجات الحرارة فيها تحت الصفر، تجدهم قد وضعوا بعض الكراتين التي لا تكاد تعزلهم عن الأرض، أو أكياس نايلون تمتص برودة الأرض بدل أن تقيهم منها، والغريب أن هذا المشهد تشاهده في جميع شوارع دمشق الثرية منها والفقيرة على حد سواء، وكذلك حال المقاعد في الحدائق العامة قبل أن تغلقها بلدية دمشق بحجة كورونا، والأفعال المنافية للأخلاق التي كانت تحدث فيها.
قامت نينار برس بالحديث إلى بعض الأشخاص لمعرفة أسباب اتخاذهم الشارع كمأوى.
العم مصطفى الذي يتجاوز عمره 70 عاماً، ينام على باب مسجد في أحد أرياف دمشق بعد أن منعوه من النوم في المسجد، أخبرنا أنه أب لثلاث أبناء وهو نازح من مخيم اليرموك وقد غادر أبناءه سوريا تاركين والدهم خلفهم دون أن يلتفتوا إليه، وقد كان أحد سكان المنطقة يستقبله في قبو منزله لكنه أخرجه منه فيما بعد لأن أحد السماسرة أقنع الرجل أن بإمكانه تأجير القبو بسعر عال، ما جعله يطرد العم مصطفى. وعندما قمنا بسؤاله عن عدم ذهابه لإحدى مراكز رعاية العجزة، أخبرنا أنهم لا يستقبلون كبار السن إلا بدفع مبالغ ضخمة لقاء ذلك بل وتحتاج تلك المراكز لوساطة وتأمين، وتضع شروطاً كأن يكون الشخص قادراً على المشي بشكل جيد وأن يكون له أسرة تكفله وألا يعاني من أي مشاكل في الذاكرة أو زهايمر، وعند استفسارنا عن الموضوع تأكدنا من صحة ما أخبرنا به، ويعود سبب ذلك إلى غياب أي قوانين تنظم عمل تلك المراكز بالإضافة إلى قلة أعدادها ما يتيح لها استغلال الأشخاص، أما بالنسبة للأطفال والنساء فقد تكاد تخلو دمشق من مراكز رعاية أو إعادة تأهيل وخاصة للأطفال، إذ توجد بعض المراكز التي تدعي استقبال الأطفال الذين ليس لهم أسر فقط أمام الكاميرات، لكن بعد عدة أيام تقوم بطردهم بحجة سوء تصرفهم أو يهرب منها الأطفال نتيجة سوء المعاملة والضرب كما هو الحال في دور الأيتام في دمشق، ومراكز رعاية النساء لا تقل سوءاً عن تلك المعنية بشؤون الأطفال إذ من المعروف أن أكثر من يلجأ إليها هن النساء المعنفات أو اللواتي تعرضن إلى اعتداءات جنسية، وهناك يعاملن معاملة قاسية جداً تخلو من أية رحمة أو احترام بل على العكس تماماً، يعاملن بمنتهى العنف والذل كما لو كن مجرمات أو في السجون.

رغم امتلاك سوريا لوزارة شؤون اجتماعية إلا أن حالها كحال باقي مؤسسات الدولة ووزاراتها، لا تقوم بأي من واجباتها اتجاه المواطنين بل على العكس تماماً ففي الفترة الأخيرة أوقفت كل المساعدات التي كانت تقدمها، بالإضافة إلى المساعدات التي تقدمها بعض الدول تقوم ببيعها في السوق السوداء بالإضافة إلى تواطئها مع الأجهزة الأمنية بإغلاق أغلب مراكز الإيواء في دمشق ورمي قاطنيها في الشوارع دون النظر إلى انعكاسات ذلك على الأفراد والمجتمع ككل.
للأسف سوريا تغرق بالفساد كما تغرق بالإجرام والمواطن الضحية المشتركة للأمرين فحياته لا تهمهم فهو ليس أكثر من كبش فداء يضحون به ليزيدوا ثرواتهم ونفوذهم.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني