لم يتوقف النظام السوري عن ملاحقة واستهداف المدنيين في مناطق سيطرته، على خلفية معارضتهم السياسية وآرائهم المكفولة بالدستور السوري والقانون الدولي، الأمر الذي يُثبت مجدداً حقيقة أنه لا يمكن لأي مواطن سوري أن يشعر بالأمان من الاعتقالات التي تقوم بها الأجهزة الأمنية بشكل تعسفي دون أي مستند قانوني، وغالباً ما يتحول المعتقل إلى مختفٍ قسرياً.
فالمناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري لا يمكن أن تشكِّل ملاذاً آمناً للمقيمين فيها، وبالتالي فهي ليست ملاذاً آمناً لإعادة اللاجئين أو النازحين، ولن يكون هناك أي استقرار أو أمان في ظلِّ بقاء الأجهزة الأمنية ذاتها، التي ارتكبت جرائم ضد الإنسانية منذ عام 2011 وما زالت مستمرة حتى الآن.
إن مفهوم الانتخابات في العلوم السياسية والقانونية يُبنى على مبدأ حرية الاختيار، ولكن في سورية غير ذلك، فالأجهزة الأمنية السورية تتحكم في تفاصيل حياة المواطنين وتراقب تحركاتهم، وتُصدر تعليمات مباشرة إلى الدوائر الحكومية والمدارس والجامعات لانتخاب مرشح واحد حصراً هو بشار الأسد، وتخلق حالة من التخويف والإرهاب تدفع الناس إلى التصويت له.
إن ما جرى في سورية في عهد حافظ وبشار الأسد لا يمكن وصفه بأنه انتخابات، بل هي أقرب إلى إجبار في ظلِّ طقوس شكلية، فما قامت به قوات الأمن السوري قبل أيام من عمليات حجز للحرية ضمن قاعات الجامعات والمدارس ومؤسسات حكومية بكامل موظفيها لإجبارهم على الانتخاب، يؤكد بأن قائد الأجهزة الأمنية الفعلي هو بشار الأسد، وليس وزير الداخلية، فهذا يعني حالة من الإرهاب والرعب تدفع للتصويت له.
جاء ذلك كله وفقاً لتقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان الذي أصدرته يوم الأربعاء 2 حزيران 2021، وقالت فيه: إنه تم تهديد طلاب الجامعات الذين لم يمتثلوا للتعليمات بعقوبات إدارية مع احتمالية استدعائهم للتحقيق ضمن الأفرع الأمنية؛ ما أجبر الغالبية العظمى من الطلاب على التصويت لصالح بشار الأسد، كما تمَّ اقتياد طلاب الجامعات والموظفين الحكوميين بعد انتهائهم من التصويت للمشاركة في المسيرات المؤيدة لبشار الأسد.
وفي هذا السياق وثق التقرير 34 حادثة من عمليات الاعتقال التي استهدفت مدنيين على خلفية عدم مشاركتهم وتصويتهم لبشار الأسد، ترافقت مع مصادرة الهويات الشخصية وتهديدات بالاعتقال إن لم يذهبوا للتصويت لصالح بشار الأسد.
أبرز أحداث ملف المعتقلين في أيار 2021
ضحايا الاعتقال التعسفي لدى النظام السوري
قال التقرير إن من خلفيات الاعتقال التي سجلها في أيار، استمرار قوات النظام السوري بملاحقة واعتقال الأشخاص الذين أجروا تسوية لأوضاعهم الأمنية في المناطق التي سبق لها أن وقَّعت اتفاقات تسوية مع النظام السوري، وتركَّزت هذه الاعتقالات في محافظتي ريف دمشق ودرعا.
كما سجل عمليات اعتقال عشوائية بحق مواطنين في محافظة حماة، يُعتقد أنها جرت بناءً على تقارير أمنية كيدية بسبب مواقفهم المعارضة للنظام السوري.
ورصد التقرير عمليات اعتقال لمدنيين في محافظة دمشق على خلفية ترديدهم عبارات مناوئة للنظام السوري، وتمزيق صور لرئيس النظام السوري بشار الأسد.
كما سجل التقرير عمليات اعتقال استهدفت مدنيين على خلفية عدم مشاركتهم في الانتخابات الرئاسية المنعقدة في 26 أيار، وذلك لدى مرورهم على نقاط التفتيش التابعة للنظام السوري، وبشكل رئيس المحاذية منها لمناطق شهدت سابقاً تسويات.
وجاء في التقرير أنه تم تسجيل ما لا يقل عن 32 حالة اعتقال لمدنيين بينهم أطفال ونساء في محافظة طرطوس أثناء محاولتهم الهجرة بطريقة غير شرعية إلى دولة قبرص.
الإفراج عن بعض المعتقلين
رصد التقرير إخلاء النظام السوري ما لا يقل عن 76 شخصاً بينهم 17 سيدة من المدنيين والموظفين الحكوميين والإعلاميين والطلاب الجامعيين والسياسيين ممن قاموا بانتقاد الفساد والأوضاع المعيشية في مناطق سيطرة النظام السوري، وذلك بموجب المرسوم التشريعي رقم 13 لعام 2021 الصادر في 2 أيار، وقد تراوحت مدد اعتقال معظمهم ما بين شهرين إلى ستة أشهر، ولم تكن قد صدرت بحقهم أية أحكام، ويُعرف معظمهم بتأييده للنظام السوري خاصة الإعلاميون منهم.
كما سجل التقرير إخلاء قوات النظام السوري سبيل 54 شخصاً، بينهم ثلاثة أطفال وسيدة واحدة، وذلك بعد انتهاء أحكامهم التعسفية.
كما شهدَ أيار أيضاً بحسب التقرير حالات إفراج بناءً على عمليات تبادل بين قوات الجيش الوطني وقوات النظام السوري.
ضحايا الاعتقال التعسفي لدى قسد
جاء في التقرير أن قوات سوريا الديمقراطية استمرت في سياسة الاحتجاز التَّعسفي والإخفاء القسري في أيار، عبر حملات دهم واعتقال جماعية استهدفت بها مدنيين بذريعة محاربة خلايا تنظيم داعش، بعض هذه الحملات جرى بمساندة مروحيات تابعة لقوات التحالف الدولي.
كما رصد التقرير عمليات اعتقال استهدفت أعضاء في اللجنة المنطقية للحزب الديمقراطي الكردستاني.
ضحايا الاعتقال التعسفي لدى هيئة تحرير الشام
سجل التقرير عمليات احتجاز قامت بها هيئة تحرير الشام بحق المدنيين، تركَّزت في محافظة إدلب وشملت نشطاء إعلاميين وسياسيين، ومعظم هذه الاعتقالات حصلت على خلفية التعبير عن آرائهم التي تنتقد سياسة إدارة الهيئة لمناطق سيطرتها.
كما رصد التقرير عمليات استدعاء قامت بها مديرية الإعلام التابعة لحكومة الإنقاذ بحق نشطاء إعلاميين، على خلفية قيامهم بنشر منشورات على صفحاتهم الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة.
ضحايا الاعتقال التعسفي لدى الجيش الوطني
من جهتها وبحسب التقرير قامت قوات الجيش الوطني التابعة للمعارضة السورية، في أيار بعمليات احتجاز تعسفي وخطف، معظمها حدث بشكل جماعي، استهدف قادمين من مناطق سيطرة النظام السوري، إضافة إلى حالات احتجاز جرت على خلفية عرقية.
حصيلة حالات الاعتقال التعسفي منذ بداية عام 2021
وثق التقرير ما لا يقل عن 836 حالة اعتقال تعسفي في سوريا في عام 2021، منذ كانون الثاني حتى حزيران من العام ذاته، بينهم 43 طفلاً، و41 سيدة، تحول 632 منهم إلى مختفين قسرياً.
حصيلة حالات الاعتقال التعسفي في أيار 2021
وفقاً للتقرير فإن ما لا يقل عن 162 حالة اعتقال تعسفي بينها خمسة أطفال، قد تم تسجيلها في أيار2021 على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا، تحوَّل 111 منهم إلى مختفين قسرياً.
اعتقل النظام السوري منهم 97 بينهم ثلاثة أطفال.
في حين اعتقلت قوات سوريا الديمقراطية 48 بينهم طفلان.
وذكر التقرير أن الجيش الوطني اعتقل 11 مدنياً.
أما هيئة تحرير الشام فقد اعتقلت ستة مدنيين.
كما استعرض التَّقرير توزُّع حالات الاعتقال التعسفي في أيار بحسب المحافظات، حيث كان أكثرها في محافظة دير الزور 46 معتقلاً، ثم طرطوس 44 معتقلاً، تلتها حلب 22 معتقلاً.