fbpx

النظام الاقتصادي المناسب لسوريا الجديدة

0 18

من أجل اختيار نظام اقتصادي مناسب لسوريا الجديدة، لابد من تناول النظامين الاقتصاديين الاشتراكي والرأسمالي ومقارنتهما من خلال إعطاء لمحة سريعة عن كليهما. فالنظام الاقتصادي الاشتراكي يعتمد على الملكية العامة لموارد الإنتاج، والنظام السياسي الاشتراكي يقوم على تخطيط وتوزيع وتوجيه الموارد نحو المشاريع التي تحقق المصلحة العامة، بهدف تحقيق توزيع أكثر عدالة للثروة والدخل وتوفير مستوى من الأمن الاقتصادي للمواطنين. يقوم هذا النظام على توفير الخدمات الأساسية وتقليل البطالة بتوفير فرص العمل. ولكن التخطيط المركزي والبيروقراطية قد أديا إلى بطء في اتخاذ القرارات وتقليل المرونة. كما أن غياب الملكية الفردية والمنافسة بسبب غياب الحرية الاقتصادية للأفراد والشركات قد قلل الحوافز للإنتاج والابتكار، وهذا بدوره قلل من الكفاءة الاقتصادية. فنقص الحوافز وقلة المرونة أسهمتا في نقص السلع والخدمات، مما أثر على جودة المعيشة. وكان سوء الإدارة في النظم السياسية التي اعتمدت الاقتصاد الاشتراكي في العالم العربي قد واجهت مشاكل اقتصادية أدت إلى عدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها في تأمين حياة كريمة لمواطنيها. وهذا أيضاً ما أدى إلى تفكك الاتحاد السوفيتي وانهيار المنظومة الاشتراكية في أوروبا الشرقية.

أما نظام الاقتصاد الرأسمالي فيعتمد على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج وحرية السوق والمنافسة. وهذا يمنح الأفراد والشركات حرية كبيرة في اتخاذ القرارات الاقتصادية، ويشجعها على الابتكار والمبادرة. ويكون النمو الاقتصادي سريعاً بسبب الحوافز الكبيرة للاستثمار والابتكار والمنافسة التي تشجع على زيادة الكفاءة وخفض التكاليف. وهذا يوفر السلع والخدمات، مما يتيح للمستهلكين الاختيار من بين العديد من الخيارات. ولكن التركيز على الربح يؤدي إلى زيادة الفجوات في المجتمع وإلى عدم مساواة في توزيع الثروة والدخل. كما يتعرض الاقتصاد الرأسمالي لدورات اقتصادية من ارتفاع وانخفاض، مما يؤدي إلى فترات من الركود والكساد. كما يؤدي التركيز المفرط على الربح إلى إهمال الجوانب الاجتماعية. وكذلك تتشكل احتكارات وشركات ضخمة تسيطر على الأسواق، مما يحد من المنافسة ويرفع الأسعار.

وبناءً عليه، لا يوجد نظام اقتصادي مثالي، فكل نظام له إيجابيات وسلبيات، ونجاحه يتوقف على الإدارة. وهذا ما دفع العديد من الدول إلى أن تتبع اليوم نظاماً اقتصادياً مختلطاً يجمع بين عناصر من الاقتصاد الحر والاشتراكي. فالصين طبقت النموذج الاشتراكي مع مزيج من اقتصاد السوق، قائمة على اشتراكية في الداخل ورأسمالية مع الخارج، وحققت نمواً اقتصادياً هائلاً في العقود الأخيرة. وكذلك اعتمد الاقتصاد التركي على مزيج من الملكية الخاصة والاقتصاد الموجه، مع تدخل حكومي في بعض القطاعات. وكذلك يعد الاقتصاد الماليزي نموذجاً للنجاح في منطقة جنوب شرق آسيا، فقد حقق تقدماً ملحوظاً في العقود الأخيرة. فهذا الاقتصاد يتميز بمزيج من الاستقرار النسبي والنمو المستدام، مما أثر بشكل إيجابي على حياة المواطنين الماليزيين.

بعد انتصار الثورة السورية، أصبحت سوريا تواجه تحديات اقتصادية هائلة وصعبة بعد تدمير أغلب مناطقها وبناها التحتية وسرقة ثرواتها وأموالها من قبل النظام البائد. وهذا يتطلب إعادة إعمار الاقتصاد السوري على أسس صحيحة بتضافر الجهود الوطنية والعربية والدولية. ولذلك يجب على الحكومة السورية الانتقالية وبعدها الحكومة العادية اتخاذ إجراءات جريئة وحاسمة لمعالجة هذه التحديات الاقتصادية من أجل بناء اقتصاد قوي قادر على تلبية احتياجات الشعب السوري. وهذا يحتاج إلى نهج متكامل وشامل.

إن اختيار الاقتصاد الليبرالي يجب أن يقوم على الاستقرار الأمني والسياسي والإصلاح الاقتصادي الشامل القائم على تحرير الأسعار وتخفيف القيود على التجارة وتقليل الحواجز التجارية وتشجيع التجارة الخارجية وإصلاح القطاع المالي وخصخصة المؤسسات وتطوير القطاع الخاص، فضلاً عن إعادة الإعمار وتطوير القطاعات الإنتاجية وتطوير نظام التعليم ومكافحة الفساد وتحقيق التنمية المستدامة.

وبناءً عليه، تختلف ظروف وبيئات التجارب الاقتصادية في العالم، ولكن من أجل رفع مستوى المعيشة اللائقة للشعب السوري، فإننا ندعو إلى الاستفادة من التجربة الألمانية القائمة على الاقتصاد الاجتماعي الحر. فهذا النظام يجمع بين الحرية الاقتصادية والتدخل الحكومي من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية وتأمين مستوى معيشة لائق. وتقوم هذه التجربة على الحرية الاقتصادية والتدخل الحكومي والاعتماد على الشركات المتوسطة لخلق فرص العمل والتعاون بين الحكومة والنقابات وأرباب العمل، والتركيز على التعليم والتدريب المهني. وهذا قد أدى إلى مستوى معيشي مرتفع وفرص عمل وفيرة وجودة حياة عالية واستقرار اقتصادي ومساواة اجتماعية نسبية.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني