يُعرّف النضال السلمي اللاعنفي بأنه نوع من المقاومة التي تسعى إلى تحقيق الأهداف مثل إحداث التغيير الاجتماعي عبر الاحتجاجات الرمزية أو العصيان المدني وهو إحدى الطرق التي ثار بها الناس على القوانين غير العادلة، وقد استُخدم في حركات مقاومة سلمية عديدة موثقة في الهند، مثل حملات غاندي من أجل العدالة الاجتماعية وحملاته من أجل استقلال الهند عن الإمبراطورية البريطانية، وفي جنوب أفريقيا في مواجهة الفصل العنصري، وفي حركة الحقوق المدنية الأمريكية.
لازال اسم روزا باركس يتردد في كل مناسبة تدعو إلى العدالة والمساواة وتعيدنا لقراءة روزا المرأة ذات البشرة الداكنة ورفضها العنصرية، وعصيانها لقوانين الفصل في ولاية ألاباما، إثر رفضها التخلي عن مقعدها في وسيلة نقل لصالح رجل ببشرة بيضاء وذلك رضوخاً للقانون الذي يفرض على الزنوج التخلي عن مقاعدهم في وسائل النقل لصالح أصحاب البشرة البيضاء، اعتُقلت روزا وغُرّمت بعشرة دولارات لكن تكلفة الدولة كانت أكبر بكثير بعد إضراب استمر لـ 381 يوماً انتهى برفع قوانين الفصل العنصري.
أمس كانت بطلة النضال المدني المصرية سناء سيف شقيقة معتقل الرأي علاء عبد الفتاح. سناء التي كسرت قواعد السياسة السيساوية في التعامل مع الغرب انطلاقاً من الاندماج مع ثقافته الحقوقية وأدوات النضال السلمي فتحولت أنظار العالم إلى الشابة المصرية التي قلبت الطاولة على السيسي الذي حاول استغلال مؤتمر المناخ لصالحه ليتحول إلى منصة لعرض انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، نجحت سناء بتحويل قضية علاء إلى قضية رأي عام عالمي حظيت بالتعاطف والمناشدات بإطلاق سراح علاء المضرب عن الطعام والشراب وقد تفلح بما لم يفلح به الشعب السوري كاملاً على مدى سنوات ثورته، الشعب الذي بدأ ثورته بأرقى أشكال النضال اللاعنفي، بدأ ثورته بالرقص والغناء والأهازيج وتوزيع الورود على من حمل السلاح وقتل به.
بدأت الثورة السورية بأجمل أداة وأكثرها شاعرية، بدأت بالشموع التي استخدمتها مجموعة من الناشطين والصحفيين باعتصامهم أمام السفارة المصرية في كفر سوسة للتضامن مع ثورة يناير
وبدأت أفكار السوريين تتدفق لإنتاج ثورة حضارية بعيدة عن العنف والتخريب ليلجأ الثوار بعد التضييق على مظاهراتهم إلى المظاهرات المنزلية وذلك من خلال الطرق على الأواني وإصدار أصوات تربك رجال الأمن المتربصين.
وكانت إذاعة الأغاني الثورية عبر مكبرات الصوت في الأماكن العامة.
وكانت ثورة كرات البينغ بونغ الممهورة بعبارات مناهضة للنظام وبشار أسد المتدحرجة في الشوارع نهاية الدوام الرسمي لتكون مصدر هلع لرجال الأمن ومتنفس حرية للشعب.
كما استخدمت البحيرات والنافورات في الساحات العامة بمياهها المصبوغة باللون الأحمر لتذكير المارة بالدم المسفوح في سبيل الحرية.
والكثير الكثير من مظاهر النضال اللاعنفي الذي جاهد الشعب السوري للمحافظة عليه فهو الشعب الثائر الحامل لزجاجات مياه مرفقة بوردة قدمها غياث مطر لتروي عطش جيش لم يروه إلا الدماء.
استمر السوريون باحتجاجاتهم السلمية بأشكالها المعروفة عالمياً، بل أبدعوا من مخيلاتهم الثورية أفكاراً تتناسب مع السياق الاجتماعي والثقافي السوري رغم مواجهتهم بالقمع والوحشية والاعتقال والقتل طوال الأشهر الأولى وحتى تشكيل الجيش السوري الحر، الذي كان ردة فعل طبيعية على الوحشية التي مارسها النظام وأجهزته الأمنية على الثوار وحتى على الصامتين لمجرد الشبهة.
لم يتوقف السوريون عن ابتكار أساليبهم السلمية لمواجهة وحشية النظام، وما زالوا مصممين على تحقيق أهداف ثورتهم في مواجهة النظام رغم تآمر العالم على ثورتهم والدعم اللامتناهي النظام.
ولعل فيلم من أجل سما لوعد الخطيب والكهف لأماني بلور، اللذان كشفا للعالم بأسره دموية النظام ووحشيته خير دليل على النضال السلمي الذي انتهجه الشعب السوري واستمر به رغم إصرار النظام ونجاحه بعسكرة الثورة التي حافظت على وجهها السلمي الحضاري بورود غياث مطر وأهازيج الساروت.