المقابر الجماعية في سوريا الجديدة: مسؤولية وطنية وعدالة مؤجلة
في سوريا التي تتطلع إلى مستقبل مختلف، تبقى المقابر الجماعية شاهداً دامغاً على إرث من المعاناة والانتهاكات التي شهدتها سنوات النزاع المسلح. هذه المواقع الصامتة تخفي بين طياتها قصصاً مؤلمة عن الظلم والعنف، لكنها أيضاً تحمل مفاتيح لتحقيق العدالة والمصالحة. في بيان صادر عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان، تُقدَّم توصيات شاملة للتعامل مع هذه القضية الحساسة، لتكون خطوة أولى نحو بناء سوريا جديدة تُصان فيها كرامة الإنسان وتُحترم حقوقه.
حماية المقابر الجماعية: ضرورة قانونية وإنسانية:
إن المقابر الجماعية ليست مجرد مواقع دفن جماعية، بل أدلة قانونية تساهم في كشف حقيقة الانتهاكات. لضمان تحقيق العدالة، لذلك تدعو الشبكة السورية لحقوق الإنسان إلى:
منع العبث بالمواقع أو الوصول غير المصرح به،
وتوثيق المواقع ووضع علامات واضحة عليها، والتعامل مع رفات الضحايا باحترام وكرامة، بما يتوافق مع القوانين الدولية.
التحقيق الشفاف والمساءلة: جوهر العدالة الانتقالية:
لا يمكن بناء سوريا جديدة دون محاسبة المسؤولين عن الجرائم المرتكبة. وتحقيق ذلك يتطلب:
تنفيذ تحقيقات مستقلة وشفافة تكشف ظروف الوفاة، وجمع الأدلة الجنائية بدقة لتكون مقبولة أمام المحاكم الوطنية والدولية، ما يعزز مبدأ المحاسبة ويحقق العدالة للضحايا.
تحديد هوية الضحايا: حق إنساني وعملية للمصالحة:
إعادة هوية الضحايا المجهولين لعائلاتهم ليست مجرد مطلب إنساني، بل خطوة محورية لتحقيق السلم المجتمعي. لذلك توصي الشبكة السورية باستخدام:
تقنيات حديثة، مثل تحليل الحمض النووي، لتحديد هوية الضحايا، وإعادة الرفات إلى ذويهم وفق التقاليد الثقافية والدينية، بما يضمن دفناً لائقاً وكريماً.
التزام الأطر القانونية الدولية: مرجعية لتحقيق العدالة:
يشدد البيان على أهمية الالتزام بالمعايير الدولية، خصوصاً بروتوكول بورنموث لحماية المقابر الجماعية، لضمان أن هذه المواقع تُستخدم كأدلة في محاكمات عادلة تُسهم في تحقيق المصالحة وكشف الحقيقة.
الاعتبارات المجتمعية والإنسانية: نحو مجتمع أكثر تماسكاً:
معالجة ملف المقابر الجماعية ليست مجرد قضية قانونية، بل هي قضية مجتمعية وإنسانية تهدف إلى:
منح الأسر حقها في معرفة مصير أحبائها، ودعم جهود التعافي المجتمعي ومعالجة المظالم.، بالإضافة إلى تعزيز الثقة بين الدولة والمجتمع من خلال التزام الحكومة الجديدة بمسؤولياتها تجاه هذا الملف.
وفي ختام بيانها، تؤكد الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن معالجة ملف المقابر الجماعية يمثل اختباراً حقيقياً لسوريا الجديدة. هذا الملف ليس مجرد قضية ماضية، بل هو حجر الزاوية لبناء مستقبل أكثر عدلاً وإنسانية. إن التعامل معه بشفافية وعدالة يعيد كرامة الضحايا ويمنح العائلات حقها المشروع، كما يفتح الباب أمام مصالحة وطنية تعزز مناعة سوريا أمام نزاعات المستقبل. سوريا الجديدة تبدأ من هنا: من احترام الحق، ومنح العدالة، وإعلاء كرامة الإنسان.