المفقودون في سوريا: جرح نازف وحق لا يسقط بالتقادم
بين الأمل والخذلان – معركة الحقيقة لم تنتهِ بعد:
وسط الألم الذي يعتصر قلوب آلاف العائلات السورية، يظل ملف المفقودين قسراً واحداً من أكثر القضايا إلحاحاً، حيث تتشابك فيه الحقوق بالسياسة، والعدالة بالمعاناة.
في ظل هذا الواقع المأساوي، عقدت الشبكة السورية لحقوق الإنسان والمؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين في سوريا اجتماعاً ثنائياً يوم 22 كانون الثاني/يناير 2025، لمناقشة سبل التعاون والتنسيق لكشف مصير المختفين قسراً، في خطوة تعكس أهمية هذا الملف على المستويين الوطني والدولي.
أرقام صادمة: مأساة إنسانية لا يمكن تجاهلها:
تشير قاعدة بيانات الشبكة السورية لحقوق الإنسان إلى أن هناك:
- 115,000 شخص مختفٍ قسرياً على يد النظام السوري.
- 17,000 شخص فقدوا على يد بقية أطراف النزاع.
هذه الأرقام ليست مجرد إحصائيات، بل هي قصص معاناة مستمرة لعائلات تعيش على أمل عودة أبنائها. سنوات من الغياب القسري، والانتظار الموجع، والبحث الذي لا يتوقف، تجعل هذه القضية جريمة مستمرة ضد الإنسانية لا يمكن السكوت عنها.
وفي هذا السياق، شدد فضل عبد الغني، مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، على أن المهمة ليست فقط كشف مصير المفقودين، بل ضمان عدم تكرار هذه الجرائم مستقبلاً، مشيراً إلى أن هذا الملف يجب أن يكون أولوية وطنية في سوريا المستقبل.
المؤسسة المستقلة: خطوة نحو العدالة وإنصاف الضحايا:
كارلا كينتانا، الرئيسة الجديدة للمؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين، أكدت أن المؤسسة هي أول هيئة تابعة للأمم المتحدة تُعنى بالمفقودين في سياق النزاع السوري بشكل مباشر، مشيرةً إلى أن:
المؤسسة وليدة نضال طويل خاضته عائلات المفقودين والناجين، والهدف منها توفير إجابات واضحة ودعم قانوني ونفسي.
دور المؤسسة لا يقتصر على توثيق الحالات وجمع الأدلة، بل يمتد إلى التنسيق مع جميع الأطراف الفاعلة للوصول إلى نتائج ملموسة.
البحث عن المفقودين يجب أن يبدأ من افتراض أنهم لا يزالون أحياء، مع الأخذ في الاعتبار الحالات التي قد يكون أصحابها قد فارقوا الحياة.
وأكدت أن الحقيقة ليست ترفاً، بل هي حق أساسي لعائلات المفقودين، وضرورة لتحقيق العدالة والمصالحة الوطنية.
لحظة مفصلية: هل تقترب سوريا من كشف الحقيقة؟
مع التحولات السياسية والميدانية الأخيرة، يبدو أن هناك فرصة حقيقية لتحقيق تقدم في ملف المفقودين قسراً، لكن ذلك يتطلب إرادة سياسية جادة، وإجراءات ملموسة، وتعاوناً دولياً فاعلاً. ولضمان نجاح أي جهود في هذا السياق، يجب التركيز على:
تعزيز آليات جمع البيانات وتحليلها وحمايتها من التلاعب أو الطمس.
التنسيق بين الجهات الحقوقية السورية والدولية لضمان توحيد الجهود.
الضغط على جميع الأطراف للكشف عن أماكن الاحتجاز والمقابر الجماعية.
ضمان محاسبة المسؤولين عن جرائم الإخفاء القسري وعدم إفلاتهم من العقاب.
“كل يوم يمر دون إجابات هو يوم إضافي من الألم والمعاناة لعائلات المفقودين. لا يمكن تحقيق العدالة بدون كشف الحقيقة.” – كارلا كينتانا.
رسالة للمجتمع الدولي: لا مجال للمماطلة:
اختُتم الاجتماع بنداء مشترك إلى الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لـ:
تقديم دعم فوري وحقيقي لملف المفقودين في سوريا.
الضغط على جميع الأطراف للإفصاح عن مصير المختفين قسراً.
حماية الأدلة والسجلات لضمان عدم طمس الحقيقة.
وأكدت كارلا كينتانا أن هذا الملف لا يخص سوريا وحدها، بل هو مسؤولية إنسانية جماعية، داعيةً المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤوليته لحماية الحق في معرفة الحقيقة وتحقيق العدالة.
“قد تبدو التحديات هائلة، لكن الأمل لا يزال حاضراً. واجبنا هو تحويل هذا الأمل إلى حقيقة.”
لا عدالة دون كشف الحقيقة:
لن يكون هناك سلام مستدام في سوريا دون حل جذري لقضية المختفين قسراً. فالعدالة ليست مجرد شعار، بل شرط أساسي لمستقبل يقوم على الحقوق والمساءلة والمصالحة الوطنية.
إن حق الضحايا في معرفة الحقيقة لا يسقط بالتقادم، وصوت العائلات لن يُخرس، والعدالة لا تُباع ولا تُشترى.
معاً، من أجل كشف الحقيقة، وإنهاء معاناة المفقودين قسراً في سوريا.