المفقودون في سوريا: جرح مفتوح وأولوية للحكومة الجديدة
في قلب سوريا الجديدة، حيث تسعى البلاد للشفاء من جراح الماضي، يظل ملف المفقودين أحد أكثر القضايا إلحاحاً وتعقيداً. آلاف الأسر السورية تعيش في انتظارٍ مريرٍ لمعرفة مصير أحبائها، متأرجحة بين أمل اللقاء وخوف الفقدان. الإخفاء القسري، الذي استخدمه نظام الأسد كأداة لقمع المجتمع، ترك آثاراً نفسية واجتماعية عميقة، ليصبح معالجة هذا الملف اختباراً حقيقياً لالتزام الحكومة الجديدة بالعدالة وحقوق الإنسان. في هذا السياق، أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان بياناً حثّت فيه الحكومة السورية على اتخاذ خطوات حاسمة بالتعاون مع اللجنة الدولية لشؤون المفقودين (ICMP) لكشف الحقيقة ومداواة الجراح.
الإخفاء القسري: جريمة مستمرة في ذاكرة سوريا:
لم يكن الإخفاء القسري مجرد وسيلة قمع، بل كان إعلاناً صامتاً للحرب على الإنسانية في سوريا، وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، بلغ عدد المختفين قسراً في سوريا حتى أغسطس 2024 ما لا يقل عن 112,414 شخصاً.
إن هذه الجريمة لا تقتصر على الضحايا، بل تمتد لتشمل عائلاتهم التي تعيش في ألم الانتظار والقلق المستمر، لذلك تعمل الشبكة بجهود يومية على بناء قاعدة بيانات علمية تعتمد على شهادات الناجين وذوي الضحايا، مما يجعلها مرجعاً موثوقاً للمجتمع الدولي.
دعوة إلى التعاون الدولي: مفتاح الحل:
تعترف الشبكة السورية بأن معالجة هذا الملف يتجاوز قدرات أي حكومة أو منظمة بمفردها، لذلك فإن اللجنة الدولية لشؤون المفقودين (ICMP) بخبرتها الممتدة منذ تأسيسها عام 1996، تمتلك أدوات وتقنيات حديثة لتحديد هوية الضحايا من خلال تحليل الحمض النووي، فضلاً عن خبرتها في التعامل مع المقابر الجماعية.
ويبرز هنا دور الحكومة السورية الجديدة في إرسال دعوة رسمية إلى اللجنة الدولية للعمل في سوريا، على غرار ما فعلته أوكرانيا عام 2022، يُظهر التزاماً جاداً بتحقيق العدالة.
بالإضافة إلى التنسيق مع المجتمع المدني من خلال إشراك منظمات المجتمع المدني السورية لتعزيز الجهود وضمان شفافية العملية.
دور اللجنة الدولية لشؤون المفقودين (ICMP): خبرات حاسمة لحل الأزمة:
توثيق دولي شامل: توفر اللجنة منهجية صارمة لجمع البيانات وتوثيقها، مما يعزز مصداقية المعلومات ويمنع التلاعب.
استعادة الرفات: عبر تقنيات حديثة لتحليل الحمض النووي، يمكن تحديد هوية الضحايا، ما يسهم في منح الأسر إجابات شافية ومصالحة مع الماضي.
تعزيز الوحدة الوطنية: معالجة ملف المفقودين يعيد بناء الثقة بين الشعب والحكومة، ويخفف من الانقسامات المجتمعية التي أوجدها النزاع.
توصيات الحكومة السورية الجديدة: بناء مستقبل قائم على العدالة:
دعوة ICMP رسمياً: توجيه طلب رسمي للجنة الدولية لتقديم الدعم الفني والتقني اللازم.
حماية مواقع الجرائم: ضمان حماية السجون والمقابر الجماعية كأدلة جنائية.
دعم عائلات المفقودين: تقديم الدعم النفسي والاجتماعي المستدام بالتنسيق مع منظمات محلية ودولية.
تعزيز العدالة الانتقالية: تبني استراتيجيات شاملة لمحاسبة المسؤولين عن الجرائم، وتعويض عائلات الضحايا بشكل عادل.
توصيات إلى المجتمع الدولي: دعم الجهود السورية لتحقيق العدالة:
توفير الموارد: من خلال دعم اللجنة الدولية والمنظمات السورية بموارد وتقنيات حديثة لتحليل الحمض النووي وتوثيق الحالات.
الضغط الدولي: وذلك من خلال حث الدول المانحة على تقديم المساعدة للحكومة الجديدة لمعالجة هذا الملف.
إعادة الأموال المجمدة: استخدام أموال النظام السابق لدعم جهود العدالة الانتقالية.
محاسبة النظام السابق: وذلك بتقديم المسؤولين عن جرائم الإخفاء القسري، وعلى رأسهم بشار الأسد، للمحاكم الدولية.
إن ملف المفقودين في سوريا ليس مجرد قضية حقوقية، بل اختبار حقيقي لإرادة الحكومة الجديدة في بناء دولة قائمة على العدالة والكرامة الإنسانية. وبالمقابل فإن التعاون مع اللجنة الدولية لشؤون المفقودين والمؤسسات الدولية الأخرى يمثل خطوة أولى نحو مصالحة وطنية حقيقية تُعيد الثقة إلى المجتمع السوري، ولن تتحقق سوريا الجديدة إلا بإعادة الحق إلى أصحابه، ومداواة جراح الماضي، والالتزام الصادق بالعدالة والإنسانية.