المعلم السوري بين الواقع والطموح (تركيا أنموذجاً)
المعلمون هم قادة الشعوب ورسل الأمم ولهم الصدارة في كل المجتمعات التي تحترم نفسها، وقد بين أمير الشعراء أحمد شوقي دور المعلم بقوله:
قم للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا
أرأيت أشرف أو أجل من الذي يبني وينشئ أنفسا وعقولا
فالأمم التي تحترم أبناءها وتحترم تاريخها وتعرف أهمية العلم ودوره في بناء المجتمعات، والدول التي تحترم نفسها وتقدر دور العلم والعلماء، لابدّ أن تضع المعلمين في الموضع الذي يجب أن يكونوا فيه، ليظلوا شمعة مضيئة على مر الأيام والدهور، فهم من يبنون الإنسان ويضعون اللبنة الأولى في بنائه، ويحرقون أنفسهم من أجل إسعاد غيرهم، وعليه كانت مهنة التعليم من أقدس المهن وأرقاها، فبالعلم تستطيع الشعوب أن تتقدم وبالعلم ترقى ويحسب لها ألف حساب.
أربعة ملايين ونصف مواطن سوري يعيشون منذ أكثر من 7 سنوات في بلاد ليست بلادهم، قدمت لهم الحكومات التي يعيشون على أراضيها ما يحتاجون من مختلف احتياجات الحياة إلا أن الحاجة الأم التي ظل السوريون يبحثون عنها بشكل حثيث هي التعليم، هناك جملة من المعوقات وقفت حائلاً دون الوصول إلى مرادهم، كانت بدايتها في عدم كفاءة المنهج الذي يدرس، بالإضافة إلى الأماكن غير المعدة إعداداً كافياً للتعليم، حيث كانت المساجد وبعض الدور الاجتماعية مقراً لها وبعد سنتين من الدراسة العشوائية غير المنظمة اضطرت اليونيسيف مع مديريات التربية في الولايات التركية الاستجابة إلى طلبات الأهالي الملحة في تعليم أبنائهم، وفعلاً افتتحت المدارس المؤقتة التي أشبعت إلى حد ما نهم السوريين ورغبتهم في العلم والتعلم، ولكن ثمة منغصات ظلت تنخر جانب كل سوري غيور على لغته وأبناء بلده.
ومن تلك المنغصات وأهمها الشهادات المزورة التي جاءت بمن ليس أهلاً للتعليم ليكون معلماً، ومن لا يجيد أبجديات التربية ليكون تربوياً، واستمرت هذه الحال أربع سنوات إلى حين انتظام الطلبة السوريين في بنية التعليم التركي، وفقد المعلم السوري دوره الأساسي في التعليم، وبقي وحيداً لا يجد طلاباً ليعلمهم ولا يجد من يحتك به من أبناء بلده إلا من خلال وجود بعض المعلمين السوريين في بعض المدارس كمترجمين، أو مشرفين على الساحات العامة في المدارس أثناء الفسح بين الدروس، وهنا بدأت الفجوة تكبر بين المعلم السوري وبين مدير المدرسة التركي الذي ما فتئ ينظر إلى المعلم السوري بأنه عالة عليه، وهو في الأصل معلم ولكن لا يملك أي حق من حقوق المعلم حيث لا نقابة تمثله وليس له من حقوق المعلم إلا اسمه، ولا يمكنه أن يمارس تخصصه.
إلا القلة القليلة من المعلمين ممن كانوا في المدارس الشرعية أو المسلكية وممن كانت الإدارة المدرسية متفهمة ومقدرة لهم، وكانت أكثر العقبات التي تقض مضجع المعلم، راتبه الذي لا يكاد يفي بأبسط متطلبات العيش في تركيا ومع ذلك الأمر كان الزملاء المعلمون يحاولون سد النقص والعجز بالعمل في أعمال مختلفة، وقد لا تليق هذه الأعمال بهم في كثير من الأحيان.
وما زاد الطين بلة وفي الطنبور نغماً، أن أعلنت اليونسيف عن عدم قدرتها على دفع رواتب المعلمين وذلك عندما طالبت الحكومة التركية بإذن عمل لكل معلم متطوع، وكانت النتيجة أن تقرر تقليص عدد المعلمين من ثلاثة عشر ألف معلم إلى ما يقارب ثلاثة آلاف، ومازال القرار ينتظر المزيد من الموافقات لتنفيذه.
هذه هي حال المعلم السوري ومازالت أصوات الشرفاء من كل مكان تعلو لتدعو إلى إنصاف هذه الفئة المظلومة التي انضمت إلى قافلة كل المظلومين من أبناء شعبنا، وما زالت كرة المعلم السوري في ملعب المعنيين تنتظر حلولاً سريعة تنتشلهم من هذا الواقع المرير.