fbpx

المعلمة

1 29

وقفتْ في رتل من الخريجين. في يدها تاج التخرج وفي عينها تلمع دمعة. هاجت بنفسها حادثة ذلك اليوم.. مازالت عالقة في مخيلتها بدقائقها وثوانيها.

بابا.. بابا.. ردً علي.. بابا ردّ.. تسمعني؟ افتح عينيك.. كلّمني أرجوك.. أنا سعاد.. أحاطت وجهه بيديها.. طبطبت على وجنتيه.. تلمّست جبهته الباردة.. قبّلتها.. كررت السؤال.. لم يجب… هُرع أخوتها.. انحنى محسن وراح يضغط ويضغط على صدره علّه يتنفس.. وضع أذنه أمام فتحة أنفه.. على صدره.. أصغى إلى دقات قلبه.. أرهف سمعه.. لم تلتقط أذنه إشارة ما.. جسّ نبضه.. لا شيء… بسمل.. حوقل.. رفع رأسه.. نظر في وجوه أخوته.. عيناه التي يغشاهما الدمع تكلّمت بما لم يستطع لسانه.

انكبت سعاد فوق أبيها ودموعها تغطّي صفحة وجهها تسأله: كيف تغادر بسرعة؟ كيف تترك مدللتك الوحيدة؟ مَن سيساهرها وهي تحضّر واجباتها؟ لمَن ستسمّع القصائد التي حفظتها؟ ومَن سيشاطرها قراءة الصفحات ومراجعتها قبيل الامتحانات؟ أنسيت وعدك لي؟ كم مرة قلتها سنتان وأزيّن رأسك بتاج تخرجك؟ أسفي لن أفرح بذاك اليوم في غيابك…

رفعتها أيدي الأخوة عنه.. حملوها إلى غرفة الاستقبال.. أجلسوها على كنبة فاقدة السيطرة على نفسها.. فتحت عينيها رأت صورته المعلقة على الجدار تبتسم… شعرت به يمدّ يده.. يمسح على شعرها.. أطبقت جفنيها.. رنّت في أذنها كلماته وهو يضع يده على رأسها عندما أوصلها إلى المدرسة الابتدائية: حبيبتي، ذات يوم ستأتين إليها معلمة أفخر بها، وربّت على كتفها هيّا ادخلي، ولما عادت قبّل جبينها وحضنها.. سألها عن يومها الأول.. شاركها القراءة، وحاورها في الواجبات.. كان ملءَ حياتها بعد أن ارتحلت أمّها إلى بارئها.

خاطبتْه: كيف تركتني، ولمَن؟ كنت أباً، وأخاً، وصديقاً، ومعلماً. قاسمتني الأيام حلوها ومرّها، عشتَ همومي ومتاعبي، أخذتَ بيدي سنة بعد سنة حتى نلتُ الثانوية بتفوق، ولأنك حبّبتني بالتعليم دخلت كلية التربية، وبقيتَ سندي، ومعلمي، وملاذي. نصائحك حفظتها وعملت بها، فمَن لي الآن؟ غادرتني وأنا في منتصف الطريق، هل يحق لي أن أعاتبك أم أعاتب مَن خطفك مني؟

آآهٍ !.. ليتك الآن معي لتزيّن هامتي بالتاج الذي حلمنا به ذات يوم. إنّي لفخورة بك.. حققتُ ما كنتَ تصبو إليه…، وبسبابتها مسحت دمعة…

في طريق العودة من الجامعة توقّفت أمام المدرسة، شعرت بيد حانية تحطّ على كتفها…

1 تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني