المعرفة النسوية في مشاريع المجتمع المدني السوري
عندما تجد امرأة تتحدى الصعوبات من أجل المعرفة تدرك بأن ما تتطلع إليه هدف عظيم، والوقت الحالي له نوع آخر من التحدي ألا وهو أن تتضمن المعرفة في أنشطة برامج المجتمع المدني التي تعنى بالنساء.
إن المعرفة النسوية تحتاج إلى الكتابة الجادة التي توضح كل ما تتعلمه المرأة لكي تكون شخصية مميزة لها. ولكي تصبح هذه المعرفة واضحة للجميع من المفيد تفكيك هذا المفهوم لأسئلة نطرحها على أنفسنا تحمل الوضوح في علاقة المعرفة والنساء والمجتمع المدني معاً.
في هذا السياق يكون الحديث التشاركي عبر الآراء والتطلعات الناشطين والناشطات في مشاريع المجتمع المدني السورية.
النساء والمعرفة النسوية:
من المهم البدء في رسم مربع الخطوط المشتركة للنساء السوريات في الحصول على المعرفة النسوية، وإيجاد مساحة واسعة من التلاقي للتفكير في معالم هذا النوع من المعارف الذي يعزز من شخصية المرأة وعليه نجد ما صرحت به الناشطة النسوية “روان قهوجي ” “برأيي أنه من المهم أن نحاول فهم أي ظاهرة أو مشكلة بطريقة لا تعمم أسئلة أو استنتاجات على المجتمع كافة وإنما أن ننظر إلى الاختلافات والتنوعات الموجودة في الأسباب.
وتتابع: “التغير المجتمعي الذي بدأ من عشر سنوات ومازال قائماً حتى الآن يمكن اعتباره مسبب أولي جعل النساء تسعى لزيادة معرفتها فيما يخص الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية من عدسة نسوية، باعتبار أن المعرفة هي أقوى سلاح يمكننا كنساء من خوض المعركة القائمة ضد الأنظمة القمعية والديكتاتورية والأبوية”.
وتضيف “نسرين الريش” رئيس مجلس إدارة منظمة جنى وطن: “النساء الفاعلات في الشأن العام السوري الملمات بحقوق النساء المدنية والسياسية والحماية والجندر أرى أن المرأة النسوية هي بالدرجة الاولى مدافعة عن حقوق الإنسان ومنها تنطلق لتركز أكثر للمدافعة على حقوق المرأة المظلومة لتكتسب صفة النسوية”.
الحضور الثقافي للنساء والتمكين السياسي:
عن المهارات الذاتية التي تعزز من الحضور الثقافي للنساء في برامج التمكين السياسي بشكل خاص وبرامج تمكين المرأة بشكل عام، تقول الريش لتجيب عن هذا السؤال: “إن الشخصية والكاريزما الفاعلة والمشاركة والتواصل الفعال وتراكم الخبرات الذاتية المحلية المتابعة للمتغيرات السياسية والثقافة والبيئة المجتمعية وثقافتها من العادات والتقاليد والدين، الإلمام والبحث الدائم بالقوانين المحلية والدولية وخاصة بما يتعلق النساء والتزامات القانون الدولي والدولي الإنساني والعهدين الدوليين وشرعة حقوق الإنسان الأدب السياسي ومتابعة الإعلام والصحف والوسائل الديمقراطية وتتبع المعاهدات الخاصة بالنساء مثل القرار 1325 واتفاقية سيداو وغيرها والإلمام بالدساتير المحلية والعنف ضد المرأة في السياسة والعنف السياسي وقصص نجاح النسائية، وتاريخ تجارب الشعوب كله من شأنه أن يكون يكسب الحضور الثقافي للنساء ضمن البرامج المقدمة وخارجها”.
في نفس السؤال التي تم طرحه تضيف قهوجي: “أؤمن بالتجارب الفردية وأهميتها وأؤمن بالقيمة التي تضيفها تجاربنا الفردية على أي ظاهرة جمعية، لذا أعتقد أنه من الصعب وغير المحبب أن أعدد قائمة من الصفات التي يجب أن تتمتع بها جميع النساء، كما أن أي طرح يوجب ويحدد سمات الأفراد وما يجب أن يتمتعون به ينافي الطرح النسوي الذي يؤمن بالتجارب الفردية وقيمتها، ولابد من الانتقال من المهارات اللازمة التي تحتاج إلى تراكمات وجهود من الأفراد والمؤسسات المعنية بالنساء إلى القيم التي لا سيما المتعلقة بالحضور السياسي النسوي لكي نحصل على حياة أفضل للنساء”.
القيم النسوية والتمكين السياسي:
القيم النسوية: وفي بعض السرديات تسمى الأخلاقيات النسوية وبحسب موسوعة ستانفورد للفلسفة “هي الأفكار التي تركز عليها النساء بشكل مباشر وإلى خلق أخلاقيات جندرية تهدف إلى إزالة أو تخفيف اضطهاد أي مجموعة من الناس، خصوصا النساء”.
وضمن القيم النسوية يعتبر ما هو شخصي هو سياسي لذلك في كثير من الأحيان تؤخذ التجارب التي تمر بها النساء ليتم ربط التأثير السياسي عليها وهل يكون ذلك التأثير سلبي أو إيجابي؟.
وهل يمكن أن تكون النساء قويات على المستوى الشخصي وعلى المستوى السياسي، والتساؤل هنا هل برامج التمكين السياسي للنساء تقوم بالموازنة بين القيم والتمكين الحقيقي أو البرامج تقوم بالالتفاف على جوهر المشاكل الفعلية التي تعاني منها النساء؟ ومن الجيد التفكير بأن هل هذه المشاكل هي خاصة في المرأة أم أنها نتاج منظومة مجتمعية كاملة؟.
ليضيف جورج الخال المختص في القانون الدولي: “حقيقة لي تحفظ على هذا السؤال بهذا الشكل لأننا بهذا الشكل نرسخ فكرة أن المرأة هي شيء خاص غير الرجل، مع العلم أنني أعلم أن المشكلة الذكورية هي من فرضت هذا النوع لكن يتم التركيز عليها حالياً وللأسف، بسبب بعض الضغوط موضوع الجندر والنسب وما إلى آخره، لكن حقيقة يجب التركيز عليها على أنها عضو فاعل سياسياً لها رأيها وتأثيرها وقضايا الخاصة التي تعلمها أكثر من الرجال ورؤيتها للبلد والمنطقة ومستقبل الدولة وشكلها”.
وتتابع قهوجي “برأيي من أهم ما يجب التركيز عليه هو مفاهيم الحوكمة النسوية، والتي تخبرنا الكثير عن طريقة إدارة المؤسسات بطريقة تراعي احتياجات النساء لكي تذهب باتجاه التغيير بما يتناسب مع السياقات التي تتواجد بها. كما أن طريقة صياغة السياسات والقوانين من عدسة نسوية، تعكس بوضوح القيم النسوية السياسية”.
ويستكمل الحديث عن القيم النسوية التي تدافع عنها النساء لكي يشكل التراكم في المعرفة النسوية وعلاقة ذلك بالتمكين السياسي فالنساء اللواتي يردن الدخول إلى الحياة السياسية بشكل حقيقي لابد من حمل معهن إرث يستندن عليه من أجل استمرارهن في العمل السياسي جيل بعد الآخر.
المعرفة النسوية والتمكين السياسي:
يتابع الخال لموقع جريدة نينار بأن: “ما أعمل عليه بشكل شخصي هو إعطاء المعلومات من مختصين لكن دون أي توجيه أو أدلجة أو انحياز ونكون حذرين جداً بهذا السياق حيث نريد أن نوصل المعلومات عن العمل السياسي تاريخياً والسياسة السورية وأشكالها حالياً وتجارب عديدة ونترك القرار لها لتختار بأي جانب تصطف أو تدعم أو تحاول الوصول اليه دون أي توجيه مهما كان شكله إن كان مباشر أو غير مباشر عن طريق المدربين وآرائهم”.
تتابع الريش في إجابتها وفق ما قالته استكمالا لما بدأ به الخال “غالبا المعرفة تكون حقوقية وعن نسب تمثيل المرأة ديمقراطياً وتعاريف عامة في الحريات والحقوق المدنية والسياسية والمواطنة والمساواة بين الجنسين والعنف في السياسة والعنف السياسي ضد المرأة والأمن الرقمي والتواصل الآمن والفعال”.
ولتضيف قهوجي في ذلك النحو فيما يخص الأنشطة والمحددات الفكرية لها بأن “تتنوع أشكال التدريبات ومحتوياتها بتنوع أهداف المًنظِمات والمنظمين لهذه البرامج، وأرى أن أجندة وأيدولوجية (أو الموجة النسوية التي ينتمون لها) القائمين على تنظيم التدريب تلعب دوراً كبيرا بتحديد شكل المعرفة المطروحة والموفرة بكل تدريب. أعتقد أن هناك ثوابت عامة يمكن تعدادها على سبيل المثال تاريخ الحركات النسوية وموجاتها المختلفة، الحركات النسوية العالمية والعربية والمحلية (السورية في حالتنا)، القوانين والتشريعات والاتفاقيات الموجودة والتي تعنى بالنساء والفئات الهشة الأخرى، الدستور السوري من وجهة نظر النساء”.
النساء وحل النزاعات:
والسؤال الذي يطرح نفسه هل النساء السوريات يقرأن تجارب النساء في الدول التي عانت من الصراعات والنزاعات لمحاولة المقاربة مع الواقع السوري؟ ولأن هذا السؤال يأخذنا إلى التحول الجذري والانتباه الشديد بأن الإهمال السياسي على المستوى الجماعي الشبابي والنسوي منه ما أدى بنا إلى الانحدار إلى حرب مشتعلة منذ سنوات وأزمة سياسية لم نستطع حتى اليوم الخروج منها. وعطفاً على المعطيات والآراء فإن البحث عن أدوات التمكين الجيد يخلق مسار صحيح يخرج فيه فكر يبحث عن الحلول في الصراع السوري.
يقول الخال: “للأسف النسبة قليلة جدا فما أراه أن النساء في سوريا قد أغرقن بالتفاصيل، حتى لم يعدن يستطعن النظر إلى تجارب الغير والتعلم منها ولكن ما نحاول من خلال التدريبات والجلسات تسليط الضوء على مثل هذه التجارب ويناقش ما يمكن وما لا يمكن تطبيقه في سوريا، حيث أن من المعلوم أنه لا يمكن أخذا تجربة من دولة ما واسقاطها بكامل أركانها على بلد أخرى باختلاف الحيثيات يؤدي الى اختلاف الطرق في التعامل معها”.
وإضافة لما قاله الخال فإنه للقهوجي تتمة من أجل تسليط الضوء على القراءات النسوية: “من الضروري دائماً النظر لتجارب الغير، للتعلم والبناء على المعرفة التي شاركوها والاستفادة من الدروس، بالإضافة إلى أن قراءة تجارب مماثلة يكون دافع على الأمل أحياناً وسط سياق معقد كالسياق السوري.
رؤية وقراءة نضالات نسوية نجحت في التأثير والتغيير يعزز إحساسنا بأننا لسنا وحيدات وأنه من الممكن فعلاً إحداث تغيير ولو بعد حين”.
أخيراً وليس آخراً نذهب إلى التراكم المعرفي وأين يكمن دوره في جعل النساء صانعات سلام، لنجد الطرح الذي أضافه المشاركين والمشاركات بحدود توضح الهدف من سؤالنا
يوضح الخال باختصار: أن “أولاً فهم الواقع والتجاذبات المحلية، التجاذبات الإقليمية والدولية استمرارية قراءة وفهم الأهداف البعيدة اللاعبين الأساسيين في سوريا الخروج من المألوف والاطلاع على تجارب الدول السياسية والمجتمعية”.
وتضيف قهوجي “لنفكر أولاً بأمثلة عن النساء السياسيات التي نريد، عن نفسي أود أن أرى نساء ورجال سياسيين وسياسيات نسويين ونسويات، ينظرون وينظرن بعدسة تقاطعية على تجارب الأفراد، واعيات وواعين على مختلف طبقات العنف التي نتعرض لها ومدركين ومدركات لأهمية صياغة نظام سياسي جديد يوفر المساحات الضرورية والآمنة للأفراد ويراعي احتياجات الأفراد أولاً، ولهذا أعتقد أن عملية طويلة من التعلم والنقد والتحليل وإعادة النظر بما هو رائج في المجتمع تلزم للنساء السياسيات والرجال السياسيين، يعملون ويعملن لتحقيق عدالة اجتماعية لكافة أفراد المجتمع على تنوعاتهم/ن واختلافاتهم/ن”
من الأهمية بمكان ذكر إطار محددات ما يجعل المعرفة النسوية واضحة ولها مقاييس لمعرفة مدى الاكتساب والمتابعة والبحث الدقيق والقراءة سواء أكان ذلك ضمن برامج التمكين السياسي أو كان في إطار نمونا الشخصي النسوي للنساء بشكل خاص، والأخذ أيضاً بعين الاعتبار التحديات التي تتعرض لها النساء لكي تصبحن جزءاً من القويات اللواتي يستطعن التأثير والتميز في الخط السياسي والاجتماعي إجمالاً.