المختفون قسراً في سوريا: ألم ممتد وعدالة مؤجلة
جراح لم تندمل ومأساة إنسانية مستمرة:
مع تحرير سوريا في أواخر عام 2024 وفتح مراكز الاحتجاز التابعة لنظام الأسد، تكشفت حقائق مرعبة عن حجم الانتهاكات الممنهجة التي ارتكبها النظام ضد شعبه. ورغم الإفراج عن آلاف المعتقلين، إلا أن آلافاً آخرين ما زالوا في عداد المختفين قسراً، يكتنف مصيرهم غموض يثقل كاهل أهاليهم، ويؤكد أن الطريق إلى العدالة والمحاسبة لا يزال طويلاً.
أرقام صادمة: مختفون رغم فتح السجون:
وفقاً لتقرير حديث أصدرته الشبكة السورية لحقوق الإنسان في 28 كانون الأول/ديسمبر 2024:
112,414 شخصاً ما زالوا مختفين قسراً على يد نظام الأسد.
تم الإفراج عن حوالي 24,200 معتقل بعد فتح السجون والفروع الأمنية.
العدد الإجمالي للمعتقلين والمختفين قسراً بلغ 136,614 شخصاً حتى أغسطس 2024.
هذه الأرقام توضح أن الإفراجات الأخيرة لم تكن سوى غيض من فيض، مع استمرار الكارثة الإنسانية الناتجة عن الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري.
جرائم منهجية: أدلة تؤكد المأساة:
رغم الإفراجات، تشير أدلة دامغة إلى استمرار الجرائم الممنهجة ضد المعتقلين:
1- التسجيل الوهمي للوفيات: منذ 2018، سجَّل النظام آلاف المختفين قسراً كـ”متوفين” دون تسليم جثامينهم أو شرح ملابسات وفاتهم.
2- أحكام إعدام جماعية: سجون مثل صيدنايا كانت مسرحاً لأحكام إعدام جماعية بحق آلاف المعتقلين.
3- مقابر جماعية: اكتشاف مواقع دفن جماعية في الأسابيع الأخيرة يثبت حجم الجرائم المرتكبة خارج نطاق القانون.
تداعيات نفسية وإنسانية على العائلات:
أهالي المختفين قسراً يعيشون في جحيم الانتظار:
مشاعر متناقضة: بين الأمل بالعثور على أحبائهم واليقين بوفاتهم.
صدمات نفسية مستمرة: بسبب غياب إجابات واضحة حول مصير ذويهم.
تداعيات اقتصادية واجتماعية: نتيجة فقدان المعيل الرئيسي في كثير من الحالات.
الشبكة السورية لحقوق الإنسان دعت إلى توفير برامج تأهيل نفسي واجتماعي لدعم العائلات التي فقدت أحباءها، كجزء من معالجة هذه المأساة.
توصيات عاجلة لإنصاف الضحايا:
لمعالجة هذه القضية الإنسانية، قدمت الشبكة عدة توصيات:
الكشف عن المصير: فتح تحقيقات مستقلة لتحديد مصير المختفين ومحاسبة المسؤولين.
محاسبة المتورطين: ضمان محاكمة جميع المسؤولين عن الجرائم ضد الإنسانية.
تعويض الضحايا: تقديم تعويضات مادية ومعنوية عادلة للأسر المتضررة.
التزامات دولية: حث الحكومة السورية على الانضمام إلى الاتفاقيات الدولية لحماية حقوق الإنسان، بما في ذلك نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
دعوة إلى المجتمع الدولي: صوت الضحايا لا يجب أن يُنسى:
تدعو الشبكة السورية لحقوق الإنسان المجتمع الدولي إلى:
تكثيف الضغط: لضمان تحقيق العدالة ومحاسبة الجناة.
تعزيز المراقبة: لمواصلة توثيق الانتهاكات وضمان عدم إفلات مرتكبيها من العقاب.
دعم الضحايا: توفير الدعم المالي واللوجستي للجهود المبذولة للكشف عن مصير المختفين قسراً.
نحو عدالة طال انتظارها:
إن ملف المختفين قسراً في سوريا ليس مجرد قضية أرقام وإحصائيات، بل هو جرح نازف في وجدان شعب بأكمله. يكشف هذا الملف عن حجم الظلم الذي تعرض له آلاف الأبرياء وعائلاتهم، ويُبرز الحاجة الملحة لتحقيق العدالة والمساءلة.
في سوريا الجديدة، يجب أن يكون كشف الحقيقة ومحاسبة الجناة حجر الأساس في بناء مستقبل تسوده الكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية، حيث لا يُترك أي ضحية أو عائلة تعاني في الظل.