اللاّ متحول
أهداني صديق مرآة سحرية، هي كمصباح علاء الدين، تريني العجائب والغرائب، بلمسة تنقلني عبر الزمان والمكان. رفعت الغطاء، لمستها.. ها أنا بكامل حداثتي على خلفية رمادية فاتحة لمنظر موشح بالضباب، عمارات.. سيارات.. شوارع تعجّ بالناس.. مكتبة كبيرة مغلقة.. مطار وطائرة تقلع مغادرة، وأخرى تهبط على المدرج.. وفي الزاوية بعير جاثم يجتر، وأغنام وماعز ترعى…
صورتي جميلة، في أواخر الشباب وشرخ الكهولة، أنيق ببذلة وربطة عنق وقبعة، وعلى الصدر شعار يلمع، نجمة تتوسّطها صورة أعرابيّ حاد الملامح بلحية شعثاء وكوفية وعقال…
مرّرتُ أصبعي يميناً عادت الصورة قروناً، صحراء تمتدّ امتداد البصر، سهول رملية.. كثبان.. شجيرات شيح.. قطعان مبعثرة.. خيام تلهو بها الريح.. أشباح أناس تجوس المكان، سيف بن ذي يزن على فرسه، التبعي حسان في شرفة قصره، أبرهة الحبشي بجيش لجب، المهلهل يثير نقع البسوس، عنترة فارس داحس والغبراء يصول ويجول، امرؤ القيس يحث ناقته مرتحلاً شمالاً، غبار ذي قار والقادسية غيوم تملأ السماء، خالد يوزّع سراياه في اليرموك، معاوية ووشاح شفق حزين يرف في سماء صفين، السفاح يطارد مروان، الخليفة مغلولة يده في بغداد الرشيد، صلاح الدين يستعيد القدس، السلطان سليم يخيّم بجنده في المكان قروناً. ومن الزاوية يخرج لورنس العرب براية تتبدل ألوانها، وتميد الأرض تحت سنابك الدبابات، وعجلات المدافع، وأحذية جنود تختلط جنسياتها ولغاتها. يموج اللون طاغياً ليصبغ الأرض بملاءة من شقائق النعمان، ثم ترتفع رايات في السماء بألوان شتّى، والشمس تميل مدنّفة إلى الغروب، وتتحدر وراء المرتفعات لتغيب الصورة خلف ستارة ليل حالك…
مرّرتُ أصبعي يساراً، تراقصت الصورة ضبابية، ومن بين فرجاتها تبدّت خلفية مشوشة لسهول، وجبال، وصحراء، وعمارات، وأبراج تشع منها الأضواء، ورجال يتأنقون، ونساء متبرجات، وشيوخ بعمامات وسبّحات، وفي يمين الصورة مسيلمة يلوّح برايته، وفي اليسار ما زال البعير جاثماً يجتر أمام الخيمة، وكلاب تقعي منتظرة…
وأنا ما زلت أنا، كعهدي بنفسي. على صدري تلمع نجمة الشعار، صورة الأعرابيّ اختفتْ مندسة في الوجه الثاني إذ ترصّع الوجه الأول مزيّناً بصورة الحجاج.