fbpx

الكاتب المغترب رضا أسعد: يحيك ثوب الغربة بالانتماء إلى الذاكرة والقلب!

0 33

في عالم الأدب الذي يتجدد باستمرار، يظهر كتاب (لا مناصب في الحب) ليضيف صوتاً جديداً إلى أصوات أدب المهجر هو صوت الكاتب رضا اسعد، في مقاطع نثرية تتجاوز مفهوم المقالة إلى مفهوم النص الوجداني المنتمي..

يعيد في هذا الكتاب الصادر حديثاً عن دار بعل بدمشق، وبالتعاون مع اتحاد الكتاب العرب، المفاهيم العادية عن الحب، فيقدم له تعريفاً بعيداً عن الألقاب والمناصب من خلال نصوصه العميقة، التي تشتبك في معنى واحد رغم تنوع أحداثها، ومن خلال تأملاته الوجدانية التي تتجاوز الحدود التقليدية للنصوص التي وصلت إلينا..

يأخذ رضا أسعد القارئ في رحلة من الذكريات والانتماء والحنين.. في مزيج الحاضر والماضي والمستقبل مما يجعل القارئ يشعر وكأنه يعيش هذه المشاعر بنفسه أو كأنها مجدولة في وعيه الجمعي الذي يعتقد بعضهم بغيابه..

يغوص الكاتب في مواضيع تمس جوهر الحياة والمشاعر الإنسانية حيث ينظر للحب كحالة وجدانية تتجاوز الحدود الاجتماعية، لتؤسس لحضور عام حتى وإن لم نتعرف عليه:

“الحب والفرح يسكناننا، فتشو عن طارقِ بابهما لعله حولكم!”

 وعند حديثه عن الانتماء والهوية يناقش الكاتب رضا أسعد مفهوم الانتماء الحقيقي للأرض واللغة والتاريخ خاصة في ظل تجربة حياته الطويلة في الغرب (يعيش في الولايات المتحدة الأمريكية) حيث نراه يقول “اختارني التحدي لأثبت مقدرتي على البقاء والنجاح، كان عليّ حياكته ثوب أرتديه، هنا في بلد اخترت فيه أن احمل لقب المغترب ثم لقب المواطن ثوب لايعرّيني من ثقافتي التي عشتها، ولا يتهدّل عليّ هنا ليشار إلي بالإبهام تميزا، تعلمت كيف أحوك هذا الثوب من الخيوط التي أعطاني إياها هذا البلد جاءت معي من وطني الأم”.

كان للذاكرة والتأملات مكان كبير في كتاباته حيث يمزج الكاتب بين تفاصيل الحياة اليومية برشاقة اللغة والعبارة وبين الذكريات باسترجاع خلاق ليقدم لنا نصوصاً تعكس تجربة إنسانية غنية بالمشاعر والحنين “لي في شوارع وطني رملة مختبئة أو حصاة راكنة، لي في بساتينه بذور مختبئة أو شجرة باسقة، لي في أرضه رفات أحبائي لي فيه أصدقاء وجوه من رحل ومنهم من لم يرحل لا تبرح المخيلة”.

عجينة من الصدق والمحبة تضمنها الكتاب في 31 مقالة عكست ثقافة انتماء أصيلة وسعة اطلاع لافتة ونظرة فلسفية للكثير من القضايا الإنسانية والثقافية وأثرها على حياته ونظرته الخاصة لها: “بكاؤنا، ضحكنا هما لغة انتمائنا البشري من البدء حتى الرحيل، وما بينهما تفاصيل لحروف باقي الانتماءات”.

في كل عنوان وضعه الكاتب تجد قدرته على جذب القارئ لمتابعة المقالة، فيبدو نصه مليئاً بالأفكار بأسلوب جميل وببساطة عميقة يدركها ويفهمها كل من قرأها ويعيش معها كما لو أنها تجربه فريدة يريد أن يُصدرها للجميع ليتعلموا منها الحب والوفاء والصدق والحنين للوطن: “لا مناصب في الحب هو كالولادة والموت يتساوى به أحياء السماء والأرض طيورا وحيوانات ونباتات وبشراً”.

من الواضح أن الكاتب السوري الأصل رضا أسعد يقدم تجربة أدبية غنية بأسلوبه الفريد ومحتواه العميق ونظرته إلى الحياة، لقد تمكن الكاتب من معالجة موضوعاته بذكاء وأسلوب أدبي راقي وجميل وجذاب مما يضيف قيمة حقيقة للمادة المنشورة..

مع نصوص رضا أسعد نجد أنفسنا أمام تأمل عميق في معاني الحب حيث تتجلى المشاعر في أبهى صورها بين الأمل والخذلان وبين الشغف والانتظار، لقد استطاع الكاتب أن ينقلنا في رحلة وجدانية نكتشف خلالها أن الحب ليس مجرد كلمات ثقال بل تجربة تعاش بكل تفاصيلها..

في النهاية يبقى هذا الكتاب شهادة على قدرة الكاتب على الكتابة الأدبية الجميلة وإضافة مميزة للمكتبة الأدبية يستحق القراءة لمن يبحث عن تجربة ثقافية وفكرية محفزة. ودعوة مفتوحة للقارئ كي يعيد النظر في مفهوم الحب ويبحث عن معناه الحقيقي في تفاصيل الحياة اليومية.

نتمنى التوفيق للكاتب والاستمرار في البحث عن الأفكار الجميلة التي يطرحها وفي تحويل الأحاسيس إلى كلمات نابضة بالحياة.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني