الفلاحيط ورجال الكرامة
من أخطر المؤامرات التي تعرّض إليها شعبنا السوري خلال سنين الثورة، هي المؤامرة التي حاكها النظام السوري ضد الثورة، من خلال إذكاء النزعة الطائفية في نفوس أبناء الطوائف، واستعدائها لبعضها البعض في احقر صور وتجسيد لمبدأ ” فرّق تسد “، وإذكاء النزعات العصبيّة ضمن الطائفة الواحدة على أساس مناطقي، أو على أساس عائلي، أو عشائري، وهي سياسة ورثها بشار أسد عن والده المقبور حافظ أسد، الذي عمل على تفكيك الروابط المتينة التاريخية، التي تربط بين أطياف الشعب السوري من خلال تكريس الطائفية كمنهج في سياسة النظام، من خلال التوظيف وتولية المناصب العليا على أساس الولاء على حساب العدالة والكفاءة، كما عمِل على رفع شأن أراذل الطوائف على حساب مرجعياتها التاريخيّة المُعتبرة المشهود لها بالوطنيّة والحكمة، التي حطّ من شأنها وسلّط عليها عملائه من المخبرين والانتهازيين، حتى خلا له الأمر، وعزّزه بتوظيف وتعيين هؤلاء الأراذل في المناصب الدينية والسياسية والإدارية، حتى أحكمت الخناق على أبناء الطوائف.
وكانت أدواته في تنفيذ هذه السياسة حزب البعث وذيوله من أحزاب الجبهة الوطنية، والمنظمات الحزبيّة والشعبيّة والمهنيّة، من طلائع البعث واتحاد شبيبة الثورة والإتحاد العام للطلبة واتحاد العمال واتحاد الفلاحين ونقابات المحامين والمهندسين والأطباء، وغيرها من النقابات المُستحدثة التي تؤطِّر المخبرين والعملاء ضمن كوادرها، والتي ما إن اندلعت الثورة أظهرت عمالتها وولائها المطلق للنظام وزبانيته فحملت السلاح وقاتلت إلى جانبه في مواجهة الشعب السوري الحرّ.
ظاهرة “راجي الفلحوط” ليست حصريّة في السويداء، وإنّما هي عبارة عن منظومة متكاملة خارجة عن الدستور والقانون، ابتدعها النظام ظنّاً منه أنها تساعده على التهرب من المسؤوليّة الأخلاقية والقانونية، تمنحه هامشاً واسعاً من القيام بالأعمال القذرة، من القتل خارج القانون والاغتيالات والخطف والابتزاز واثارة الفتن، بالإضافة إلى تصنيع المخدرات والترويج لها والاتجار بها، وتهريب وتجارة السلاح، وتجارة الجنس.
ففي كل محافظة من محافظات القطر العشرات من “الفلاحيط”، التي تسلّطت على أبناء جلدتها، فهناك الفلاحيط الدرزية والسُنيّة والعلوية والمرشدية والإسماعيلية/ومن المسيحية “الأرثوذوكسية والأرمنيّة والأشوريّة والسريانيّة والكاثوليكيّة والبروتستانتية” والفلاحيط العربية والكردية، ومنها المدنيّة ومنها الريفيّة ومنها الحضريّة ومنها العشائرية.
لقد أدّت هذه الفلاحيط دورها بكل وضاعة فكانت سيفاً مسلطاً على رقاب أهلها وأبناء جِلدتها، تعدّ عليهم أنفاسهم، وترصد خطواتهم وتحاسبهم على كل كلمة تخرج من أفواههم، ما وضع الأهالي بين خيارين أحلاهما مرّ وهما: إما السكوت والخنوع وبالتالي توغّل هؤلاء في الدماء والأعراض والأموال والفتن، وإما المواجهة والدخول في اقتتال داخلي ضمن العائلة أو الطائفة أو العشيرة أو المدينة أو القرية الواحدة، التي تفتح الباب على شلالات لا تنتهي من الثأر والدماء.
ولما اطمأن هؤلاء الفلاحيط إلى صبر الشعب وظنوا تخاذله وخنوعه استذأبوا واستكلبوا فبغوا، وأصبح كل جبانٍ منهم أسدٌ عليهم، وتسلّط المفسدون على مقدراتهم وسبل معيشتهم فأنهكوهم جوعاً وتقتيراً وحرماناً من أبسط مقومات العيش، وبعد اثنتي عشرة سنة من عمر الثورة انتفض رجال الكرامة في السويداء ليثبتوا لنا أن الحريّة الحقيقيّة تبدأ بإعادة الأمور إلى نصابها بأن يعود الشرفاء وأهل الكرامات الذين أقصاهم المقبور حافظ أسد ووريثه المجرم لقيادة هذا المجتمع وجمع الكلمة وتوحيد الرأي والقرار في استئصال شراذم هذا النظام الإجراميّة من أبناء جلدتنا هذا الخنجر المسموم الذي زرعه النظام المجرم في خاصرة هذا لشعب بكل أطيافه وأعراقه ولم يستثنِ منهم أحداً.
وضرب لنا رجال الكرامة في السويداء مثلاً طيّبا وشجاعاً في العزيمة والإصرار والحكمة حينما هبّوا هبّة رجل واحد وضربوا هؤلاء الشرذمة المجرمة بسيوفهم ضربة رجل واحد فضاعت دماء القتلة والمجرمين بينهم، وأثبتوا بأن أمن وحياة وأعراض وأموال الناس المعصومة فوق كل اعتبار ديني أو مذهبي أو عرقي أو عائلي أو عشائري، فالحق أحقّ أن يُتّبع، وحماية هذا الشعب فرض عين على كل حرٍ شريف.
وأن الحريّة الحقيقية تبدأ بالتخلّص من العلاقات والارتباطات “الطائفيّة والعائليّة والعرقيّة والدينيّة والمذهبيّة….” التي تثقل كاهل الأحرار، وتحول دون الارتقاء والانتقال إلى العيش الكريم بحريّة وكرامة وأمنٍ واطمئنان.
على كل أبناء شعبنا القابعين تحت نير هؤلاء “الفلاحيط” أن يهبّوا في وجوههم ويتخلّصوا منهم ومن أذاهم، عندها سيشعرون بحريتهم وكرامتهم وبكل معاني العيش الكريم.