fbpx

الغابة السورية إلى أين؟

0 342

الغابة هبة الطبيعة ورئتها، والأشجار حويصلاتها، فهي متنفس الكائنات الحية، ونعمة كبرى، وثروة لا تعدّ فوائدها، وكنز يجب صونه، والمحافظة عليه وتنميته.

وللغابة نظام حيوي متكامل، وبيئي متناغم يضم أشجاراً وأعشاباً، ونباتات متنوعة، وحيوانات متعددة، وطيوراً، وحشرات، وبكتريا…، ومظاهرها مختلفة تحتوي الينابيع، ومساقط المياه، وغيرها، وهذه جميعها تعمل بنظام منسجم ومتوازن، فإذا ما تعرضت لكارثة ما كالحريق، أو القطع الجائر فهي تمتلك قدرة تجديد ذاتها ثانية، وتعيد أسباب الحياة لسكانها من الكائنات الحية من جديد.

وللغابة فوائد جمة فهي مصدر ثرّ للأكسجين، ورئة لامتصاص غاز الكربون من الجو فتلطفه، وتحد من تلوثه، وتشكل مصداً للرياح يحمي المدن والأرياف، وعامل هام في تقليل أخطار الفيضانات وانجراف التربة، كما تخفّف الضجيج، وفسحة للاستجمام والسياحة البيئية، وملجأ للكائنات الحية المختلفة، ومصدر عيشها الذي لا ينضب. والسؤال الملح لماذا انحسرت في الآونة الأخيرة؟ وما نتائج تقلص مساحاتها على البيئة والإنسان والكائنات التي تسكنها؟ وماذا يجب للمحافظة عليها، وحمايتها من عبث العابثين؟

تشتهر سوريا بتنوع مناخها، وطبيعتها حيث تتوزع المناطق فيها بين الجبال والسهول والبوادي مما يزيد غناها بأشكال النباتات وتنوعها في أحراجها وغاباتها الطبيعية أو الصناعية المزروعة من أشجار السّنديان، والبطم، والزعرور البري، والقيقب، والصنوبر، والسرو….

تقدر منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة مساحة الغابات في سوريا ما بين (491-522) ألف هكتار، أي ما يعادل 30% من مساحتها الإجمالية قبل 2010، كما أنها تحتل المرتبة (137) عالمياً في الغابات؛ لكنّها تعرضت للتراجع والانحسار في السنوات الأخيرة كما يشير المستشار البيئي الأستاذ أديب الأسطا بسبب الحرائق الطبيعية والمفتعلة، والقطع الجائر إلى (3%) تقريباً في سنة 2022.

تتوزع الغابات السورية في مناطق عديدة، تأتي محافظة اللاذقية في المرتبة الأولى إذ تشكل مساحة الغابات (31%) من مساحة الغابات في سوريا، وتليها محافظة إدلب (18%)، ومحافظة ريف دمشق (9%)، ومحافظة طرطوس (7.35)، ومحافظة حماة (6%)، ومحافظة حلب (5%) ثم محافظات السويداء والقنيطرة ودرعا والمناطق الشرقية (24.5%) مجتمعة.

تعرضت الغابات في سوريا إلى الإهمال في حمايتها، والعناية بها، فهي تتراجع في السنوات الأخيرة بشكل غير مسبوق لأسباب عديدة. صرح الأستاذ أحمد شيخو الناطق باسم “منظّمة حقوق الإنسان في عفرين” في اتصال هاتفي مع جريدة “الشرق الأوسط” أن فصائل موالية لتركيا قطعت حوالي (650) ألف شجرة من جبل بيرقدار إلى وادي عرب من محافظة حلب بمساحة تقدر بـ(50) هكتاراً، وتحوّلت الغابات المحيطة بسد وبحيرة ميدانكي إلى أرض قاحلة بسبب القطع الجائر والاتجار بها، وبيعها حطباً للتدفئة.

ولم تسلم غابات إدلب التي تأتي في المرتبة الثانية بعد اللاذقية من مجموع مساحة الغابات في سوريا من القطع الجائر الذي أفقدها أكبر مساحة من غاباتها.

وفي الساحل السوري قطعت مئات آلاف الأشجار للاتجار بها، وبيعها حطباً أو مصنعة فحماً للتدفئة وغيرها في غياب مازوت التدفئة، وتعرضها للحرائق الطبيعية والمفتعلة أدى إلى انحسارها الشديد، وهذا يشكل خللاً كبيراً في البيئة يصعب إصلاحه في وقت قريب.

ولحق القطع بمناطق أخرى، فلم تسلم الغابة في محافظتي ريف دمشق والقنيطرة من القطع الجائر لمجموع الغابات فيهما، وكذلك محافظة درعا التي قطع أكثر من (90%) من أشجار الغابات فيها لأسباب أهمها التدفئة.

وفي محافظة السّويداء بلغ التعدي على الغابات مبلغاً كبيراً فقد تحوّلت غابات الرحى، والكفر، والضمنة، والعيّن، وعبد مار، وغابة سدي حبران والروم إلى أرض جرداء، حتى بعض الحدائق العامة وأشجار الشوارع، ولم تسلم الغابات في باقي المناطق السورية من القطع في ظل فقدان محروقات التدفئة، وإهمال المسؤولين.

ونتيجة تراخي الجهات المسؤولة عن حماية الغابات والأشجار الحراجية فقد وصل التعدي إلى الأشجار المثمرة في أكثر المناطق، حيث قطعت مئات آلاف الأشجار في الساحل خاصة في قريتي المصيطبة وتيشور كما تناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي، وقطع أكثر من (1.2) مليون شجرة زيتون في محافظة درعا لوحدها بسبب تعدي الحطابين، وهناك آلاف أشجار الزيتون والتفاح وغيرها في محافظة السويداء، ناهيك عن باقي المناطق في المحافظات الأخرى.

أسباب تراجع الغابات في سوريا

انحسرت مساحة الغابات في سوريا لأسباب عديدة أهمها:

  1. الفساد المستشري، وعدم تطبيق قانون الحراج رقم 6 لعام 2018 م
  2. التحطيب الجائر للتدفئة والتجارة بسبب فقدان مازوت التدفئة.
  3. الحرائق الطبيعية أو المفتعلة خاصة في الساحل.
  4. الرعي الجائر.
  5. الإهمال، وسوء إدارة الغابات، وانعدام المحاسبة.
  6. سوء التخطيط، وزحف المناطق الحضرية على الغابات والأراضي الزراعية.
  7. تلوث الأرض، وتكرير النفظ بصورة غير قانونية ونظامية في المناطق الشرقية.

هل يمكن استعادة الغابات؟

سؤال يجيب عنه الخبراء وأصحاب الاختصاص أن بعض الأشجار يمكن أن تستعيد نموها، فأشجار الزيتون وغيرها من الأشجار المثمرة تحتاج من (5-8) سنوات لتنمو، والسّنديان ينمو وحده بعد سنة أو سنتين لكنه يحتاج إلى 100 سنة ليصبح غابة، أما أشجار الصنوبر والسرو فإنها تحتاج عشرات السنين، وإعادة تشجير لأنها لا تملك أرومة في التربة.

كيف يمكن حماية الغابات

لحماية الغابات والأشجار الحراجية من التعدي عليها لا بدَّ من معالجة الأسباب السابقة التي ذكرت، وعلى رأسها محاربة الفساد، وسوء الإدارة، والإهمال، والمحاسبة الجادة، وتطبيق قانون الحراج رقم 6 لعام 2018 الذي يفرض أحكاماً صارمة لمنع المخالفات أو التعدي على الأراضي الحراجية، والمادتان (31 – 32) هامتان، وتحددان عقوبة المخالفة أو التعدي على الأحراج:

المادة 31:

أ- يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة كل من تسبب بنشوب حريق في الحراج أو الأراضي الحراجية أو المحميات الحراجية أو مناطق الوقاية نتيجة إهمال أو قلة احتراز أو عدم مراعاة القوانين والأنظمة النافذة.

ب- تشدد العقوبة إلى الأشغال الشاقة المؤقتة إذا نجم عن التسبب بنشوب حريق إصابة إنسان بعاهة دائمة.

ج- تشدد العقوبة إلى الأشغال الشاقة مدة لا تقل عن سبع سنوات إذا نجم عن التسبب بنشوب حريق وفاة إنسان.

المادة 32:

أ- يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين وبالغرامة من خمسمئة ألف إلى مليون ليرة سورية كل من أقدم دون ترخيص مسبق على قلع أو قطع أو إتلاف أو تشويه الأشجار والشجيرات في حراج الدولة أو الإتيان بأي عمل يؤدي إلى إتلافها.

ب- تخفف عقوبة الحبس والغرامة إلى النصف إذا وقعت الأفعال المحددة بالفقرة -أ- من هذه المادة في الحراج الخاصة.

كما يحدد القانون منح الموافقة بتراخيص بموجب المادة (6) التي تسمح بقطع الأشجار أو الاستفادة من تحطيبها للتدفئة أو التفحيم بشروط خاصة.

إن الغابة السورية – بتراخي الجهات المسؤولة، وبعدم الشعور بالمسؤولية الملقاة على عاتقها، وقلة الاهتمام بالغابة، وإهمالها لقيمتها وفؤائدها – تتعرض في السنوات الأخيرة إلى الفناء التام بشكل ممنهج. فإذا لم تنهض الجهات المسؤولة وتأخذ دورها المنوط بها في الحفاظ على الغطاء النباتي الأخضر ستتحوّل أراضي الغابات إلى صحراء قاحلة، وستتعاظم الخسارة، وعندها لن ينفع الندم، وستحتاج إلى عشرات السنين لتستطيع تعويض ما أهملته، وأغمضت العين عنه.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني