fbpx

العدالة الاجتماعية ضرورة لاستقرار المجتمع

0 64

في عالم يتسارع فيه التقدم التكنولوجي والاقتصادي، تتسع الفجوات بين الطبقات، وتتزايد التحديات الاجتماعية التي تهدد الاستقرار المجتمعي. هنا تبرز العدالة الاجتماعية كأحد أهم المفاهيم التي لا غنى عنها في بناء مجتمع متماسك، يضمن الكرامة والحقوق لكل فرد فيه. فالعدالة الاجتماعية ليست مجرد شعار مثالي، بل هي منظومة متكاملة تُترجم إلى سياسات وإجراءات تكفل المساواة وتكافؤ الفرص وتحمي الفئات الأكثر ضعفاً.

تناولت العديد من النظريات الاجتماعية مفهوم العدالة من زوايا مختلفة، لكن جوهرها كان دائماً تحقيق التوازن بين الحقوق الفردية والمصلحة العامة. فالنظرية الماركسية، على سبيل المثال، ترى العدالة في إزالة الفوارق الطبقية وإعادة توزيع الثروات. أما النظرية الليبرالية، فتركز على توفير فرص متساوية تتيح للفرد التقدم بناءً على كفاءته. في المقابل، قدم الفيلسوف جون رولز نظرية “العدالة كإنصاف”، التي تقترح توزيع الموارد بشكل يحقق أفضل وضع لأضعف فئة في المجتمع. هذه النظريات قد تختلف في الآليات، لكنها تتفق على أن العدالة هي جوهر أي نظام اجتماعي مستقر.

حين تغيب العدالة الاجتماعية، تتفكك الروابط بين أفراد المجتمع، وتظهر الفروقات الصارخة بين الطبقات، خصوصاً بين الطبقة الرأسمالية المالكة للثروات ووسائل الإنتاج، والطبقات الشعبية التي تكافح لتأمين أساسيات العيش. هذا الخلل لا يخلق فقط بيئة غير مستقرة، بل يُولّد شعوراً دائماً بالتهميش، مما يفتح الباب أمام الفوضى والاحتجاجات وحتى العنف. أما حين تكون العدالة حاضرة، فهي تخلق حالة من الرضا والثقة بين المواطن والدولة، لأن الجميع يشعر بأن له مكاناً في هذا الوطن، وبأن حقوقه مصانة، سواء في التعليم أو الصحة أو العمل أو السكن.

في الحالة السورية، ومع كل ما شهده المجتمع من تفكك نتيجة الحرب والاستبداد وتغوّل الفساد، تبرز الحاجة الملحّة لإعادة بناء العقد الاجتماعي على أسس جديدة، تتصدرها العدالة الاجتماعية. ولا يمكن لهذا الهدف أن يتحقق إلا بوجود تنظيمات سياسية تؤمن بهذه المبادئ وتعمل على ترجمتها في برامجها وسياساتها. من هنا تأتي أهمية وجود أحزاب ليبرالية اجتماعية مثل “الحركة الوطنية السورية”، التي تُزاوج بين الحريات الفردية والمبادئ الاجتماعية، وتسعى إلى إشراك جميع فئات المجتمع في عجلة الإنتاج والتنمية.

هذا النوع من الحركات لا يكتفي بالمطالبة بالعدالة كشعار، بل يعمل على تحقيقها عملياً من خلال تمكين الفئات المهمشة، وتوسيع قاعدة المشاركة الاقتصادية، وتحقيق توزيع أكثر إنصافاً للثروات. ومن خلال هذا النهج، تصبح العدالة الاجتماعية أداة للنهوض الاقتصادي وليس مجرد عبء على ميزانية الدولة، لأنها تعزز الإنتاجية وتقلل من التوترات والاضطرابات.

في المحصلة، العدالة الاجتماعية ليست ترفاً فكرياً أو خياراً سياسياً، بل ضرورة وجودية لأي مجتمع يريد أن يعيش بسلام وينمو باستقرار. فبدونها، تتحول المجتمعات إلى ساحات صراع، يغيب عنها الانتماء وتتفشى فيها مشاعر الإقصاء والظلم. أما حين تكون العدالة حاضرة، فإنها تفتح أبواب المستقبل على مصراعيه، وتمنح الإنسان شعوراً حقيقياً بالمواطنة والكرامة.

لن نستطيع بناء سوريا جديدة دون وضع العدالة الاجتماعية في قلب مشروعنا الوطني. فهي التي تضمن التوازن، وتحمي الحريات، وتبني الإنسان.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني