“الشبكة السورية لحقوق الإنسان: حماية دور العبادة في سوريا مسؤولية السلطات الانتقالية”
في قلب مدينة حماة، حيث تتعايش الطوائف والأديان منذ قرون، شهدت مطرانية الروم الأرثوذكس اعتداءً مسلحاً أثار غضباً واسعاً وقلقاً عميقاً بشأن مستقبل التعايش السلمي في سوريا. تقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، الصادر في 19 كانون الأول/ديسمبر 2024، يسلط الضوء على هذا الاعتداء المروع، مطالباً السلطات الانتقالية بتحمل مسؤولياتها القانونية والأخلاقية لحماية حقوق الإنسان ودور العبادة من الانتهاكات.
مطرانية حماة في مرمى الانتهاكات:
تعرضت مطرانية الروم الأرثوذكس في حماة لهجوم مسلح يوم 18 كانون الأول/ديسمبر 2024. وفقاً لتقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، قامت عناصر مسلحة غير معروفة بمحاولة نزع الصليب من ساحة المطرانية وإطلاق النار على جدرانها. هذا الاعتداء ليس مجرد حادثة منفصلة، بل يعكس تصاعداً مقلقاً للعنف والانتهاكات في محافظة حماة، التي شهدت منذ سيطرة إدارة العمليات العسكرية عليها موجة من الاعتداءات شملت القتل خارج نطاق القانون وتدمير الممتلكات.
التنوع الديني في حماة… ثروة مهددة:
حماة، بأطيافها المتنوعة من المسلمين السنة، والعلويين، والمسيحيين، والإسماعيليين، هي نموذج للتعدد الثقافي والديني الذي يميز سوريا. إن أي استهداف لدور العبادة هو تهديد مباشر للنسيج الاجتماعي في المحافظة.
تؤكد الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن حماية التنوع الديني ليس مجرد واجب أخلاقي، بل ضرورة لضمان السلام الأهلي. الاعتداء على مطرانية حماة يمثل تحدياً خطيراً للجهود المبذولة لتعزيز قيم المواطنة والتعايش السلمي.
مسؤوليات السلطات الانتقالية:
السلطات الانتقالية، باعتبارها الجهة المسيطرة في المرحلة الراهنة، تتحمل مسؤولية مباشرة في حماية المواقع الدينية وضمان الأمن العام. ورغم تفاعل شرطة محافظة حماة مع البلاغات المقدمة من المطرانية، إلا أن الردع الحقيقي يتطلب:
التحقيق الجاد والشفاف في حادثة الاعتداء ومحاسبة المسؤولين عنها.
تعزيز التدابير الوقائية لحماية المواقع الدينية، بما في ذلك زيادة التواجد الأمني حول الأماكن الحساسة.
العمل على إعادة بناء الثقة بين جميع مكونات المجتمع من خلال سياسات شاملة تضمن حقوق جميع الطوائف.
اعتداء ينتهك القوانين الدولية:
استهداف دور العبادة هو انتهاك صارخ للقوانين والمعاهدات الدولية التي تضمن حرية الدين والمعتقد.
العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (ICCPR): المادة 18 تكفل حرية ممارسة الشعائر الدينية وحماية دور العبادة.
قرارات الأمم المتحدة: القرار 75/258 يدعو إلى تعزيز حماية المواقع الدينية، ويطالب الدول باتخاذ تدابير ملموسة لمنع أي اعتداء عليها.
إن هذه الانتهاكات تستوجب تحركاً عاجلاً من قبل المجتمع الدولي لدعم السلطات الانتقالية في سوريا، لضمان احترام هذه الالتزامات القانونية.
توصيات لتحقيق العدالة والسلم الأهلي:
1. التزامات السلطات الانتقالية:
التحقيق في حادثة الاعتداء على مطرانية حماة ومحاسبة المتورطين.
تطبيق خطط وقائية شاملة لضمان سلامة جميع المواقع الدينية والثقافية.
تعزيز الشفافية في التعامل مع الانتهاكات، ونشر تقارير دورية توضح الإجراءات المتخذة.
2. التوعية المجتمعية:
إطلاق حملات تهدف إلى تعزيز التعايش السلمي واحترام التنوع.
إشراك قادة دينيين ومجتمعيين في برامج توعوية لمكافحة التطرف وحماية النسيج الاجتماعي.
3. دعم المجتمع الدولي:
توفير الدعم التقني والمالي للسلطات الانتقالية لضمان حماية المواقع الدينية.
تقديم برامج تدريبية للأجهزة الأمنية حول حماية التراث الديني وتعزيز السلم الأهلي.
وفي الختام:
إن الاعتداء على مطرانية حماة ليس مجرد جريمة عابرة، بل هو اختبار حقيقي لقدرة السلطات الانتقالية على حماية حقوق الإنسان وترسيخ قيم التعايش السلمي.
تؤكد الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن حماية التنوع الديني هي مسؤولية وطنية ودولية، تستوجب تعاوناً حثيثاً بين السلطات والمجتمع المدني والمجتمع الدولي.
إن مستقبل سوريا الجديدة يعتمد على قدرتنا جميعاً على صون حقوق الإنسان وحماية مقدساتها، لتبقى رمزاً للوحدة والسلام، بعيداً عن شبح الانقسام والكراهية.