الشبكة السورية: “النظام السوري يفرج عن 7351 معتقلاً فقط بمراسيم العفو كافة”
أصدرت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” يوم الأربعاء 16 تشرين الثاني 2022، تقريراً خاص بعنوان ” تحليل لكافة مراسيم العفو التي أصدرها النظام السوري منذ آذار2011 حتى تشرين الأول2022″، مشيرةً إلى أنَّ كافة مراسيم العفو أفرجت عن 7351 معتقلاً تعسفياً وما زال لدى النظام السوري قرابة 135253 معتقل/مختفٍ قسرياً.
وذكر السيد فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، عن منهجية العمل في التقرير بأنه استغرق أشهر طويلة لإعطاء صورة متكاملة عن كافة مراسيم العفو التي أصدرها النظام السوري، مع سياق لكل مرسوم عفو، وفعالية تطبيقه عبر مراقبة حالات الإفراج الناجمة عنه.
وأضاف بأن هذا التقرير بمثابة وثيقة لدى صناع القرار والهيئات الأممية، تثبت أن حصيلة حالات الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري لدى النظام السوري تفوق بأضعاف كثيرة حصيلة المفرج عنهم، وأن النظام السوري يستخدم المعتقلين كرهائن، مشيراً إلى أن ما يقارب الــ 136 ألف مواطنٍ سوري ما زالوا معتقلين أو مختفين ولا بد من إطلاق سراحهم جميعاً.
رئيس النظام السوري يحتكر سلطة إصدار المراسيم وينتهك إجراءات إصدارها وفق التشريعات السورية:
ذكر التقرير أنَّ النظام السوري أصدر منذ آذار 2011 ما لا يقل عن واحد وعشرين مرسوماً للعفو منح في معظمها العفو عن كامل أو نصف أو ربع العقوبة لمختلف الجرائم والجنح الجنائية بشكلٍ رئيس، وخصص بهذه المراسيم بعض المواد والأحكام المحدودة التي تخص المعتقلين على خلفية التعبير عن الرأي السياسي والمشاركة في الحراك الشعبي بالإضافة إلى شمول معظم المراسيم الأشخاص العسكريين الفارين من الخدمة العسكرية (المنشقين) مع اشتراط تسليم أنفسهم خلال مدة حددها كل مرسوم من تاريخ صدوره وحتى عدة أشهر، كما أتت بعض المراسيم كتمديد لأحكام مراسيم سابقة خاصةً تلك المتعلقة بالعسكريين أو من حملة السلاح من المدنيين لتسليم أنفسهم.
أشار التقرير إلى الفرق الكبير بين العفو العام والعفو الخاص موضحاً بأنَّ المُشرع في الأصل نادراً ما يصدر العفو العام حتى لا يتسبب بالضرر للسياسة العقابية التي تنتهجها الدولة في مكافحة الجريمة، وقد تسببت مراسيم العفو التي أصدرها بشار الأسد بشكل مزاجي في إطلاق سراح الآلاف من مرتكبي الجرائم، ويبدو أن هذا الإطلاق كان مقصوداً من قبل النظام السوري بهدف قبول كثير من المفرج عنهم الالتحاق بالمليشيات المحلية التي أسسها النظام السوري للدفاع عنه.
استعرض التقرير مراسيم العفو الصادرة عن النظام السوري منذ آذار2011 حتى تشرين الأول 2022 وصنفها تبعاً للحالات التي شملتها إلى مراسيم العفو العامة والجزئية (11 مرسوم عفو) ومراسيم العفو الخاصة بالجرائم العسكرية والتي استهدفت العسكريين بشكل أساسي (10 مراسيم عفو).
أورد التقرير أن جميع المراسيم صدرت عن رئيس الجمهورية الذي يرأس السلطة التنفيذية، منتهكاً بذلك قانون العقوبات السوري، أما مجلس الشعب وهو الجهة التشريعية المخولة بدراسة وإقرار مراسيم العفو العامة لم يصدر عنه أي قانون عفو مطلقاً، وهذا أحد مظاهر تغوّل السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية، مرجحاً أن بشار الأسد قد لجأ إلى إصدار كل هذا الكم من المراسيم من أجل الظهور بمظهر الدكتاتور القوي والمتحكم برقاب الشعب السوري، الذي بإمكانه وحده أن يعفو عمَّن يريد، متى يريد، وكيفما يريد، إنَّ هذه المراسيم هي عبارة عن تكريس للحكم الفاشي المطلق الذي يستطيع تجاوز الدستور والقانون الدستوري وروح القوانين وفعل ما يحلو له.
حصيلة عمليات الإفراج بموجب مراسيم العفو:
بلغت حصيلة المعتقلين تعسفياً الذين أفرج عنهم من 21 مرسوم عفو صدروا منذ آذار2011 وحتى تشرين الأول 2022 ما لا يقل عن 7351 شخصاً (6086 مدنياً، و1265 عسكرياً) وذلك من مُختلف السجون المدنية والعسكرية والأفرع الأمنية في المحافظات السورية، بينهم 6086 مدنياً، بينهم 349 سيدة و159 شخصاً كانوا أطفالاً حين اعتقالهم.
وأضاف التقرير أن أعلى حصيلة للمدنيين المفرج عنهم على خلفية مراسيم العفو الصادرة عن النظام السوري كانت في عام 2012 بموجب المرسوم رقم 10 لعام 2012 يليه عام 2014 بموجب المرسوم 22 لعام 2014 ثم عام 2013 بموجب المرسوم 23 لعام 2013،
أما العسكريين فكانت أعلى حصيلة للإفراج عنهم في عام 2015 بموجب المرسوم 32 لعام 2015 ثم عام 2013 بموجب المرسوم 70 لعام 2013 ثم عام 2012 بموجب المرسوم 30 لعام 2012.
حصيلة عمليات الاعتقال التي تزامنت مع مراسيم العفو:
رصد التقرير استمرار النظام السوري بعمليات الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري بغض النظر عن مراسيم العفو، فمراسيم العفو لا تفرج إلا عن قدرٍ محدودٍ جداً، أما عمليات الاعتقال التعسفي فهي نهج واسع.
واستعرض التقرير حصيلة حالات الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري بين كل مرسومي عفو وكانت أعلى حصيلة في الفترة الممتدة من المرسوم التشريعي رقم /10/ الصادر بتاريخ 15 كانون الثاني 2012 حتى المرسوم التشريعي رقم /71/ الصادر بتاريخ 23 تشرين الأول 2012.
كما عقد مقارنة بين حصيلة المفرج عنهم بموجب 21 مرسوم عفو صادر عن النظام السوري وبين حصيلة الأشخاص الذين لا يزالون قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري التي تزامنت أو أعقبت صدور هذه المراسيم في مراكز الاحتجاز التابعة لقوات النظام منذ آذار2011 وحتى تشرين الأول2022، أظهرت أن حصيلة الأشخاص الذين اعتقلوا أو أخفوا من قبل قوات النظام السوري عقب إصدار مراسيم العفو تزيد عن 17 ضعف حصيلة من أفرج عنهم بموجب هذه المراسيم الـ 21.
حصيلة المعتقلين لدى النظام السوري حتى الآن:
قال التقرير إن هناك ما لا يقل عن 135253 شخصاً بينهم 3684 طفلاً و8469 سيدة (أنثى بالغة)، لا يزالون قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري من بينهم 95696، منهم 2316 طفلاً و5734 سيدة (أنثى بالغة) لا يزالون قيد الاختفاء قسرياً على يد قوات النظام السوري في سوريا منذ آذار 2011 حتى آب 2022 على الرغم من صدور 21 مرسوم عفو.
أوضح التقرير أن أعلى حصيلة للأشخاص الذين لا يزالون قيد الاعتقال والاختفاء القسري في مراكز الاحتجاز التابعة لقوات النظام السوري كانت في عام 2012 ثم 2013 ثم 2011 ثم 2014 وهي ذاتها الأعوام التي شهدت إصدار أكبر عدد من مراسيم العفو، بلغ مجموعها عشرة مراسيم للعفو أي قرابة نصف مجموع جميع المراسيم الصادرة عنه، فمراسيم العفو عادةً ما تترافق مع ارتفاع حملات الاعتقال التعسفي.
حصيلة المعتقلين على خلفية مراسيم العفو:
دفعت سوء الأوضاع المعيشية بسبب النزوح والتشريد، أو الملاحقة وعدم القدرة على العمل أو الحركة، مئات الأشخاص إلى تسليم أنفسهم على أمل أن يتم العفو عنهم، لكنَّ الكثير ممن سلموا أنفسهم قامت الأجهزة الأمنية باعتقالهم لأشهر أو سنوات وتعرَّض قسم كبير منهم للتعذيب، والاختفاء القسري، وتم تحويل غالبيتهم للمحاكم الاستثنائية، في انتهاء لمراسيم العفو الصادرة عن النظام السوري نفسه.
وثق التقرير قيام الأجهزة الأمنية باعتقال ما لا يقل عن 1867 شخصاً بينهم 1013 من العسكريين و854 مدنياً ممن سلموا أنفسهم على خلفية مراسيم العفو الصادرة منذ آذار2011 وحتى تشرين الأول2022، تحول 1833 منهم إلى مختفٍ قسرياً.
كما سجل التقرير وفاة ما لا يقل عن 34 شخصاً منهم بسبب التعذيب وإهمال الرعاية الصحية أو صدور أحكام بالإعدام ضدهم من قبل محكمة الميدان العسكرية، وذلك بعد أن أجرى غالبيتهم تسويات لأوضاعهم الأمنية لدى الأجهزة واللجان الأمنية.
مراسيم العفو مصدر للأموال وعمليات الابتزاز للمعتقلين وذويهم:
كما تحدث التقرير عن شبكات النصب والابتزاز التي ترعاها الأجهزة الأمنية، والتي تنشط خصوصاً عقب كل مرسوم عفو، وتتبع أساليب متعددة، مستفيدة من قدرتها على معرفة بعض المعلومات عن الشخص المعتقل لارتباطها بالأجهزة الأمنية، أو اعتماداً على اتصالاتها مع المصادر المفتوحة، حيث تعمل على الإيقاع بأهالي المعتقلين لابتزازهم مالياً بزعم قدرتها على إدراج اسم ابنهم المعتقل في قوائم المفرج عنهم.
وأشار التقرير إلى أن هذه الشبكات تضم ضباطاً، ومحامين، وقضاة، ومدنيين متنفذين أصبحت لديهم خبرة كبيرة على مدى الاثنتي عشرة سنة الماضية في مجال استدراج الأهالي ومداعبة آمالهم برؤية ابنهم المعتقل، حتى لو دفعوا كل ما يملكون.
وفي هذا السياق سجل التقرير منذ صدور مرسوم العفو رقم 7 لعام 2022 ما لا يقل عن 1574 حادثة ابتزاز مادي واحتيال تعرض لها الأهالي منذ مطلع شهر أيار2022 حتى تشرين الأول2022، من بينهم عائلات كانت قد تلقت معلومات عن وفاة أبنائها وقامت باستخراج وثيقة وفاة، ومع ذلك اسُتدرجت ووقعت ضحية عملية النصب بفعل استغلال الألم وحالة الفقد الذي تعانيه، وعدم اليقين من معرفة الحقيقة.
طبقاً للتقرير فإن عمليات الابتزاز المادي والاحتيال لم تقتصر على ذوي المختفين قسرياً فقط، بل طالت المعتقلين المحتجزين في السجون المدنية والأفرع الأمنية المنتشرة في المحافظات من بينهم حتى المشمولين بمرسوم العفو، وذلك لعدم توفير قوائم معلنة من قبل وزارة العدل للمشمولين بمراسيم العفو واتباع طريقة غير واضحة ومضللة في تطبيقها إضافةً إلى البطء في التنفيذ والاستناد إلى القرار الأمني بشكل رئيس في الإفراج لا الوضع القانوني للمعتقل وهذا ما دفع المعتقلين في السجون المركزية إلى التعامل مع شبكات الاحتيال والنصب ومن لديهم صلات مع قضاة المحاكم أملاً في النظر في ملفاتهم وتشميلهم أو تسريع عملية تشميلهم والإفراج عنهم.
مراسيم العفو لم تسقط عقوبات الحجز على ممتلكات المعفو عنهم، ولم تتم إعادة حقوقهم المدنية:
أوضح التقرير أن الغالبية العظمى من الأحكام الصادرة ضدَّ المعتقلين الذين خضعوا لمحكمة قضايا الإرهاب ومحكمة الميدان العسكرية شملت مصادرة الأموال المنقولة والغير منقولة والتجريد من الحقوق المدنية كعقوبات إضافية مع السجن، والمئات من المفرج عنهم بموجب مراسيم العفو لم يتمكنوا من استرداد الممتلكات المصادرة.
وأضاف التقرير أنه من جهة فإن قوانين العفو الصادرة كانت غامضة في هذا الجانب، ولم توضح مصير قرارات الحجز أو المصادرة، ومن جهة أخرى، رغبة المفرج عنه في الابتعاد عن محاولة استرداد المصادرات قضائياً خوفاً من إعادة ملاحقته أمنياً.
أكد التقرير أنه من الناحية النظرية فإن الأموال التي كان يملكها المتهم قبل ارتكاب الجريمة ولم تستخدم في ارتكاب الجريمة ولم يعدّها للاستخدام في ارتكاب الجريمة، ولم تنجم هذه الأموال عن الجريمة، هذه الأموال لا تُصادر ويجب إعادتها للمشمول بقانون العفو.
أما من جهة التطبيق فإن السلطة التنفيذية تماطل في إعادة هذه الممتلكات والأموال، وعلى المفرج عنه اللجوء إلى القضاء لرفع الحجز عن أمواله، ومع ما يرافق إجراءات المحاكمة من تسويف وإطالة أمد التقاضي، وتكبد نفقات التقاضي وأتعاب المحامين.
أبرز الاستنتاجات القانونية:
أكد التقرير أنه لا يوجد أساس قانوني لآلية تجريم المعتقلين السياسيين وتوجيه التهم سواء وفق قانون مكافحة الإرهاب بسبب نصوصه الفضفاضة وحمالة الأوجه والتي لا تتفق مع أصول الصياغة التشريعية الجزائية السليمة، أو قانون العقوبات العام، وعادة ما تستند إلى اعترافات انتزعت بالتعذيب والإكراه وخاصة أولئك الذين خضعوا لمحاكم الميدان العسكرية وهي ليست محاكم بالمعنى القانوني والقضائي وإنما جهاز عسكري تابع للأجهزة الأمنية كونها تحرم المتهم من أبسط ضمانات المحاكمة العادلة كحق الدفاع وعلنية الجلسات وحق الطعن بأحكامها.
أهم التوصيات:
أوصى التقرير “مجلس الأمن والأمم المتحدة” بعدم الانخداع بمراسيم العفو التي يصدرها النظام السوري لأنها فاقدة للمصداقية في الشكل والتطبيق، وطالب بإطلاق سراح المعتقلين لأن اعتقالهم مبني على أسس باطلة دون أية أدلة، وبسبب المطالبة بحقوقهم في التغيير السياسي والتعبير عن الرأي.
كما أوصى التقرير “المفوضية السامية لحقوق الإنسان” بإصدار بيان إدانة لتلاعب النظام السوري بملف المعتقلين السياسيين، واستمرار احتجازه لعشرات الآلاف من المواطنين السوريين دون أية محاكمة عادلة أو أدلة حقيقية.
ومنذ بداية الثورة السورية في آذار 2011، واجهها النظام السوري بعمليات الاعتقال التعسفي التي طالت مئات آلاف السوريين، دون أيّ تهمٍ أو أدلة واضحة، وإنما كانت على خلفية سياسية للدفاع عن النظام السوري من أي تغييرٍ سياسي، لهذا فهي عمليات اعتقال تعسفي غير مشروعة، وتنتهك القانون الدولي لحقوق الإنسان كما تنتهك الدستور السوري والقانون المحلي.