fbpx

الشاعر والأديب المثنى الشيخ عطية لنينار برس:
روايتي “سيّدة الملكوت” راهنت على الشعر وكسبت رهانها

0 313


المثنى الشيخ عطية
شاعر وأديب سوري

أن تتلبسك لغة الإبداع الأدبي، بأي صورة من صورها، كأن تكون شاعراً، أو قاصاً، أو روائياً، أو مسرحياً، فهذا يعني في بلدان يحكمها الاستبداد، أنك ستكون تحت رصد عيون الديكتاتور وصبيانه المخبرين، يعني ذلك الحذر من لغتك، ونصوصك، ورموزك الأدبية. فأنت متهمٌ دون جريمة، حتى يثبت العكس.

نينار برس طرحت أسئلتها على الأديب والشاعر المثنى الشيخ عطية، فكان هذا الحوار.

س1: تتأرجح الكتابة الإبداعية لديكم بين لغتين هما لغة الشعر ولغة الرواية هاتان اللغتان تختلفان في البنية السردية وفضاءات النص وأنساق البنية. أين يجد المثنى الشيخ عطية نفسه أقرب؟ للشعر أم للرواية؟ ولماذا؟

جـ1: أنا معك في أن لغة الشعر تختلف عن لغة الرواية، وأعرف من خلال اطلاعي وتجربتي في التحول، من الشعر إلى الرواية، أن الشعراء الذين يتّجهون إلى كتابة الرواية يعانون من شدّة كثافة وتركيب الجملة الشعرية لهم عند احتياجهم للانبساط الذي تتطلبه لغة الرواية، ويتطلّبه تطور الشخصيات، وتفاعلها مع مسرح الرواية، وتقنيات تداخل الأزمنة، والعديد من العناصر التي تشكل إرباكاً للغة الرواية يمكن أن يدفعها كما حدث مع الكثير من الروايات التي كتبها شعراء، إلى القصور إن لم يكن الفشل.  

وفي المقابل تنجح وتتفوق الكثير من الروايات التي يكتبها شعراء يوظفون لغة الشعر فيما يمنح الرواية أبعاداً أخرى من المتعة يمكن أن تصل فيها اللغة إلى أن تكون أحد أبطال الرواية الذين يمنحونها الغنى.  

بالنسبة لي أعتقد أن لغتي هي نفسها من حيث الجوهر في الشعر الذي كتبت والرواية الوحيدة التي نشرتها “سيّدة الملكوت”، بلغةٍ شاعريةٍ، انتبه إلى مراهنة الرواية عليها الناقد نديم جرجورة، وكتب أن سيدة الملكوت راهنت على الشعر وكسبت رهانها، والحقيقة هي أنه أدرك ذلك بعمق، فقد واجهتني منذ البداية إشكالات اللغة، وساعدني في تجاوز هذه الإشكالات والمراهنة على لغة الشعر، أن بطل روايتي شاعر، ويتحرك ضمن أجواء المجلة التي يعمل مدير تحرير فيها، وأنه عاشقٌ، ومشروخ الشخصية بفعل طفولةٍ أسطورية شهد فيها ما يفعل قهر الرجال للنساء من قهرٍ لأنفسهم كذلك حدّ الإخصاء، ويعيش الحبّ وعطالة الحبّ كإعلاءٍ للأنوثة الكونية التي تتكشف في حركة ورموز الإلهة الأمومية داخل تفاصيل واقع الفرات؛ وكل هذا كان له علاقة بحركة داخل الشخصيات التي يُعنى بها الشعر. وأعتقد أنّ من يقرأ قصائدي وروايتي سيجد أنني أمتلك ذات لغتي، وأحرّكها هنا وهنا بترك طبيعتي تأخذ أبعادها الطليقة، بتدخل بسيط طبعاً في شبك البنية ومداخلة الأزمنة والواقع والخيال وما تتطلبه الرواية من أبعاد. وفي كل ذلك أعتقد كمثنى أنني متزوج من اثنين، الشعر والرواية، ومخلص لهما معاً.  

س2: الأدب في حالته الحقيقية مرآة لحركة الواقع في لحظة زمنية، لهذا يحاول الأدب إعادة إنتاج الواقع بطريقة إبداعية. هل تجد أن إعادة إنتاج الواقع في بلدان الاستبداد تضع الأديب أو الشاعر في ورطة سياسية أو شخصية؟ هل وجدت نفسك ذات مرة بمثل هكذا ورطة؟ وكيف يمكن للأديب تجنّبها دون أن يقع فيها ويبقى محافظاً على قيمة إبداعه؟

ج2: هذا سؤال مهم في الحقيقة، سواء من جهة كون الكاتب يعمل في مهنة غير الأدب والصحافة، ولا يعاني من فقدان عمله، أو كونه يعمل في مجالات الأدب تحت تهديد فقدان مورد رزقه إضافة إلى التنكيل السياسي إن هو تجاوز حدود ما يفرضه نظام الاستبداد على الكتّاب من حدود…

ويختلف الكتاب في طبيعة إنتاجهم بتصوير الواقع وفضح الاستبداد، وقد ينجح كُتّاب يبتكرون معادلات تفادي الطرد من وظائفهم أو الاعتقال فيما ينتجون، لكن تبقى الحقيقة جليّةً وهي أنّ أجواء الحرية تمنح الأعمال الأدبية إبداعاً أكبر من كل ما تقوم به معادلات التوفيق.

بالنسبة لتجربتي في وضع الكاتب تحت النارين في بلدٍ مثل سوريا ينهش لحمه استبداد حافظ الأسد ثم ابنه، لم أستطع إيجاد معادلاتٍ تحافظ على إبداع عملي وتقيني الطرد والاعتقال، من جهة، ولم أستطع تفادي المنفى والاعتقال، لكوني إضافةً إلى ذلك كنت عضواً قيادياً في الحزب الديمقراطي الأكثر راديكالية في سورية؛ فعانيت من الطرد، أولاً من مجلة المعرفة في نهاية السبعينيات، ولم أكن قد قضيت فيها شهرين، ثم من جريدة المدينة السعودية في المنفى كمسؤول عن الصفحة الثقافية بسبب مقال، ثم من جريدة الشرق الأوسط بعد عملي محرراً ثقافياً ومدير تحرير للملاحق الصحفية فيها، بعد وصول تناقضي مع سياستها إلى استحالة الاستمرار، ثم من مجلة شهرزاد الجديدة كمدير تحرير في قبرص بسبب طبيعة المجلة التحررية التي فقدتْ تمويلها… وقد تكوّنت لدي تجربةٌ ومعرفة من كل هذا في أنّه يمكن للكاتب أن يجد معادلات تحافظ على إبداعية عمله باستخدام الرموز والإسقاطات واستبدال مسارح الأحداث والشخصيات، مع الحذر في أن يبتعد عن أي تطبيل أو تلوثٍ بمجاملة أو مهادنة الاستبداد أو الوقوع في براثن مكاسبه التافهة، لأنه سيفقد احترامه لنفسه، وبالتالي يفقد إبداعَه. كما يمكن للكاتب الصحفي وبالأخص الذي يعمل في أبواب الثقافة والأدب أن يكون صحيفة داخل الصحيفة، لكن، إن وصل التناقض إلى حدّ عدم قدرته على الاستمرار، فأعتقد أنّ عليه المغادرة والبحث عن صحيفة أخرى أقرب إلى قناعاته التي تحافظ على إبداعه.    

س3: أنت مهندس زراعي، هل انعكست مفردات مهنتك في أدبك؟

ج3: بالتأكيد، رغم أنني لم أعمل بشهادتي وعملت في الكتابة والصحافة. ولم تنعكس مفردات عالم الهندسة الزراعية الذي يشمل تطور الحياة البيولوجية النباتية والحيوانية والتعامل مع الطقس والفضاء في كتاباتي فحسب، بل انعكست فلسفة الحياة على الأرض وفي الكون كذلك. 

س4: أنت تقيم في فرنسا ومن الطبيعي أنك وجدت تباينات عميقة على المستوى الثقافي والاجتماعي والسياسي بين حياتك في سوريا وحياتك في فرنسا. كيف تعبّر عن ذلك؟ هل تجد اغتراباً على المستوى الثقافي والاجتماعي؟ هل يمكنك شرح ما عشته وما واجهته؟

ج4: التباينات موجودة بالتأكيد بين مجتمع يعيش في ظل ديمقراطية عريقة متنورة، ومجتمع يعيش في ظل استبداد عريق مريع، والاغتراب يفرض نفسه حتماً على المهاجرين واللاجئين، وسيتعمق ويؤثر عليهم وعلى أطفالهم سلباً وتمزّقاً في الشخصية إن لم يعوا ضرورة الانفتاح والاندماج في المجتمع الديمقراطي، الذي يحمي حقّهم في معتقداتهم، وضرورة أن يناضلوا مع الديمقراطيين العلمانيين من أبناء هذا المجتمع لحماية مبادئ الجمهورية والدستور الديمقراطي ضد أفكار اليمين المتطرف التي تحارب الديمقراطية وتمارس الكراهية ضد اللاجئين. لكنني شخصياً لم أعش هذا الاغتراب سواءً في وطني حيث كنت أعمل ضد الاستبداد، والعمل في الحقيقة يقهر الاغتراب، أو في المجتمع الفرنسي لكوني متشبع بالثقافة الأوروبية ليس كاستيراد من شأنه أن يزول بتأثير الهزات الحياتية والنفسية، بل كتفاعل عميق وانصهار أعتقد أنه طبع شخصيتي وأسلوب حياتي لدرجة عدم الشعور بالاغتراب، كما عمّق ارتباطي بوطني سوريا لدرجة عدم قدرتي على الحياة من دون الكفاح لتحريرها. وهذا ما يفعله الاندماج العميق في المجتمع الديمقراطي كما أعتقد وليس العكس.  


المثنى الشيخ عطية
شاعر وأديب

شاعر وروائي سوري، ولد في دير الزور عام 1953. حاصل على بكالوريوس في الهندسة الزراعية من جامعة دمشق. نشر مجموعةً شعرية عن دار الحقائق في بيروت بعنوان “نعم هناك المزيد” ـــ 1979، ومجموعةً تحت عنوان “فم الوردة” ـــ 1989، وروايةً تحت عنوان “سيّدة الملكوت” ـــ 2006، عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت. وعانت جميع هذه الأعمال من المنع في سوريا والخليج. له كتاب نقدي تحت عنوان “الإيقاع الشعري للانتفاضة، عن دار الأسوار في عكا. عمل في الصحافة الثقافية كمحرّر ثقافي ومدير تحرير، في العديد من الصحف والمجلات العربية. عاش معظم حياته في المنفى بين جدة وقبرص وباريس حيث يعيش الآن كلاجئ سياسي. كتب زوايا ودراسات وموضوعات نقدية وقصائد في العديد من الصحف، ويكتب الآن لجريدة القدس العربي. 

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني