fbpx

السطات اليونانيّة في قفص الاتهام بإغراق اللاجئين

0 294

تُعتبر حادثة غرق سفينة الصيد التي كانت تحمل على متنها حوالي”750″ من اللاجئين أمام السواحل اليونانيّة من أكبر المآسي البحريّة في أوروبا في العصر الحديث مما أدى إلى مقتل وفقدان أكثر من “600” شخصاً من بينهم أكثر من “150” لاجئ سوريّ.

قال الرئيس التنفيذي للوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل “فرونتكس” هانز ليتينز: بأنّهم أبلغوا السلطات المحلية اليونانية مسبقاً بوجود مركب صيد مكدس بالمهاجرين قبل غرقه قبالة سواحل شبه جزيرة مورا.

ولأهميّة وخطورة هذه الحوادث كان لابُدّ لنا من تسليط الضوء عليها من الناحيّة القانونيّة وبيان الاتفاقيّات الدوليّة الناظمة والواجبات التي تفرضها على الدول.

البحث والإنقاذ البحري أحد ميادين البحث والإنقاذ العامة التي تشمل البحث والإنقاذ في البر والبحر ويُعرّف بأنّه: البحث بالوسائط المتاحة عن الأشخاص المحتمل وقوعهم في محنة أو وقعوا فيها فعلاً أو يتعرضون لخطر داهم في البحار والمحيطات وتقديم كل أشكال المساعدة لهم، وتعد مهمة البحث وإنقاذ الأرواح البشرية في عرض البحر التزام الدول الساحلية التي صادقت على الاتفاقية الدولية للإنقاذ البحري سنة 1979 والتي تطبق القرارات والتوجيهات الصادرة عن المنظمة البحرية العالمية في هذا المجال.

الإنقاذ في القانون الدولي والتشريعات الوطنيّة:

ينص القانون الدولي على إلزام ربابنة السفن وملاحي الطائرات تقديم المساعدة للطائرات أو السفن المنكوبة وللذين يتعرضون لأخطار الفقد في البحر. وهو من الأعراف البحريّة المستقرّة التي لا يحتاج إلى إذنٍ مسبق لدخول سفن الإنقاذ إلى المياه الإقليمية أو لتحليق طائرات الدول المتجاورة للمشاركة في تقديم المساعدة الطارئة لمن هم في خطر في البحر، بل يجري ذلك بإذن وترتيبات من مراكز تنسيق الإنقاذ. ويجب أن تُقدم المساعدة بدافع إنساني بحت وليس للحصول على مكاسب وفي حال وجود أخطار جدّية أو وقوع كارثة مؤكدة، ومن الاتفاقيات الدولية التي تعالج مسألة البحث والإنقاذ البحري والتزامات الدول والربابنة والطيارين حيالها هي:

  • الاتفاقية الدولية المتعلقة بتوحيد بعض قواعد الإسعاف والإنقاذ في البحار لسنة 1910.
  • الاتفاقية الدولية لسلامة الأرواح في البحار- سولاسSOLAS” ” سنة 1960 و1974.
  • اتفاقية أعالي البحار لسنة 1958 والاتفاقية الدولية حول قانون البحار “LOS” لسنة 1982.
  • الاتفاقية الدولية حول البحث والإنقاذ البحري – سار “SAR” لعام 1979- هامبورغ.
  • الاتفاقية الدولية للطيران المدني ـ إيكاو “ICAO” لسنة 1944 المعروفة أيضاً باسم اتفاقية شيكاغو ـ الملحق 12والاتفاقية الدولية حول الإنقاذ لسنة 1989.
  • كذلك صدرت مجموعة كبيرة من مقررات المؤتمرات الدورية للهيئات المعنية بالإنقاذ، ومن ذلك مثلاً الكتيب الصادر عن المنظمة الاستشارية الدولية للملاحة البحرية بعنوان ” دليل البحث والإنقاذ الخاص بالسفن التجارية ـ ميرسار “وهو دليل مرشد للملاحين في حالات الطوارئ في البحار. تُلزم هذه الاتفاقيات والوثائق جميع الدول الموقعة عليها أن تُصدر التشريعات اللازمة، وأن تُنشئ الهيئات والمؤسسات المعنية بالبحث والإنقاذ.

الالتزامات التي تفرضها هذه الاتفاقيات:

  • المادة “1” من الفصل الثاني من الاتفاقية الدولية للبحث والإنقاذ في البحار لسنة 1979 التي تنصّ على: تشارك الأطراف، في حدود قدرتها على ذلك بصفة فردية أو بالتعاون مع دول أخرى، أو مع المنظمة عند الاقتضاء، في إنشاء خدمات للبحث والإنقاذ ضماناً لتقديم المساعدة لأي منكوب في البحر. ولدى تلقي السلطات المسؤولة في أحد الأطراف لمعلومات تفيد أن شخصاً يعاني، أو يبدو أنه يعاني، الكرب في البحر، عليها أن تتخذ خطوات عاجلة ضماناً لتقديم المساعدة الضرورية. يشمل مفهوم الشخص المكروب في البحر أيضاً الأشخاص الذين يحتاجون إلى مساعدة والذين وجدوا ملاذاً على ساحل في موقع ناء ضمن منطقة محيطية يتعذر على أي مرفق إنقاذ الوصول إليها بخلاف ما هو منصوص عليه في المرفق.
  • على الأطراف التي قبلت مسؤولية توفير خدمات البحث والإنقاذ في منطقة بحرية محددة أن تستخدم وحدات البحث والإنقاذ والمرافق الأخرى المتاحة لتقديم المساعدة لشخص يعاني، أو يبدو أنه يعاني الكرب في البحر.
  • تكفل الأطراف توفير العون لأي مكروب في البحر. وعليها أن تقوم بذلك بغض النظر عن جنسيته أو وضعه أو الظروف المحيطة به.

ونصت المادة الأولى من الفصل الثالث المتعلقة بالتعاون بين الدول على أن يفوض كل طرف مراكز تنسيق الإنقاذ التابعة له فيما يلي:

  • الطلب إلى مراكز تنسيق الإنقاذ الأخرى تقديم المساعدات، بما في ذلك السفن أو الطائرات أو العاملين أو المعدات، حسبما تدعو الحاجة.
  • منح أي أذون ضرورية لدخول مثل تلك السفن أو الطائرات أو العاملين أو المعدات إلى بحره الإقليمي أو أراضيه أو للتحليق فوقهما.
  • اتخاذ الترتيبات الضرورية مع الهيئات المختصة بالجمارك أو الهجرة أو الصحة أو غير ذلك من هيئات بغية التعجيل بمثل ذلك الدخول.
  • اتخاذ الترتيبات الضرورية بالتعاون مع مراكز أخرى لتنسيق عمليات الإنقاذ من أجل تحديد المكان “الأماكن” الأكثر ملاءمة لإنزال الأشخاص الذين يُعثر عليهم مكروبين في البحر.

الشبهات التي أثيرت حول مسؤوليّة السلطات اليونانيّة عن الحادث: أثار موقع”Aegean Boat Report” المختص بمراقبة وتحليل حركة الأشخاص في بحر إيجه الشبهات التالية حول الموقف الرسميّ للسلطات اليونانيّة:

الأولى: أن العديد من الناجين يزعمون أن خفر السواحل اليوناني كان يسحب القارب قبل أن ينقلب، وقد تم رفض ذلك بشكل قاطع من قِبَل حفر السواحل الأمر الذي يطرح السؤال التالي: إذا كان سفينة الصيد قد تم سحبها بالفعل في أي اتجاه ولأي غرض الإنقاذ أو الدفع؟.

الثانيّة: ادّعاء خفر السواحل اليونانيّة في بيانهم بأنّ سبب عدم تقديم المساعدة للأشخاص الذين كانوا على متن السفينة بأنّهم هم رفضوا إنقاذهم، وأنهم أرادوا الاستمرار في اتجاه إيطاليا. ويكذِّب هذا الادعاء المعلومات التي نشرتها موقع “Alarm Phone” الذي كان على اتصال مباشر مع أشخاص على متن القارب، تحكي قصة مختلفة، توسل الناس لإنقاذهم، وتم تجاهل صرخاتهم طلبا للمساعدة، مما أدى في النهاية إلى وفاتهم.

الثالثة: ما قاله ضابط كبير سابق في خفر السواحل اليوناني في تبرير عدم تقديم المساعدة للسفينة لأنّها سفينة غير قانونية وغير موثقة وغير صالحة للإبحار وغير مرفوعة العلم باعتبار أن شروط اعتبار” السفينة المنكوبة” أن تكون قانونيّة وموثّقة وصالحة للإبحار وترفع علم دولة ما.

بناءً على ما سبق يمكن القول بمسؤوليّة السلطات اليونانيّة عن الحادثة:

إن ارسال الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل “فرونتكس” بلاغاً تحذيريّا للسلطات ليونانية عن المركب وعدد الركاب والخطر الذي يهدّده يُدخَل المركب في حال “مرحلة الإنذار” الذي عرّفته الاتفاقيّة الدوليّة للبحث والإنقاذ في البحار لسنة 1979 بأنّها: حالة تثور فيها الظنون بشأن سلامة شخص أو سفينة أو مركب آخر ما. مما يفرض على السلطات البحريّة اليونانيّة توسيع مركز تنسيق الإنقاذ أو المركز الفرعي استقصاءاته وينذر خدمات البحث والإنقاذ المناسبة، ويباشر الأعمال الواردة في مرحلة الاستغاثة بحسب ما تتطلب الحالة المعنية.

وإنّ ما نشره موقع “Alarm Phone” الذي كان على اتصال مباشر مع أشخاص على متن القارب عن طلبهم لإنقاذهم، وتم تجاهل صرخاتهم طلبا للمساعدة، مما أدى في النهاية إلى وفاتهم ينقل الحال من مرحلة الإنذار إلى “مرحلة الاستغاثة” الذي عرّفته الاتفاقيّة المذكورة بأنها: حالة تتسم بقسط معقول من اليقين بأن شخصاً أو سفينة أو مركباً آخر ما مهدد بخطر شديد ومحدق وأنه بحاجة إلى عون فوري مما يوجب على السلطات اليونانيّة تقديم المساعدة وتقديم العون والإنقاذ وتفرض على السلطات البحريّة اليونانيّة الالتزامات التالية:

  • الشروع بتنفيذ تدابير البحث والإنقاذ وفق الخطط الموضوعة سلفاً بما ينسجم مع الموقف.
  • تقدير درجة الشك المحيط بموقع المركب وتحديد اتساع منطقة البحث.
  • إعلام مالك المركب أو وكيله إن أمكن واطلاعه على ما يستجد من تطورات.
  • إعلام مراكز تنسيق الإنقاذ والمراكز الفرعية التي قد يتطلب الموقف الاستعانة بها أو التي قد تعنيها العملية.
  • دعوة الطائرات أو السفن أو الخدمات غير المدرجة تحديداً في تنظيم البحث والإنقاذ إلى مد يد العون، وخاصة السفن القريبة من مكان البحث لتولي قيادة مسرح العمليات أو تنسيق البحث السطحي حتى وصول قائد المسرح الأصيل.
  • وضع خطة موسعة لتنفيذ عمليات البحث وفق أبعاد المنطقة المحتملة والمعلومات المتاحة، وإبلاغ الهيئات المعنية “قائد مسرح العمليات أو منسق البحث السطحي”.
  • إعلام السلطات القنصلية أو الدبلوماسية المعنية، أو مكتب المنظمة الدولية المختصة إن كان الحادث يشمل أشخاصاً لهم طابع غير شرعي.
  • إعلام سلطات التحقيق الجنائي إن كان هناك حادثٌ يستدعي ذلك.

الأمر الذي يجعل تقاعس أو امتناع السلطات اليونانيّة مخالفة صريحة للالتزامات القانونيّة التي نصّت عليها الاتفاقية الدولية للبحث والإنقاذ في البحار لسنة 1979 والتي أوجبت تقديم العون لكل شخص يحتاج له سواء كان يعاني الكرب في البحر أو الذين وجدوا ملاذاً على ساحل في موقع ناءٍ ضمن منطقة محيطية يتعذر على أي مرفق إنقاذ الوصول إليها، وعليها أن تقوم بذلك بغض النظر عن جنسيته أو وضعه أو الظروف المحيطة به.

كما يوجب الأمر على سلطات الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدّة القيام بإجراء تحقيق دوليّ مستقل للوصول الى الحقيقة بما يحفظ حقوق الضحايا، ويحول دون تكرار هذه الممارسات ضد اللاجئين.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني