fbpx

السرطان يغزو شمال شرق سوريا في ظل صعوبة متابعة العلاج وارتفاع تكاليفه

0 150

الأوضاع التي آلت إليها البلاد في سنوات الحرب، التي أثّرت الحرب فيها على جميع مناحي الحياة، والقطاع الصحيّ كان من بين هذه القطاعات الذي تعرّض للإهمال والتدمير، وهجرة ونزوح الأطباء وغياب الكثير من الاختصاصات، وخروج الكثير من المرافق الصحية عن الخدمة.

وضع القطاع الصحي شمال شرق سوريا والعزلة المفروضة.

في محافظة الحسكة أدّت حالات اختطاف عددٍ من الأطباء أو أبنائهم، والمطالبات بالفدية بمبالغ ضخمة. إلى سفرهم إلى الدول المجاورة كإقليم كردستان أو تركيا، أو اللجوء إلى أوروبا، كما أنّ الكثير من المرافق الصحية التي كانت تقدّم بعض الخدمات للأمراض المزمنة من أدويةٍ وما إلى ذلك من خدمات تم تدميرها أو إخراجها عن الخدمة، إضافةً إلى الأطباء الشباب الذين لجؤوا إما إلى دور الجوار أو إلى أوربا خوفاً من سوقهم إلى الخدمة العسكرية.

وقد أدّت الأعمال العسكرية في محافظة الحسكة والحسابات السياسية نتيجة تداخل أطراف القوى المسيطرة على المنطقة إلى إغلاق المعابر الحدودية، إما بشكلٍ كاملٍ كما بين سورية وتركيا، أو بشكلٍ جزئي ما بين سوريا وإقليم كردستان العراق. ما أعاق حركة دخول الأدوية وسهولة الحركة بين محافظة الحسكة ودول الجوار، أو دخول الأدوية بشكلٍ منتظمٍ من المحافظات السورية الأخرى أو دول الجوار إليها، حيث شهدت حركة دخول البضائع وأهمّها الأدوية حالات انقطاعٍ وتذبذبٍ في السوق، كما تعاني الصيدليات والمشافي العامة والخاصة غياباً لعقاقير مهمة للأمراض المزمنة وبعض أمراض الأطفال.

الزيادة الكبيرة في تفشي مرض السرطان

ازدادت حالات الإصابة بالسرطان بشكل كبير شمال شرق سوريا. فقد سجّل مشفى البيروني في دمشق عدد المراجعين من المناطق الشرقية وخاصةً محافظة الحسكة لأخذ جرعات الكيماوي، وأوضح أنّه في ازديادٍ دائم، ففي عام 2013 زار المشفى أكثر من /1350/ شخصاً، عدا الذين حاولوا الحصول على العلاج في الدول المجاورة أو في مشافٍ أخرى. والعدد في تضاعف كل عام، وبلغت النسبة مؤخراً بحسب الأطباء نحو 25% وذلك بسبب انتشار حرّاقات النفط الذي يعدّ أحد العوامل التي تساهم في زيادة انتشار مرض السرطان في المنطقة، وبشكلٍ خاص بين العمّال الذين يعملون في التكرير، فقد ظهرت أعراضٌ وأمراضٌ للسرطانات الجلدية، فمحافظة الحسكة الغنية بالنفط تدفع ضريبة تلوث الهواء والبيئة بالغازات والإشعاعات المنبعثة من عمليات التكرير.

سبل العلاج 

لعدم وجود مشفى متخصص بالأمراض السرطانية سوى مشفى البيروني في دمشق والذي يقصده المرضى من مختلف المحافظات كان جميع المصابين يتوجهون إلى دمشق لتلقي العلاج، ولكن الأمر الآن يختلف عما كان عليه قبل 2011، حيث أنّ الطرق المؤدية إلى دمشق ليست مفتوحة، وحتى الطريق الواصل من دمشق إلى مشفى البيروني ليس مفتوحاً دوماً حيث شهد مراتٍ عدّة اشتباكاتٍ في الطريق. وقد تم الإعلان عن إنشاء مركز شمال شرق سوريا لأخذ الجرعات. بحيث تكون آلية عمل المركز في حال دخوله في الخدمة. تعتمد على إجراء التدخل الجراحي أو الكيماوي بدايةً في مشفى البيروني، ومن ثم متابعة أخذ الجرعات في المركز، ما سيخفّف كثيراً من معاناة المرضى في الذهاب إلى دمشق لأخذ الجرعات.

ووفقاً للإحصائيات الرسمية السورية، فإن مدن الجزيرة شهدت ارتفاعاً في نسبة الإصابة بهذا المرض، ورغم ذلك فإن هذه المدن تفتقر حتى الآن إلى وجود مشاف أو أقسام خاصة لتقديم الخدمات العلاجية له.

وقد أعلنت مصادر مهتمة بالواقع الطبي شرقي سوريا، قرب افتتاح مركزين لعلاج الأورام السرطانية في الحسكة والقامشلي، مؤكدة أن الخدمات المقدمة ستكون بالمجان، الأول في مشفى اللؤلؤة بمدينة الحسكة، والآخر في مشفى بنك الدم التابع لمديرية الصحة بمدينة القامشلي. وتعتبر الأولى من نوعها في المنطقة، وستقدم الخدمات العلاجية لكل من سيراجعها من المرضى مجاناً لمدة خمس سنوات بدءاً من 15/9/2020.

وسيشرف على هذين المركزين الجديدين أطباء متخصصون سيأتون من مدينة حلب وسيشرفون أيضاً على تدريب الكوادر الطبية.

وتفاعل عدد من أهالي المنطقة الشرقية مع خبر قرب افتتاح مركزين لمعالجة الأورام السرطانية وبالمجان، مشيرين إلى أنها ستخفف بشكل كبير من معاناة المرضى الذين يضطرون للتوجه صوب دمشق لتلقي العلاج.

لكن يرى الأطباء المختصون في أمراض الدم والأورام في القامشلي أن العلاج الكيماوي متوفر في بعض الصيدليات الخاصة بالمدينة، لكن بأسعار مرتفعة خصوصاً بعد ارتفاع الدولار الأمريكي مقابل الليرة مؤخراً.

ويتحدث الأخصائي في أمراض الدم والأورام في القامشلي، دانيش إبراهيم عن ازدياد نسبة الاصابة التي بلغت نحو 25% وهي نسبة كبيرة تعود للتلوث والمواد الغذائية.

وعن أنواع العلاج المتوفرة في سوريا بشكل عام ومنطقة الجزيرة بشكل خاص.

“العلاج المتوفر في سوريا هو العلاج الهرموني الكيماوي والشعاعي، أما المتوفر لدينا فهو الكيماوي فقط، وهناك ما يسمى بالعلاجات المناعية وهذا أيضاً غير متوفر لدينا، لأن تكلفتها عالية جداً، إذ يصل سعر علبة الحبوب الخاصة بهذا العلاج إلى نحو 800 ألف ليرة سورية.”

ومع تكاليف السفر والإقامة في دمشق يفضل الكثير من المرضى شراء الجرعات من السوق في القامشلي وتتراوح الأسعار بين 100 ألف ل.س و400 ألف بحسب مصدر الدواء، فالدواء الهندي يبقى أرخص من الدواء الأوروبي المصدر.

ويتحمل المرضى تكاليف كبيرة بسبب افتقار منطقة الجزيرة لوجود مخابر ومراكز علاج تشخيصية لمختلف أنواع هذا المرض، ناهيك عن ارتفاع أسعار جرعات العلاج.

وكان مسؤولون في هيئة الصحة التابعة للإدارة الذاتية قد أكدوا في منتصف العام الماضي، عن وجود خطة لتجهيز مركز خاص بالأورام في القامشلي، لكن المركز لم يرَ النور، حتى الآن.

إلا أن منظمة الهلال الأحمر الكردي قامت في تشرين الأول الماضي بافتتاح أول مركز مجاني للكشف المبكر عن سرطان الثدي في القامشلي.

ولكن وفقاً للأرقام الشحيحة المتوفرة حول نسبة الإصابة في منطقة الجزيرة، والتي تتراوح بين 30 إلى 35 بالمئة من إجمالي عدد المصابين في سوريا، وفقاً لآخر إحصائية أصدرها مشفى البيروني المتخصص بمعالجة الأورام في دمشق نهاية عام 2016، فإن المنطقة بحاجة ماسة لمراكز متخصصة بالكشف المبكر عن السرطان وعلاجه، بحسب الأخصائيين وعدد من المرضى.

العلاج في دول الجوار

بسبب إغلاق المعابر الرسمية بين تركيا وسورية في المناطق المحاذية لمحافظة الحسكة، فإنّ المرضى يقصدون إقليم كردستان العراق، ولكن السفر إلى إقليم كردستان ليس سهلاً دوماً، فقد تم إغلاق المعبر عدّة مراتٍ لأسباب سياسية، والآن يُعدّ المعبر مفتوحاً أمام الحالات المرضية وحالاتٍ إنسانيةٍ أخرى، وهو أمرٌ لا يحتاج سوى إلى ورقةٍ من هيئة الصحة في “الإدارة الذاتية”، بحسب الدكتورة عبير حصاف رئيسة الهيئة حيث تقول: “نقدّم جميع التسهيلات لمرور المرضى، وخاصةً مرضى السرطان إلى الإقليم بهدف المعالجة، كذلك نقدّم التصوير الطبقي المحوري في أحد مراكزنا بشكلٍ مجاني وهو ما يخفف الأعباء عن المريض”. كما تم إغلاق المعبر لأكثر من سبعة أشهر كإجراء احترازي للحد من انتشار وباء كورونا. لاقى خلالها المرضى الذين كانوا يتلقون العلاج في الإقليم معاناة كبيرة في تلقي العلاج وتكاليفه. لكن تم تحديد يوم الثلاثاء من كل أسبوع يسمح خلالها لـ 20 مريضاً بالمرور إلى الإقليم لتلقي العلاج.

طرق الوقاية والحد من انتشار المرض

إن الحديث عن آفاق حلولٍ لمرضٍ كالسرطان وانتشاره والوقاية منه هو الآن يقارب المستحيل، في ظلّ عدم اكتشاف حلول طبية للمعالجة النهائية عالمياً، ولكن هناك طرقٌ للحدّ من انتشار المرض في باقي الجسم وتثبيط نشاط الورم، وتركّز مراكز الأبحاث الطبية العالمية على التشخيص المبكّر للمرض، وهو السبيل الوحيدة لإطالة عمر المريض، والحدّ من انتشار المرض في باقي الجسد. على المستوى المحليّ تكمن المشكلة أولا في غياب الإحصاءات التي تساعد في معرفة نسبة السرطان في محافظة الحسكة وأكثرها شيوعاً، والأسباب التي تزيد منها، وذلك للوقوف على حلّها.

كما أنّ الانتهاكات بحقّ البيئة باتت على درجةٍ كبيرةٍ من التسيّب في ظلّ عدم الضبط، خاصةً فيما يتعلّق بموضوع تكرير النفط باستخدام الحراقات، وما يسبّبه من انتهاكٍ صارخٍ للبيئة وازداد تأثيره على الإنسان والحيوان والنبات. ويُرجّح أن تكون الزيادات في الإصابة بأمراض السرطان شمال شرق سوريا بسبب تكرير النفط بالدرجة الأولى، وهو أمرٌ برسم الإدارة الذاتية، والذين يتحمّلون المسؤولية للحد من ذلك إضافة لمكبات النفايات وحرقها وما تسببه من تلوث الهواء والبيئة المحيطة.

في الدرجة الثانية يُرجّح أن يكون عامل المواد الغذائية وعدم مراقبتها من ناحية احتوائها على مواد مسرطنة غير متوافقة والشروط العالمية، والمواد الغذائية القريبة من انتهاء مدة الصلاحية، أو المنتهية بالفعل، أو ما يتم من أعمال الغش من تدوين تواريخ مزوّرة في ظلّ عدم وجود رقابةٍ حقيقيةٍ لهذه الأمور. ويبقى إجراء الفحوصات الدورية، والاهتمام بالغذاء الصحي، والحفاظ على نظافة البيئة. يقلل من عدد الإصابات وانتشار المرض، وإمكانية العلاج حين الكشف عن المرض في مراحله الأولى.

وتبقى المعاناة مستمرة وأعين المرضى ترقب أملاً يخفف من معاناتهم ويخفف عنهم تكاليف العلاج.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني