fbpx

الزواج عادات وتقاليد.. هل تجاوزها السوريون؟!

2 717

اختلفت عادات وتقاليد الزواج في سوريا باختلاف المناطق والمدن، ومازال الكثيرون يحافظون على العادات القديمة المتوارثة.

بالمقابل فإن الحرب وتبعاتها أثرت بشكل كبير على تلك الطقوس والعادات في كل المحافظات دون استثناء.

الشاب في أغلب العائلات السورية، حتى يومنا هذا يعتمد على والدته في اختيار زوجة له، فهي أقدر على تحديد الفتاة المناسبة لابنها، بما في ذلك اختيار العائلة، والنسب الجيد، ومراعاة التقارب الاجتماعي بين العائلتين.

الخطوبة.. وبدء مراسم الزواج

خطوات الخطبة والزواج ماتزال حاضرة حتى اليوم، حيث يستقبل أهل العروس العريس مع مجموعة من الرجال ذوي القدر والمكانة “الجاهة” ويقدمون لهم القهوة المرة، فيمتنعون عن شربها، إشارة إلى أن لهم طلباً عند أهل الفتاة، فيقول أحد أفراد الجاهة لوالدها “نحن طالبين قربك ونسبك ونريد ابنتك فلانة زوجة لابننا فلان على سنة الله ورسوله”، فإذا كان ولي أمر الفتاة موافقاً يقول: “اشربوا قهوتكم تراها اجتكم ما في عنا أحسن منكم واللي جيتو من أجله بترجعوا فيه” هذا في بعض المدن السورية مثل درعا أو دير الزور، ويعطونهم مهلة كافية للسؤال عن الشاب وعائلته، ثم يعاودون الاتصال بهم، فإذا تمت الموافقة، اجتمعوا في بيت أهل الفتاة لإتمام مراسم الخطوبة، وفي هذه الجلسة يتفق الطرفان على تكاليف الزواج، وتحديد تاريخه، إلا أن الكثير من هذه التقاليد في سورية قلّت كثيراً، وربما اختفت.

حدثنا محمود، الذي يعيش في سكن شبابي: بسبب بقاء عائلتي في سورية وجدت صعوبة كبيرة في العثور على شريكة مناسبة، لقد أصبحنا خليطاً من عدة محافظات، وليس لدي قريبة تساعدني في العثور على زوجة مناسبة، ولا أستطيع التقدم لخطبة أي فتاة دون معرفة سابقة حتى لو كانت من الأقارب، وبعضهم يرفضون الزواج، كوني وحيداً في تركيا وعائلتي في سورية، وهذا الأمر صعب جداً بالنسبة لي، ناهيك بالوضع الاقتصادي، فكل ما أحصل عليه من عملي أقوم بإرساله الى أهلي في سورية وما يتبقى لدي لا يكفي لتكوين أسرة.

المهر.. ومتطلبات الزواج

الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها اللاجئون، دفعتهم للعدول عن ممارسة بعض العادات والتقاليد التي تميز بها المجتمع السوري أثناء عقد القران، كما اختلفت قيم المهور ومتطلبات الزواج بشكل كلي مع بعد الحرب الدائرة في سورية، فلم يعد هناك مهور مرتفعة أو متطلبات كبيرة كالبيت أو الذهب أو المفروشات، بل اكتفى الناس باختيار شريك لابنهم أو ابنتهم يتميز بالسلوك الحسن والسمعة الجيدة، وأضحى المهر رمزياً، تماشياً مع التقاليد، الأمر الذي كان له الدور الكبير في إقبال الشباب على الزواج، إذ لم يعد مقتصراً على ميسوري الحال.

في حين تظل العادات والتقاليد جزءاً لا يتجزأ من المجتمع السوري، فبالرغم مما يمر به النازحون في الداخل السوري، نرى أحياناً حفلات الحنة والزفاف داخل المخيمات.

يضيف محمود: أنه غير قادر على الزواج بسبب ارتفاع المهر وزيادة متطلبات أهل العروس في تركيا، فبعضهم ينظر للموضوع من الجانب المادي ويطلب مهراً مرتفعاً، إضافة للذهب، وبيتاً مستقلاً. وبعضهم يسألون عن إمكانية السفر إلى أوروبا.. وهذه الأمور تشكل عائقاً أمام الشباب المقبلين على الزواج.

الزواج في سوريا.. طقوس جديدة بعد الحرب

بعد الحرب، اختلفت الأمور بعض الشيء وأصبحت طقوس الزواج تقتصر على الأهل والمقربين فقط، دون حفلات صاخبة، أما عقد القران فيكون على نطاق أوسع، حيث يدعى الأهل والأصدقاء ووجهاء البلد إلى المناسبة التي تتم في بيت العروس ويعقد شيخ البلدة القران ويتم توزيع الحلويات على المدعوين وسط زغاريد النسوة.

اقتصر اختيار الشريك في مرحلة قبل الثورة في أغلب الأحيان على المناطقية، مع وجود حالات أقل منها بكثير بعد الثورة فيما يخص زواج الشاب والفتاة من منطقة أخرى، لكن هذا المفهوم تغير نظراً لحالات النزوح التي مرت بها معظم المحافظات السورية، وكان لها أثراً كبيراً في محو مصطلح المناطقية، وأدت إلى تمازج اجتماعي بين الأسر السورية، ما ساهم بحالات زواج كثيرة بين المناطق المختلفة.

يقول “إبراهيم الخلف” من دير الزور: لم أتصور يوماً أن أتزوج فتاة من حمص وتحديداً من الحولة التي لم نكن نعرف عنها شيئاً، قبل المجزرة المشؤومة، التي ارتكبها النظام، إضافة لبعد المسافة والعادات، فكان سائداً أن يتزوج الشاب من أقاربه أو منطقته، لكن لجوءنا إلى تركيا، عرّفنا على عائلات كثيرة في المخيم الذي كنا نتشاركه مع النازحين الآخرين. وتم الزواج، “وأعتبر هذا من إيجابيات الثورة، حيث عرفتنا على مجتمع ربما كنا نجهله أو نستبعد مصاهرته لبعد المسافة”.

اكتسبت تقاليد الزواج ميزات إضافية عما كانت عليه قبل اندلاع الثورة، كان لها أثرها في زيادة الإقبال على الزواج، حيث تضاعف بعد الثورة، بسبب التسهيلات من قبل أهالي الشريكين وتقديرهم لظروف الحرب القاسية في ظل الرغبة باستمرار الحياة، في وقت حالت فيه الظروف الراهنة دون ممارسة تقاليد وطقوس يتمناها الشريكان قبل الزواج.

قدر مختصون اجتماعيون وجود حالة إقبال على الزواج من الشباب غير المؤهلين، تزامناً مع الظروف المعيشية الصعبة لذوي الفتيات القاصرات، ما سهّل موافقة الأهل، ويعتبر مختصون أنه أدى لنتائج كارثية، لعدم قدرتهم على بناء أسرة، مع متطلبات الحياة الكثيرة.

كما هو الحال في المهور فقد تغيّرت طقوس الزواج مع الثورة السورية، فبعد أن كانت تعتمد على إقامة احتفالات كبيرة وإقامة أعراس في صالات الأفراح، ومشاركة الفرق الموسيقية، تبدّلت لتكون مقتصرة على أهل العروسين وأقاربهم وجيرانهم، وإقامة حفلات صغيرة، وفي كثير من الأحيان تقتصر على إعداد وليمة غداء أو عشاء فقط دون أي مظاهر أخرى كالغناء وغيرها.

يضيف إبراهيم: والد زوجتي تساهل معي كثيراً بالمهر، واكتفى بـ 3500 ليرة تركية فقط كمقدم ومثلها للمؤجل، أما الذهب فتم الاتفاق على خاتم وحلق فقط، وهذا المهر في تركيا يعتبر قليلاً، ولم يشترط عليَّ إقامة حفل زفاف كبير، واكتفى بدعوة غداء للرجال وحفلة عائلية بالنسبة للعروس وصديقاتها وعائلتها.

ومنهم من كانت الثورة حاضرة في عرسه، عبر إنشاد الأغاني التي غناها السوريون في ساحات المظاهرات، وقد انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي فيديوهات لأعراس في منطقة جبل الزاوية بريف إدلب.

كما أن كثيراً من الأعراس ألغيت بسبب وجود شهيد أو عدة شهداء في القرية أو القرى المجاورة، وأحياناً مجازر في محافظات أخرى، كما حصل في الغوطة الشرقية وإدلب”.

الشباب السوري المغترب.. معاناة لا تنتهي

يعد العثور على شريك حياة مناسب تحدياً يواجه الشباب السوريين اللاجئين في ألمانيا.

فلازال للعادات والتقاليد دور كبير في المجتمع السوري، وتؤثر بشكل أو بآخر على حلم الشباب بالاستقرار العاطفي في بلد اللجوء.

تغيرت الظروف الآن وازدادت حالات زواج الشباب السوريين من غير السوريات وفق عوامل عديدة أفسحت في المجال للخروج عن العادات والتقاليد، الذي وصل حد الانسلاخ عن المجتمع السوري، وفق قناعات ارتبطت بالظروف الاقتصادية الصعبة أو الوضع القانوني غير المستقر لتكون الخلاص أو طوق النجاة في الشتات.

دفعت إجراءات لم الشمل في ألمانيا التي أصبحت أكثر تعقيداً، ولا سيما بين عامي 2016 و2017، واستحداث ما يعرف بـ “الإقامة الثانوية” للسوريين ومدتها عام واحد قابل للتمديد، الشاب السوري عمار الهلال أن يتزوج بألمانية حيث وجد فيها المرأة المناسبة وغير المتطلّبة، على حد تعبيره.

يتابع عمار: ما دفعني للزواج بألمانية، أنها استوعبت تماماً نمط تفكيري، وترغب في الاستقرار، كما أنها اعتنقت الإسلام قبل الزواج بفترة قصيرة وارتدت الحجاب، وحالياً نعمل سوية لمساعدة السوريين في ألمانيا.

عمار الهلال وزوجته الألمانية

لكن والد عمار، وهو محام سابق في السعودية كان له رأي مختلف عندما سألناه: ما رأيك بزوجة ابنك الالمانية من حيث تقبلها لمجتمعنا وعاداتنا وتقاليدنا؟ هل كنت تتمنى أن تكون زوجة ابنك سورية؟

 يقول والد عمار: إن الأشخاص مختلفون، كل حسب ظروفه، وفي النهاية هو موضوع “قسمة ونصيب”، لكن تقبل المرأة الألمانية لعاداتنا وتقاليدنا العربية مختلف ومتفاوت، بين الألمانية المسلمة وغير المسلمة، وأيضاً حسب تمسكها بالدين.

وبالنسبة للعادات، فهناك اختلاف كبير، بدءاً من الثقافة وانتهاء بالطعام.

يضيف: بالنسبة لي كنت أفضل لو تزوج عمار من إحدى قريباته، فأنا أخشى مستقبلاً ألا يعود معي إلى سورية، خاصة أنه البكر وهذا الأمر يقلقني حالياً.

يتابع عمار: يمكن للرجل أن يُضطر للزواج من خارج بلده، إذا يطمع بجنسية دولة أجنبية أو إقامة أو هجرة شرعية، وهذا ما سبب لنا سمعة سيئة في ألمانيا وعموم أوروبا بشكل، وهذه تعتبر حالات خاصة جداً.

ويعتبر بعض من يعيشون في دول اللجوء، أن الزواج من جنسية غير سورية، ضمان لمستقبل أولاده في بلد ينعم بالحرية والحقوق، يقول بعضهم: فوجئنا بارتفاع المهور عندما تقدمنا لخطبة فتيات سوريات مقيمات في ألمانيا، فهم يفرضون شروطاً صعبة ومعقدة أحياناً على الشاب، في حين وجد آخرون أن الفتاة الأجنبية، قنوعة ومُقلّة في طلباتها، ويسهل التعامل معها وتقبل في حدود إمكانية الشاب حسب أقوالهم، لافتاً إلى أن الشباب السوريين في أوروبا أحياناً يُدفَعون إلى الزواج بغير السوريات مضطرين، ولا سيما الذين ينتظرون تسوية قانونية لأوضاعهم تضمن استقرارهم في البلد المضيف.

تراجع تأثير العادات والتقاليد

في المقابل، نرى أن وصول الفتيات لبلد يضمن لهن حقوقاً كن يحلمن بها في بلدهن، كالتعليم والاستقلال المادي والحرية في الارتباط، غيّر من عقلية بعض الفتيات السوريات في ألمانيا على حد زعمهم وجعل بعض الشباب يتوجس ريبة من الارتباط بهن.

هذا ما أكده أسامة الذي أتم خطبته على إحدى الفتيات السوريات في ألمانيا، وبعد حوالي أسبوعين زار خطيبته في بيتها، وكانت تجري محادثة هاتفية، وعندما سألها عمن تحدثه، التفتت اليه دون أن تنهي المحادثة، قائلة: هذا الأمر لا يعنيك..

فصدم أسامة من جواب خطيبته، ما دفعه للخروج مسرعاً من منزل عائلتها، وأبلغها بواسطة أحد أقاربه أنه فسخ الخطبة.

بالمقابل أصبح لدى بعض الفتيات شروط تعجيزية، بحسب أقوال الشباب، فقد كانت الفتيات تقبل بالزواج من أي شاب في بلدهن، حتى لو كان يكبرهن سناً أو كان مطلقاً، لكن بعد وصولهن إلى أوروبا، تغيرت أفكارهن وأصبحن يطلبن مهوراً تعجيزية ومنهن من طلبن الطلاق.

يضيف أسامة: خطبت فتاة تدرس الحقوق في دمشق وسأتم إجراءات لم الشمل وإن طالت، ولكن في النهاية سنجتمع، وأنا سعيد بقراري ولست نادماً، رغم المعوقات الكثيرة التي ستواجهني لإتمام الزواج، ولكن هذا أفضل، فأنا أريدها ملتزمة وتحافظ على العادات والتقاليد.

من ناحية أخرى، فإن الشباب في ألمانيا تغيرت أفكارهم وأحلامهم والظروف الجديدة أجبرتهم على التخلي عن عادات وتقاليد الأهل.

تجربة الزواج من ألمانيات ما تزال متباينة، فهناك من لا يهتم بالعادات والتقاليد ويريد خوض حياة جديدة والاندماج بالمجتمع الألماني، ويضيف: “هذه التجربة يمكن أن ننظر لها بشكل إيجابي كوسيلة لمساعدتهم على الاندماج في المجتمع الألماني”. وآخرون اعتبروا الأمر تفاهة ولعباً بمشاعر الفتيات اللواتي يرتبطون بهن.

سبب آخر يدفع بعض الشباب إلى تفضيل الزواج من ألمانية، وهو بعض التجارب الفاشلة لهم مع بنات بلدهم، اللواتي أصبحت لديهن متطلبات خيالية، بعكس الفتاة الألمانية، التي تبحث عن الحب والإخلاص.

وتمسك السوريين بتفاصيل الزواج بما يخص المهر والمقدم والمؤخر أحد أهم أسباب زواج السوريين من غير السوريات، بينما في أوروبا، هذه التفاصيل ليست مهمة إطلاقاً.

ظاهرة الارتباط بأجنبية تركت تأثيراً سلبياً على نساء البلد، حيث يرفع ذلك من نسبة النساء غير المتزوجات ويعزز التفكك المجتمعي، ونرى أن أغلب حالات الزواج من غير سورية سببت حالات انفصال بين الطرفين حتى بعد إنجاب أول طفل، وهذا يؤثر سلباً على المجتمع الذي يعيشون فيه.

2 التعليقات
  1. شذا برغوث says

    من الطبيعي أن تغير الظروف يفرض تغيرات كثيرة و متشعبة و لا نهائية على الأشخاص و المجتمعات و النفوس و هذه التغيرات لا يمكن تصنيفها بدقة
    فمنها الجيد و منها السيئ

  2. احمد says

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني