fbpx

الزواج الجندري بين القانون والشريعة

0 252

قال فيلسوف: “إذا قال خمسون مليون شخص مقولة حمقاء، فإنها ما تزال مقولة حمقاء”. ونحن نعيش اليوم هذا الحال في زمن الطفرة الهائلة في وسائل التواصل الأمر الذي يجعل صناعة الوعي واجباً عامّاً وفرض عين على النخب العربيّة والإسلامية والإنسانيّة.

لقد انتشرت في أوساط الشباب العربيّ والمُسلِم مفاهيم جديدة ومصطلحات مستوردة مُصنّعة في مختبرات العبث في الفطرة الإنسانيّة، وتدجين الإنسان عبر عمليات مسخ الفطرة واستنساخ نماذج مشوّهة من هذا الكائن هي أقرب للحيوان من خلال التلاعب في قواعد السلوك الفطريّ وبُنيانه عبر إطلاق العنان للغريزة على حساب العقل، والتغيير في التكوين الجسدي، والعبث في الوظائف التكوينية له، والأدوار الاجتماعيّة تقوده الحركة النسويّة المُتطرِّفة، البعيدة كلّ البعد عن المرأة والدعوات المُحِقّة للدفاع عن حقوقها وحمايتها، وقد انتشرت ظاهرة المنظمات النسوية التي تديرها الحركة النسويّة المتطرفّة والتي استقطبت العديد من الناشطين والناشطات السوريّة في المناطق المحرّرة ودول اللجوء كأدوات لاختراق مجتمعنا وضرب عقائده وثقافته وعاداته وأعرافه الأصيلة م خلال التركيز على قضايا حساسّة تمس ثوابتهم مثل قضايا الأسرة وخاصة المرأة والطفل والزواج وإثارة الشبهات ونشر المغالطات وما يتفرّع عن ذلك من مصطلحات غريبة وشاذّة وكتابة ونشر التقارير المغلوطة وترويجها وما ينتج عنها من آثار تنعكس على المجتمع السوريّ الذي تحكمه شريعة الإسلام الأمر الذي يؤدّي إلى تفكيك الأسرة النواة الأساسيّة للمجتمع وبالتالي انهياره.

سننطلق في بياننا لخطر هذه المفاهيم من آخر إحصائيّة لمكتب الإحصاء الأوروبي تبيّن أنّ أكثر من نصف المواليد هم خارج نطاق الزواج في تسع دول أعضاء: بلغ عدد الأسر في الإتحاد الأوروبي “220” مليون أسرة منها “155” مليون أسرّة ليس لديها أطفال، وارتفعت نسبة المواليد خارج الزواج في23 دولة من دول الاتحاد الأوروبي بشكل مطرد باستثناء لاتفيا والمجر وإستونيا والسويد، وأن أكبر الزيادات في البرتغال “60%” وإسبانيا “49.2%” وفرنسا “63.5%” وبلغاريا “59.9%”.

بدأت عمليّة العبث من قِبل الحركة النسويّة عبر تفسيرها الشاذّ للمادة الخامسة من اتفاقية سيداو لسنة 1979 التي تنصّ على: تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة لتحقيق ما يلي:

  • تغيير الأنماط الاجتماعية والثقافية لسلوك الرجل والمرأة، بهدف تحقيق القضاء على التحيزات والعادات العرفية وكل الممارسات الأخرى القائمة على الاعتقاد بكون أي من الجنسين أدنى أو أعلى من الآخر، أو على أدوار نمطية للرجل والمرأة.
  • كفالة تضمين التربية العائلية فهماً سليماً للأمومة بوصفها وظيفة اجتماعية، الاعتراف بكون تنشئة الأطفال وتربيتهم مسؤولية مشتركة بين الأبوين على أن يكون مفهوما أن مصلحة الأطفال هي الاعتبار الأساسي في جميع الحالات.

وقد عبرت النسوية عن أطروحاتها بكلمات مثل الجندر”Gender” بدلا من رجل وامرأة وعن الشريك بدلاً من الزوج، وقد تبنته الأمم المتحدة في مؤتمر بكين عام 1995 وروجت له والمقصود بالجندر هو إلغاء التمييز الثقافي والاجتماعي بين الجنسين، ما يقود إلى بناء ثقافة جديدة في المجتمع تعتبر الذكورة والأنوثة فروقات بيولوجية لا يترتب عليها أية فروقات ثقافية أو اجتمّاعية أو مهنية، واعتبر الجندر الأمومة والأبوة دورين اجتماعيين بعد أن فصلهما عن بعدهما البيولوجي، وأن الأنوثة والذكورة هما نتاج التربية والثقافة الاجتماعية فإذا تغيرت تلك الثقافة تغير معها مفهوم الذكورة الأنوثة، ومنه اشتقّ مفهوم زواج المثليين وتغيير الجنس وتحويلها إلى حقوق يجب العمل على حمايتها عبر إصدار تشريعات وطنيّة وإلغاء أيّة تشريعات أو عقائد أو عادات أو أعراف تتعارض مع ذلك.

مفهوم الزواج في الشريعة الإسلاميّة: هو عقد يفيد ملك المتعة قصداً، يحل استمتاع الرجل بامرأة، لم يمنع من نكاحهما مانع شرعي بالقصد المباشر. هذا التعريف الجامع المانع الذي بيّن الغاية منه ووضع الشروط والقيود التالية:

القيد الأول: “الرجل بامرأة”: الذي يُخرِج زواج الذكر من الذكر ومن الخنثى، وزواج الخنثى والمرأة من امرأة، وهي مجمل حالات “المثليّة” التي يتم تكريسها كحقوق للشواذّ.

القيد الثاني: عدم وجود “المانع الشرعي”: الذي يعني تحريم وبطلان الزواج من المحارم ومن الكافرات ومن الكتابيات غير المحصنات.

القيد الثالث: “القصد المباشر”: وهو الغاية من الزواج وهو الاستمتاع الضمني كالاستمتاع بالإماء الذي يُحقّق المقاصد الشرعيّة من الزواج وهي “إعفاف المرء نفسه وزوجه عن الوقوع في الحرام، وحفظ النوع الإنساني، وبقاء النسل، وحفظ النسب، وإقامة الأسرة التي يتم بها تنظيم المجتمع، وإيجاد التعاون بين أفراده والتقارب بين القبائل والعائلات بالنسب والمصاهرة”.

مفهوم الزواج في الدين المسيحي: هو سنة مقدسة من الله تعالى وهو رباط روحي يرتبط فيه رجل واحد وامرأة واحدة، ويعرف هذا الرباط بالزواج الذي يتساوى فيه كل من المرأة والرجل فيكون كل منهما مساويا ومكملا للآخر وذلك بحسب شريعة الله.

مفهوم الزواج عند اليهود: يعتبر بقاء اليهودي في العزوبة أمراً منافياً للدين، ويحرم الزواج بين اليهود وغيرهم، والزواج بغير اليهودي أو اليهودية يعتبر فجوراً وزناً مستمرين. ويجوز لليهودي الزواج ببنت أخيه أو ابنة أخته، ولكن العكس محرم، فلا يتزوج الرجل من عمته أو خالته. وحرَّم كثير من فقهائهم زواج بنت الأخت. وتعدد الزوجات جائز عند اليهود، وليس في الدين حد أقصى لتعدد الزوجات، وإن صدرت فتوى متأخرة ابتداء من القرن الحادي عشر في الغرب بتحريم التعدد، وبعض اليهود لازالوا يمارسون هذا الحق. ومن شرائعهم في الزواج أن أرملة اليهودي الذي مات ولم ينجب منها يجب تزويجها لأخيه الأعزب على وجه الإجبار، فإذا أنجب منها فإن المولود يحمل اسم أخيه الميت وينسب إليه، وإذا امتنع الأخ من تزوج أرملة أخيه فإنه يشهر به ويخلع من المجتمع اليهودي، وتسمى المرأة التي تؤول إلى أخي زوجها الميت “يبامه”.

سنّ الزواج:

عند المسلمين، السن الشرعي بالنسبة للزواج للفتى هو أن يصل إلى مرحلة استطاعة الجماع، وسن الزواج بالنسبة للفتاة، فإن الزواج يكون مطلوبا لها إذا أطاقت الوطء، ويجوز قبل ذلك بشرط ألا تُسلَّم إلى الزوج إلا بعد أن تطيق.

عند الطوائف المسيحيّة:

الكاثوليكية: 16 سنة للذكر و14 سنة للأنثى.

الأرمن الأرثوذكس: 18 سنة للذكر، 15 سنة للأنثى، إنّما يمكن أن يأذن المرجع الروحي زواج الشابّ الذي أتمّ السادسة عشر من عمر والفتاة التي أتمّت الرابعة عشرة من عمرها في حالة غير اعتيادية أو لسبب مهمّ جداً.

الروم الأرثوذكس: 18 سنة للذكر والأنثى، لكن عند الضرورة، يجوز عقد الزواج شرط ألا يكون الذكر دون الـ 17 من العمر والأنثى دون الـ 15 مع مراعاة حال البنية، والصحة، وموافقة الولي، وبإذن من راعي الأبرشية.

السريان الأرثوذكس: 18 للذكر و14 للأنثى.

الآشورية: 18 للذكر و14 للأنثى.

عند اليهود: سن البلوغ “التلمودى” للنساء هو بلوغ المرأة اثنتي عشرة سنة وستة أشهر ويوماً واحداً.. والزواج بغير الرغبة في الإنجاب، وإنما للمتعة فقط، يُسَمَّى في التلمود: زنى! لأن اليهودي لا يجب أن يتوقف عن أداء الوصية التوراتية: أثمروا وتكاثروا.. (سفر التكوين: 1:28).

سنّ الزواج في أدبيّات الأمم المتحدّة: زواج الأطفال هو أي زواج لم يبلغ فيه أحد الطرفين سن 18 عاماً.

الإكراه في الزواج والزواج القسري:

الزواج القسري وفقاً لأدبيات الأمم المتحدّة: هو زواج لم يعرب فيه أحد الطرفين و/أو كلاهما شخصياً عن موافقتهما الكاملة والحرة على الزواج. ويعتبر زواج الأطفال شكلاً من أشكال الزواج القسري، بما أنّ أحد الطرفين و/أو كليهما لم يعربا عن موافقتهما الكاملة والحرة والمستنيرة.

الإكراه في الزواج في الشريعة الإسلامية: وضع الإسلام شرائط لنفاذ قد الزواج والتي يتوقف عليها ترتيب أثر العقد، فيقع العقد بفواتها موقوفاً عند بعضهم وباطلاً عند آخرين. ومنها: كمال أهلية الزوجين إذا أبرما العقد بشخصهما. ألا يخالف الوكيل بإجراء العقد مضمون وكالته. ألا يكون العاقد فضولياً. وهذا يعني ألّا يبرم العقد لناقص أو عديم الأهلية “الصغير والصغيرة والمجنون والمعتوه” غيرُ الأصل أو الفرع وألا يكون أحدهما معروفاً بسوء الاختيار. فإذا كان المزوِّج للقاصر غير الأب أو الجد، ولو من كفء وبمهر المثل، كان العقد غير لازم للقاصر وله خيار البلوغ، ويكون أيضاً غير لازم إذا كان الأب أو الجد معروفاً بسوء الاختيار.

عند المسيحيّة: لابد من وجود إرادة حرة صحيحة وصريحة وعلنية بين الطرفين لكي يكتمل الزواج أي لا يكون أحد الأطراف مجنون أو جاهل أو وقع شخص منهما في الغلط أو الغش في حقائق جوهرية أو تعرض لأي إكراه وخوف.

لقد آثرنا بيان أحكام الزواج في الشريعة الإسلاميّة وبقيّة الشرائع والتي تعتبر المصدر الأساسي للقوانين الخاصة بالأحوال الشخصيّة التي تُنظِّم أحكام الخطبة والزواج والمهر والنفقة والطلاق والنسب والميراث والوصاية والقوامة، لنبيّن للناشطين والناشطات أن هذه الأحكام تختلف من شريعة وشريعة وقانون وقانون وبما أن القانون هو أداة تنظيم العلاقات بين أفراد المجتمع فيما بينهم وعلاقتهم مع الدولة بهدف تحقيق الأمن والاستقرار وبالتالي التنميّة ، وبما أنّ الدين والعرف والعادة هي مصادر من مصادر التشريع ، فلا يُمكن تجاهل هذه الثلاثية عند التعاطي مع أي من قضايا المجتمع ، وحيث أن العرف القانوني استقرّ على علويّة الدستور والقانون الوطني على المعاهدات الدوليّة في بعض القضايا ، وسويّتهما في قضايا أخرى الأمر الذي يوجب معرفة هذه القواعد الدستورية والقانونيّة حتى يمكننا بناء مقاربات صحيحة على أسس سليمة وهذا ما تفرضه مبادئ التوثيق والرصد الحقوقي التي توجب على الناشط أو الراصد القيام بمراقبة التطورات وجمع المعلومات وإدراك أنماط السلوك وتحديد المشاكل وتشخيص أسبابها ودراسة الحلول المحتملة والمساعدة على حلها. وأن يتحلّى بحسن التقدير في جميع الحالات وفي كلل الظروف، وأن يتمتّع بالمصداقية وفهم البلد الذي يعمل فيه بما في ذلك سكانه وتاريخه وهيكله الحكومي وثقافته وعاداته ولغته الاتساق والمثابرة والصبر من خلال جمع المعلومات السليمة والدقيقة لتوثيق حالات حقوق الإنسان والوصول إلى مجموعة متنوعة من المصادر وفحص المعلومات المقدمة منهم فحصاً دقيقاً ومقارنتها والتحقق منها.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني