الذكرى الأربعون لمجزرة حماة 1982 تتزامن مع عودة رفعت الأسد إلى سورية
يحمل شهر شباط في طياته ذكرى أليمة لدى الشعب السوري، ويمثل شهر شباط 2022 ذكرى مرور أربعين عاماً على ارتكاب النظام السوري بقيادة حافظ الأسد مجزرة مروعة في مدينة حماة عام 1982 امتدت على مدى الشهر بأكمله، وما زالت سورية تحكم من قبل العائلة ذاتها، بل وإن أربعين عاماً من الإفلات من العقاب تتوجت بعودة رفعت الأسد المتورط الأبرز في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية في مدينة حماة 1982.
وبمناسبة الذكرى الأربعين لمجزرة حماة 1982، أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان يوم الأربعاء 23 شباط 2022، تقريراً خاصاً، قالت فيه “إن الذكرى الأربعون لمجزرة حماة تتزامن مع عودة رفعت الأسد إلى بشار الأسد، مشيرة إلى أن هيئات الأمم المتحدة خلت من أية إشارة إلى المجزرة على الرغم من أن جرائم القتل والاختفاء القسري تشكل جرائم ضد الإنسانية”.
أكّد التقرير أن إحياء ذكرى المجازر الضخمة، والتي سبقت اندلاع الحراك الشعبي في آذار 2011 وما زال أثرها ممتداً حتى الآن يعتبر جانباً مهماً من كشف جزء من الحقيقة ومن الدفاع عن حقوق الضحايا وفضح مرتكبي الانتهاكات.
وقال التقرير “إن الإحصائيات الواردة فيه هي إحصائيات تقديرية وليست بيانات لجميع الضحايا، لكنها مستندة على قسم كبير من البيانات، موضحاً وجود بيانات لقرابة 3762 مختفٍ قسرياً من أبناء مدينة حماة، إضافة إلى بيانات لقرابة 7984 مدنياً تم قتلهم.
وأوضح التقرير بأن التقديرات تشير إلى مقتل ما بين 30 إلى 40 ألف مدني، إضافة إلى نحو 17 ألف مفقود، مشيرا إلى أن مما جعل من توثيق المجزرة عملية معقدة: طول المدة الزمنية، والضعف الشديد في التغطية الإعلامية العالمية أو الإقليمية، وانعدام وجود الصحافة المحلية، وقضاء وطني مستقل، بسبب هيمنة النظام السوري على السلطات الثلاث.
وأورد التقرير قول فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان:
“تتزامن ذكرى مجزرة حماة شباط 1982 هذا العام التي قتل فيها النظام السوري عشرات الآلاف من أبناء المدينة وأخفى عشرات آلاف آخرين مع عودة رفعت الأسد إلى بشار الأسد، وهو المتهم الرئيس في ارتكاب المجزرة بعد أن توفي حافظ الأسد، والذي كان يرأس الجيش والقوات المسلحة، وهذا تجسيد فظيع لثقافة الإفلات التام من العقاب، كما أن من المخزي عدم وجود أية وثيقة أممية توثق المجزرة وتطالب بكشف مصير عشرات آلاف الضحايا ومحاسبة مرتكبيها، على الأمم المتحدة واجب تصحيح خطأها التاريخي”.
تحدث التقرير عن هيمنة حافظ الأسد على الدستور والإعلام والأحزاب والحياة السياسية، وكيف أن كل ذلك مهَّد الطريق لارتكاب مجزرة حماة دون ردة فعل من المجتمع أو المعارضة.
وسردَ التقرير بشكل موجز تفاصيل منذ استيلاء حزب البعث عبر انقلاب عسكري دموي على السلطة في سوريا في آذار 1963، مطيحاً بالرئيس الأسبق ناظم القدسي وحكومته المنتخبة ديمقراطياً، وما تبع ذلك من إعلان حالة الطوارئ، وصولاً إلى استيلاء حافظ الأسد على السلطة في عام 1970، ثم إصداره دستور 1973، الذي وصفه التقرير بأنه يعارض أبسط مبادئ حقوق الإنسان.
وطبقاً للتقرير فقد أصبح حافظ الأسد يهيمن على الدولة السورية، مستنداً إلى حالة الطوارئ، والمحاكم الشاذة، والتحكم بالسلطات الثلاثة، إضافة إلى قوات الأمن، والجيش، والنقابات، وإعدام الصحافة، وكل هذا مهد له ارتكاب مجزرة سجن تدمر 1980، وبعدها مجزرة حماة 1982، دون أي تداعيات داخلية تذكر، وأيضاً دون إدانات وتداعيات دولية على مستوى الكارثة التي وقعت.
استعرض التقرير أبرز الانتهاكات التي ارتكبتها قوات النظام السوري في مدينة حماة في شباط1982 والتي شكل بعضها جرائم ضد الإنسانية، وأوردَ قائمة بأبرز القوات المتهمة بتنفيذ المجزرة، وقال التقرير إن النظام السوري حشد قوات من الجيش وأجهزة الأمن، وفرضت شكلاً من أشكال الحصار على مدينة حماة نهاية كانون الثاني 1982.
واستعرض التقرير تفاصيل الهجوم الذي استمرَّ قرابة شهر، وتحدث بشيء من التفصيل عن أبرز الأيام الدموية التي شهدتها المجزرة والتي كانت نقاط علام.
وعلى هذا الصعيد قال التقرير إن قوات تابعة للنظام السوري قوامها نحو 20 ألف شخص قد بدأت بقصف مدينة حماة، قرابة الساعة 20:15 من مساء يوم الثلاثاء 2 شباط 1982 بقيادة رفعت الأسد، وكانت ذريعة السلطات، هي القضاء على بضع مئات من المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين، والتي كان قد دخل قسم منها في صراع مسلح مع السلطة، واختبأ بضع عشرات منهم بين صفوف المدنيين من أبناء المدينة.
وأوضح التقرير بأن قوات النظام السوري بدأت بقصف تمهيدي واسع لأحياء عديدة وبشكل عشوائي بالمدافع والرشاشات، ثم اقتحم عدد من القوات المدينة من عدة محاور، وقامت بعمليات إعدام ميداني وقتل عشوائي، إضافة إلى العشرات من عمليات النهب والعنف الجنسي، وجرت اشتباكات مسلحة بين قوات النظام السوري وعناصر الإخوان المسلمين في المدينة.
كما تحدث التقرير عن تدخل سلاح الطيران ودخول الدبابات وقصفها المنازل دون تمييز بين مدنيين ومسلحين، وأكد على اعتقال قوات النظام السوري المئات من أبناء المدينة، دون توجيه تهمة، وقامت بإعدام البعض منهم رمياً بالرصاص في الشوارع.
وأضاف التقرير عمليات القصف والاشتباكات بقيت مستمرة دون توقف حتى يوم الجمعة 5 شباط، عندما بدأت قوات النظام السوري عمليات اقتحام الأحياء، واستكملت دباباته تدميرها، وقتلت عشرات المدنيين داخل منازلهم، إضافة إلى عمليات قتل لجرحى، واستهداف عائلات بكاملها بمن فيها من نساء وأطفال وشباب، لمجرد انتماء بعض أفرادها لجماعة الإخوان المسلمين، إضافة إلى نهب محتويات المنازل، ثم حرقها، مع ترديد وكتابة عبارات تحمل صبغة تطهير طائفي.
ووفقاً للتقرير فإن هذا العنف المتوحش من قبل السلطة، وإدخال البعد الطائفي، دفع جماعة الإخوان المسلمين للنداء عبر مكبرات المنازل للانضمام لقتال النظام السوري على خلفية دينية، وقد التحق قسم من شباب المدينة من غير المنضمين إلى الإخوان المسلمين بالمسلحين للدفاع عن منازلهم وعائلاتهم.
وبحسب التقرير فقد شهد السادس من شباط عمليات إنزال جوي قامت بها قوات النظام السوري ترافقت مع أفعال سادية، ومن ثم استمرت عمليات القصف والاقتحام والاشتباك في مختلف أحياء المدينة حتى الإثنين 8 شباط، تاريخ سيطرة قوات النظام السوري على منطقة السوق جنوب نهر العاصي، لتبدأ من اليوم التالي سلسلة اقتحام الأحياء تباعاً، واحتجاز أسر كاملة، ثم قتلها رمياً بالرصاص.
وذكر التقرير بأن الاشتباكات في عدد من الأحياء استمرت حتى 23 شباط، واتبعت قوات النظام السوري سياسة التدمير الشامل، ولم ينجُ تقريباً أحد من سكان تلك الأحياء.
قال التقرير إن قوات النظام السوري استمرت بعمليات الملاحقة، والقتل على الهوية، حتى يوم الأحد 28 شباط، وبدأت بعض القوات المحيطة بالمدينة بالعودة إلى ثكناتها العسكرية، وبقيت العديد من الحواجز العسكرية داخل المدينة، ولكن عمليات القتل والتصفية الفردية لم تتوقف، بل استمرت حتى منتصف آذار 1982.
بحسب التقرير فقد خلَّفت هذه الحملة العسكرية على مدينة حماة مقتل 40 ألف مدني، وقرابة 17 ألف مفقود حتى الآن، ولا يعلم التقرير عدد القتلى من المسلحين في صفوف الإخوان المسلمين ومن قوات النظام السوري، إضافة إلى تدمير قرابة 79 مسجداً وثلاث كنائس، كما دمرت العديد من أحياء المدينة بما فيها الأثرية منها.
وقد عرض التقرير خريطة أوضحت مواقع أبرز الأحياء التي تعرضت للدمار بشكل كلي أو شبه كلي، ووفقاً لما جاء في التقرير قد ظلَّت مدينة حماة تحت حصار مطبق طيلة شهر شباط، مع فرض حظر تجوال واسع على سكانها.
جاء في التقرير أنه بموجب القانون الدولي فإن الدول مسؤولة عن الانتهاكات التي يرتكبها أفراد قواتها المسلحة، أو أشخاص أو كيانات مفوضين من قبلها، ويجب أن تفتح تحقيقات فيها، وأن تلتزم بالتعويض الكامل عن الأذى والخسائر.
وحمَّل التقرير مسؤولية الهجوم للنظام السوري، ووصفه بأنه نظام في بنيته شديد المركزية، ولا يمكن القيام بمهام عسكرية ضخمة، دون علم وموافقة رأس النظام السوري حافظ الأسد، وهو في الوقت ذاته القائد العام للجيش والقوات المسلحة.
أوضح التقرير بأن مجزرة حماة امتدت قرابة شهر كامل، وبالتالي يستحيل أن قيادات الجيش والأجهزة الأمنية لم يسمعوا بها، ولم يقم النظام السوري بمنع ارتكاب الانتهاكات، أو المعاقبة عليها، بل تظهر الأدلة والشهادات أنه كان هناك انخراط وأوامر مباشرة بارتكاب عمليات قتل وتصفية واعتقال وإخفاء قسري وتعذيب.
وفي هذا السياق استعرض التقرير أبرز الأفراد المتورطين في ارتكاب عمليات القتل والإخفاء القسري والنهب والتدمير في شباط وآذار 1982 في مدينة حماة.
اعتبر التقرير أن تجاهل الأمم المتحدة المخزي للمجزرة هو إهانة للضحايا، ما زال أثرها ممتداً حتى الآن، مطالباً الأمين العام بالإشارة لمجزرة حماة والاعتذار للضحايا، ومشيراً إلى أنه من غير المقبول، ولا المفهوم، أن تبحث بين سجلات الأمم المتحدة فلا تجد شيئاً يذكر عن كارثة إنسانية بحجم مجزرة حماة 1982.
كما لفت التقرير إلى تقصير المجلس الاقتصادي والاجتماعي وهيئة حقوق الإنسان في ذلك الوقت بحق ضحايا هذه الكارثة، مؤكداً أن ما فشلا به في تلك الحقبة، لم يتم تداركه بعد تأسيس مجلس حقوق الإنسان، والمفوضية السامية لحقوق الإنسان حتى اللحظة.
أوضح التقرير بأن معاناة أهالي مدينة حماة كانت مضاعفة، بداية من الانتهاكات الفظيعة التي ارتكبها النظام السوري بقيادة حافظ الأسد.
وثانياً تخاذل المجتمع الدولي ومجلس الأمن، وانعدام شبه كامل لردة الفعل السياسية من قبل دول العالم الأول الديمقراطية.
وثالثاً من غياب ردة الفعل الأممية والحقوقية والإعلامية.
ووصف التقرير أن معظم ما كتب عن المجزرة كان يتبنى بشكل أو بآخر رواية النظام السوري، مقابل رواية مئات الناجين وأقرباء الضحايا.
اعتقد التقرير أن الانتهاكات التي قام بها النظام السوري في مدينة حماة على مدى شهر كامل قد ارتكبت ضمن هجمة موسعة وممنهجة ضد السكان المدنيين، ومن ثم فهي تشكل جرائم ضد الإنسانية بموجب القانون الدولي العرفي ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
كما ذكر التقرير بأن قوات النظام السوري انتهكت العديد من أحكام ومبادئ القانون الدولي لحقوق الإنسان بما فيها القتل خارج نطاق القانون، عبر توجيه أوامر إلى الأجهزة الأمنية بقتل وإصابة أكبر قدر ممكن من أهالي مدينة حماة. مؤكدا بأن السلطات السورية لم تقم بأية تحقيقات جدية عن هذه الهجمات.
ووفقاً للتقرير يتحمل المسلحون في حماة من جماعة الإخوان المسلمون مسؤولية الانتهاكات التي قاموا بها، وبشكل خاص الاحتماء في أحياء مدنية؛ مما شكَّل خطراً على هذه الأحياء وسكانها، وهذا لا يعفي بأي حال الطرف المهاجم وهو النظام السوري من مسؤولية التمييز بين المدنيين والمقاتلين، ومن استخدام القوة بشكل مناسب، وليس على النحو الذي وقع.
أوصى التقرير الأمين العام للأمم المتحدة والمفوض السامي لحقوق الإنسان بالتذكير بمجزرة حماة 1982، بوصفها حدثاً دموياً يشكل حدثاً فارقاً في الإفلات من العقاب وبشكل خاص بعد عودة المتورط الأساسي رفعت الأسد إلى بشار الأسد.
وطالب التقرير بالاعتذار للضحايا وذويهم على الفشل الذريع في عدم توثيق المجزرة وإدانة مرتكبيها، وتصحيح هذا الخطأ المشين بمطالبة السلطات السورية بالعمل على كشف مصير قرابة 17 ألف مواطن سوري من أهالي مدينة حماة مختفٍ قسرياً منذ 1982.
كما طالب التقرير المجتمع الدولي ومجلس الأمن بالاعتراف بالفشل الذريع في حماية المدنيين في حماة، ومحاولة تصحيح هذا الخطأ التاريخي بالعمل على محاسبة النظام السوري، والسعي للكشف عن مصير المفقودين. إلى غير ذلك من توصيات إضافية.
[…] القضية، حيث ساهمت بتقديم بيانات وتفاصيل دقيقة حول مجزرة حماة في فبراير 1982، بالإضافة إلى توفير معلومات الاتصال مع الشهود […]