الحقوق السياسية والمشاركة السياسية
السياسة كما يتصور بعضهم حِكر على أهل ’’الكار‘‘ وممارستها من صلاحياتهم هم فقط، فيزهد بها الكثير من أبناء الشعب، ويتركون لكل ذي هوى أو مطمع أو نفوذ ليتحكم بهم ويرسم لهم مستقبلهم وفقاً لإرادته وتحقيقاً لغايته، وحيث أن السياسة بمفهومها البسيط إدارة حكم البلاد ورعاية مصالح العباد، فهي حاجة لإنشاء الجماعة السياسية، وضرورة لبقاء هذه الجماعة بعد إنشائها وتتجلى هذه الجماعة السياسية بالدولة والتي يأخذ نظامها السياسي عدة أشكال، منها النظام الديموقراطي والنظام الاستبدادي ما ينعكس على شكل نظام الحكم فيكون إما دستوري وإما برلماني أو نظام رئاسي أو شبه رئاسي أو مختلط أو نظام ملكي أو نظام جمهوري. وحيث أن الشعب هو مجموعة أفراد الجماعة السياسية وبالتالي هو الركن الأساسي في بناء الدول وهو محور الحكم والإدارة ومبتدى السياسة ومنتهاها، فكان لابُد من تنظيم حياته من خلال الدساتير والقوانين والأنظمة التي تمنحه الحقوق وتفرض عليه الالتزامات، وتكفل الدولة حمايتها وتعزيزها، كما عليها احترام حرياته الأساسية التي هي اسبق بالنشوء من نشوء الدولة وهي الحريات والحقوق اللصيقة به كإنسان والتي تعرف بحقوق الإنسان، وهي سابقة على الحقوق السياسية من حيث النشأة والمصدر.
الحرية والحق:
مفهوم الحرية يعني عدم وجود قيود أو قيود على تصرفات الفرد. وتعتبر قيمة إنسانية أساسية وتحميها القوانين والدساتير.
الحق: مجموعة الاستحقاقات القانونية أو الأخلاقية التي تسمح للفراد بالتصرف أو المعاملة بطريقة معينة. يتم إنفاذها عن طريق القوانين أو الحكومات، كما يمكن تقييد الحقوق أو تقييدها في ظروف معينة،
وللحرية عند العرب والمسلمين أربع معاني وهي ’خلقي ويعني الأصل الكريم، وقانوني ويعني الحرية ضد العبودية فكان عقوبة شرعية عن بعض المعاصي والمخالفات وهي ’’تحرير الرقبة‘‘، واجتماعي ويعني الحر هو المعفي من الضريبة، وصوفي كما عبر عنها الجرجاني: «الحُرية في اصطلاح أهل الحقيقة الخروج عن رق الكائنات وقطع جميع الخلائق والأغيار فهي تحرر من الشهوات وفناء إرادة العبد في إرادة الحق»،
ويمكن إجمالها بتعريف جامع وهو: أن يتصرف الفرد دون قيود الحُرية حال الإنسان الخالصة إنسانيته من أية حتمية، أي من خضوع لقهر أو غلبة أو سيادة، تفسد صدور فعله عن ذاته.
المشاركة السياسية: وتعني مشاركة جميع أفراد الشعب المؤهلين قانونياً في صنع القرار السياسي والإداري وإدارة الدولة على جميع المستويات، ويمكن للأفراد ممارستها بصورة مباشرة أو غير مباشرة وهي وسيلة أو آلية من آليات الأنظمة الديمقراطية وتعبيرا عن مبدأ ’’الشعب مصدر السيادة أو السلطات‘‘.
الحقوق السياسية والحرية السياسية:
الحقوق السياسية: هي مشاركة المواطن في السياسية بالوسائل التي يحددها الدستور والقوانين والأنظمة. وتقرها القوانين الوطنية. ومنها حق التمثيل السياسي وحق التحزب السياسي وحقوق الأقليات بالتمتع بثقافتهم الخاصة أو المجاهرة بدينهم وإقامة شعائره أو استخدام لغتهم، بالاشتراك مع الأعضاء الآخرين في جماعتهم.
الحريات السياسية: هي المشاركة السياسية بالوسائل غير الشرعية ولم ترتقِ إلى مرتبة الحق السياسي ومنها حرية المعارضة السياسية وحرية التجمع وتأليف الأحزاب والجمعيات، وحرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة.
ومن خلال التعريفين نجد أن الفرق بين الحق السياسي والحرية السياسية يكمن في وسائل المشاركة السياسية فإن كانت شرعية كان حقا سياسيا وإن كانت غير شرعية كانت حرية سياسية.
حقوق الإنسان والحقوق السياسية:
حقوق الإنسان هي حقوق سابقة لنشوء الجماعات السياسية وهي متأصلة في الإنسان باعتباره من بني البشر.
الحقوق السياسية التي نشأت مع نشوء وظهور المجتمعات السياسية ’’الدول‘‘ ونظم أحكامها الدستور والقانون ومصدرها مبدأ المواطنة باعتباره أهم المبادئ الدستورية الذي يمنح الحقوق ويفرض الواجبات على كل مواطن ينتمي للدولة مما يُخرج الأجنبي من دائرة المواطنة وبالتالي من التمتع بهذه الحقوق.
الفرق بينهما من حيث المصدر، الحقوق السياسية مصدرها المواطنة بينما حقوق الإنسان مصدرها الفطرة الإنسانية.
المشاركة السياسية والتعبئة السياسية:
المشاركة السياسية: عمل طوعي قد يكون منظم وقد لا يكون وقد يكون عارض وقد يكون متواصل بهدف التأثير على انتقاء السياسات العامة.
التعبئة السياسية: هي المساهمة الشعبية غير الطوعية عن طريق وسائل السلطة الشرعية وغير الشرعية، وغالباً ما تؤدي التعبئة السياسية إلى أزمة الاستفراد بالحكم وإقصاء الآخر كما يؤدي إلى التدجين السياسي لصالح ’’النخبة‘‘ الحاكمة أو النافذة على حساب حقوق وحريات الأفراد والشعب التي غالباً ما تنتهي بالتنازع على الشرعية والصراع على السلطة الذي قد يأخذ شكل الانتفاضة الشعبية أو الثورة أو الانقلاب العسكري ويدفع السلطة لاستخدام العنف والقوة للدفاع عن الحكم.
لابُد من توافر مجموعة من المبادئ لضمان المشاركة السياسية بالشكل الأمثل وهي مقومات المشاركة السياسية التالية:
الانتخابات العادلة الحرة النزيهة: وهي عملية اختيار الشعب ممثليه من بين مجموعة من المرشحين لشغل منصب عام ’’رئاسي – تشريعي – إدارة محلية وفي بعض الدول اختيار القضاة‘‘.
مبدأ سيادة القانون: ويعني خضوع الجميع حكاماً ومحكومين لنص الدستور والقانون باعتبارهما التعبير عن إرادة الشعب وحظر أي تمييز والحماية الفعالة من التمييز لأي سبب، كالعرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي سياسياً أو غير سياسي، أو الأصل القومي أو الاجتماعي، أو الثروة أو النسب، أو غير ذلك من الأسباب.
الرقابة الشعبية: وتعني الرقابة والمحاسبة، وقد تكون الرقابة شعبية وقد تكون برلمانية من خلال أدوات استفسار واستجواب الوزراء وأعضاء الحكومة، وحجب الثقة عنها.
وجود تنظيمات وأحزاب سياسية: تعتبر الأحزاب والتنظيمات شكل من أشكال التنظيم الجماعي يُعبر عن حريات وحقوق وأراء جماعة من الموطنين جمعتهم وحدة الرأي ووحدة وبالتالي هي المشاركة المنظمة في صنع القرار السياسي أو التأثير على صانع السياسة العامة للبلاد.
وبما أن لكل فعل أو تصرف دافع وهدف وغاية فالمشاركة السياسية باعتبارها فعلاً وتصرفاً فلابد أن يكون لمن يمارسها دوافع واهداف وغايات، وقد تكون دوافع عامة وقد تكون خاصة:
الدوافع العامة كثيرة ومتعددة ومنها:
- شعور الفرد بالانتماء لوطنه وشعبه مما يدفعه للمشاركة مع أبناء شعبه في شؤونه العامة.
- الرغبة في إيجاد مجتمع أفضل عبر توسيع المشاركة.
- تعزيز الروابط بين أبناء المجتمع الواحد من خلال توحيد الجهود تحقيق لأهدافهم المشتركة.
أما الدوافع الخاصة وهي أيضاً كثيرة ومتعددة ومنها:
- حماية الصالح الخاصة من خلال المشاركة في صنع القرار.
- رفع مستوى الحاجات الفردية من خلال التأثير على العملية السياسية وآلية اتخاذ القرارات.
- تحقيق المكاسب الشخصية المادية أو النفوذ السياسي والقوة.
الحقوق السياسية: لقد تضمنت المواثيق الدولية مجموعة من القواعد والنصوص التي تقر بهذه الحريات وهذه الحقوق، وتفرض على الدول والحكومات واجب حمايتها وتعزيزها ومن هذه المواثيق:
ميثاق الأمم المتحدة: الذي تضمنت الفقرة الثالثة من المادة الأولى منه أهم مبادئ الأمم المتحدة وهو: تحقيق التعاون الدولي على حل المسائل الدولية ذات الصبغة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية وعلى تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعاً والتشجيع على ذلك إطلاقاً بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين الرجال والنساء.
وكذلك ما نصت عليه الفقرة ’’ج‘‘ من المادة ’’55‘‘ منه على: أن يشيع في العالم احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين، ولا تفريق بين الرجال والنساء، ومراعاة تلك الحقوق والحريات فعلاً.
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: الذي نص في المادة ’’2‘‘ منه على أن: لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في هذا الإعلان، دونما تمييز من أي نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأي سياسياً وغير سياسي، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي، أو الثروة، أو المولد، أو أي وضع آخر.
وفضلاً عن ذلك لا يجوز التمييز على أساس الوضع السياسي أو القانوني أو الدولي للبلد أو الإقليم الذي ينتمي إليه الشخص، سواء أكان مستقلاً أو موضوعاً تحت الوصاية أو غير متمتع بالحكم الذاتي أم خاضعاً لأي قيد آخر على سيادته.
والمادة ’’20‘‘ منه التي تنص على أن: لكل شخص حق في حرية الاشتراك في الاجتماعات والجمعيات السلمية. لا يجوز إرغام أحد على الانتماء إلى جمعية ما.
والمادة ’’21‘‘ منه التي تنص على أن: لكل شخص حق المشاركة في إدارة الشؤون العامة لبلده، إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون في حرية. لكل شخص، بالتساوي مع الآخرين، حق تقلد الوظائف العامة في بلده. إرادة الشعب هي مناط سلطة الحكم، ويجب أن تتجلى هذه الإرادة من خلال انتخابات نزيهة تجرى دورياً بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السري أو بإجراء مكافئ من حيث ضمان حرية التصويت.
العهد الدولي للحقوق المدنية السياسية: الذي نص في المادة ’’21‘‘ منه على أن: يكون الحق في التجمع السلمي معترفاً به. ولا يجوز أن يوضع من القيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التي تفرض طبقاً للقانون وتشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم.
والمادة’’22‘‘ منه التي تنص على أن: لكل فرد حق في حرية تكوين الجمعيات مع آخرين، بما في ذلك حق إنشاء النقابات والانضمام إليها من أجل حماية مصالحه. لا يجوز أن يوضع من القيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التي ينص عليها القانون وتشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم. ولا تحول هذه المادة دون إخضاع أفراد القوات المسلحة ورجال الشرطة لقيود قانونية على ممارسة هذا الحق.
الحقوق السياسية الأساسية:
الحق في التجمع السلمي: ويتفرع عنه حق الحرية بإبداء الرأي وحق التظاهر
الحق في التحزب وتكوين الجمعيات:
- لكل فرد حق في حرية تكوين الجمعيات مع آخرين، بما في ذلك حق إنشاء النقابات والانضمام إليها من أجل حماية مصالحه. وهذا يتفرع عنه الحق في تشكيل الأحزاب، وحرية الانتماء اليها.
حق المشاركة في إدارة الشؤون العامة: ويتفرع عنه الحقوق التالية:
- حق المشاركة في إدارة الشؤون العامة، إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون في حرية.
- تقلد الوظائف العامة في بلده.
- حق التمثيل السياسي: ويتفرع عنه الحقوق التالية:
حق الترشح والانتخاب والحق بالاستفتاء وتعني هذه الحقوق بأن لكل مواطن بلغ السن القانوني الترشح لتولي منصب عام “رئاسة – برلمان – إدارة محلية” وقد يكون أصالة وقد يكون نيابة أو وكالة. أما الاستفتاء هو حق غير قابل للتفويض ولا الوكالة ولا النيابة لأنه اجراء على قضايا لا يجوز فيها أي صورة من صور النيابة.
حقوق الأقليات: بالتمتع بثقافتهم الخاصة أو المجاهرة بدينهم وإقامة شعائره أو استخدام لغتهم، بالاشتراك مع الأعضاء الآخرين في جماعتهم.
واجبات الدول:
يقع على كاهل الدول مسؤولية احترام الحقوق المعترف بها فيه، وبكفالة هذه الحقوق لجميع الأفراد الموجودين في إقليمها والداخلين في ولايتها، دون أي تمييز بسبب العرق، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأي سياسياً أو غير سياسي، أو الأصل القومي أو الاجتماعي، أو الثروة، أو النسب، أو غير ذلك من الأسباب.
كما يقع على كاهلها تعزيز هذه الحقوق من خلال سن وفرض التشريعات والقوانين طبقاً لإجراءاتها الدستورية.
كما يقع عليها واجب حمايتها وتوفير سبل التظلم والتقاضي لأي شخص انتهكت حقوقه أو حرياته المعترف بها حتى لو صدر الانتهاك عن أشخاص يتصرفون بصفتهم الرسمية، ومن إنفاذ الأحكام الصادرة لمصالح المتظلمين. وألا تفرق بين الرجال والنساء في حق التمتع بجميع الحقوق المدنية والسياسية.
القيود على ممارسة هذه الحقوق:
يجوز للدول في حالات الطوارئ الاستثنائية التي تتهدد حياة الأمة، والمعلن قيامها رسمياً أن تتخذ في أضيق الحدود التي يتطلبها الحفاظ على الأمن القومي أو النظام العام أو الآداب العامة أو الأخلاق العامة أو السلامة العامة أو الصحة العامة.