fbpx

التطبيع مع النظام الأسدي.. قفز فوق تضحيات السوريين وتجاهل للقرار 2254

0 214

تتداعى دول عربية لتطبيع علاقاتها مع النظام الأسدي، الذي تمّ استبعاده عن شغل مقعد الجمهورية العربية السورية في الجامعة العربية، بعد رفضه التوقف عن قتل السوريين وتدمير بيوتهم ومنشآتهم، ورغم عدم تنفيذه للقرار الدولي 2254/2015.

نينار برس طرحت سؤالاً على مجموعة من الشخصيات الوطنية المختلفة:

تجري عمليات تطبيع للعلاقات العربية مع النظام الأسدي، وتقود السعودية حملة عودة هذا النظام إلى الجامعة العربية، حيث ستستضيف المملكة مؤتمر القمة العربية في شهر أيار/مايو القادم.

هل تعتقدون أن عمليات التطبيع المذكورة ستُضطر النظام الأسدي إلى الانخراط من جديد بمفاوضات اللجنة الدستورية، والذهاب إلى حلٍ سياسي يقارب القرار 2254؟ أم أن عودة النظام للجامعة العربية هي لمنعه من تهريب المخدرات باتجاه الدول العربية الخليجية؟ أليس الأمر قفزاً فوق تضحيات الشعب السوري وهدراً لحقوقه؟.

التطبيع لا يقود إلى حلٍ حقيقي

الدكتور محمد رامز كورج

يقول الدكتور محمد رامز كورج الذي يشغل منصب وكيل جامعة حلب في المناطق المحررة للشؤون الإدارية والطلاب: ” بدأت الدول في الفترة الأخيرة تقود حملة تطبيع مبطنة مع النظام الأسدي، وكانت رائدة هذه الحملة هي السعودية، لأكثر من سببٍ، منها هو خوفها من تهريب المخدرات وتوابعها إلى الدول الخليجية وعلى رأسها المملكة، خاصة أن الشعب السعودي مهيأ لذلك، وهي تعي تماماً مغبة تصنيف أمريكا سياسياً للنظام الأسدي، بأنه من أكثر الأنظمة المهربة والمصدرة للمخدرات”.

ويتابع كورج: “إضافة إلى ذلك، وهو الأهم بنظري، بدأت تلوح رؤى تطبيع عند الكثير من الدول وعلى رأسها السعودية مع النظام الأسدي، والتوجه من خلاله نحو حل سياسي وفق القرار 2254، وكان من أهمها دعوته لحضوره القمة العربية المرتقبة في أيار القادم بالسعودية، هذا إن تحقق، فهو بمثابة هدم وتخطٍ وتجاوز لكل التضحيات  والدماء، التي قدمت من أجل نيل الحرية، ونسفٍ لحياة الاف الشهداء والمعتقلين والمهجرين خلال اثنتي عشرة سنة، ذاقوا فيها ويلات العذاب والاضطهاد، وهي إن دلّت على  شيء، تدلّ على استبداد الأنظمة العربية الموجودة وتقاربها في سدة الحكم”.

ويرى كورج أن وجود الأسد بصورة حقيقية في الجامعة العربية، بغض النظر عن دعوته، يُعدّ عند أنصاره بمثابة صعود في سلم الانتصار، فحلمه العودة للجلوس وأخذ مكانه في الجامعة العربية، وهذا ما لا يرضى به أبناء الشعب السوري، ومستعدٌ لأن يذوق الويلات عشر سنوات أخرى، على أن يعود النظام المجرم للتحكم بالشعب السوري الحر مهما وصلت به الأمور”.

التطبيع لا علاقة له بمفاوضات جنيف

الدكتور محمد نور حمدان مدير مركز مناصحة: “عمليات التطبيع لن يكون لها علاقة بمفاوضات جنيف أو اللجنة الدستورية، التطبيع مع النظام يجري ضمن عملية سياسية كبيرة في المنطقة تشمل تركيا وإيران والدول العربية وسوريا”.

ويضيف حمدان: “طبعاً هذه العملية مرتبطة بالحرب بين روسيا وأوكرانيا، وما يجري في العالم من اصطفافات جديدة، التطبيع مع النظام بالنسبة للدول العربية لا يمكن أن يجري الا ضمن موافقة أمريكية، وكذلك التقارب السعودي الإيراني”.

الدكتور حمدان لا يرى أفقاً لعودة النظام الأسدي إلى الجامعة العربية قريباً، لذلك يقول: “أما عودة سوريا النظام إلى جامعة الدول العربية فهي مستبعدة، لأن اعتراض أي دولة لا يمكنها من العودة، وعلى الأغلب ستبقى قطر حالياً ضمن صف الرافضين لعودة نظام الأسد إلى الجامعة العربية”.

ويعتقد حمدان: “هذا التقارب هو مجهول العواقب على اعتبار ارتباطه بموافقة الدول الكبرى، وأمريكا لا تزال تمسك العصا من الوسط بين النظام والمعارضة، ولا يمكن أن يكون هذا التقارب هو عودة الاستقرار لسورية، لأن عودة الاستقرار مرتبطة بذهاب النظام، واللاجئون لا يمكن لهم العودة بوجوده”.

مضيفاً: “ربما سياسياً نجح النظام بفك عزلته ضمن صفقات دولية لا نعرفها، ولكن، لا يزال أكثر من نصف الشعب السوري مهجراً إما تهجيراً داخلياً أو خارجياً، ولا يزال الاقتصاد السوري في مناطق النظام منهاراً ولا يمكن أن تستقر سوريا إلا بعملية سياسية تضمن ذهاب النظام مع رأسه”.

هزيمة السعودية في اليمن وراء التطبيع

الكاتب أنس الخطيب

الناشط السياسي والكاتب أنس الخطيب يجيب على سؤال نينار برس قائلاً: “إعادة التموضع الإقليمي في أعقاب وصول الحزب الديمقراطي إلى الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية والحرب الروسية الأوكرانية، تأتي التحركات السعودية نحو إيران وروسيا وبعض حلفائهما في المنطقة، ويبدو أن هزيمة المملكة في اليمن، وفشل سياساتها في كل من سوريا ولبنان والعراق، عوامل أسهمت بشكل كبير في الاستدارة السعودية السريعة، حيث وقعت اتفاق مصالحة مع إيران برعاية صينية، دونما خطوات إيرانية باتجاه تصحيح المواقف، التي أدّت إلى الأزمة في العلاقات بين البلدين”.

ويضيف الخطيب: “ما سبق يشير إلى أن الاتفاقات السعودية الجديدة مع إيران وحلفائها في المنطقة هي اتفاقيات إذعان، ترغب من خلالها السعودية بالتخلص من المخاطر والتهديدات الأمنية، التي باتت تحيط بها من كل جانب، بدايةً من صواريخ الحوثي، وليس انتهاءً بمخدرات النظام السوري وحزب الله اللبناني، في مقابل تطبيع العلاقات وعودة المساعدات السعودية على الأقل إلى الدول التي تسيطر عليها إيران، دونما تغيير في واقع النفوذ على تلك الدول، إلا بالمقدار التي تسمح به حكومة الولي الفقيه”.

وبرأيه: “النظر في سياقات وملابسات تحولات السياسة السعودية مهم جداً للإجابة على سؤال: إذا ما كانت المملكة قادرة على فرض شروطها، التي تتداولها بعض وسائل الإعلام، أو تتغطى بها الدبلوماسية، لتبرير السياسات الجديدة نحو إيران والنظام السوري، ورغم أن الحديث عن النظام السوري، إلا أن إيران هي الحاضر الأقوى عند الحديث عن هذا النظام”.

ويناقش الخطيب الأمر من زاوية أخرى فيقول: “وإذا سلّمنا فعلاً بأن السعودية تطالب النظام بالانخراط في العملية السياسية في مقابل التطبيع والعودة إلى الجامعة العربية، فإن هذه المطالب هي جزء من خطاب سياسي معتاد بعيد عن الممارسة السياسية، حيث إن السعودية ليست معنية بتحول ديمقراطي في سوريا، إن لم نقل إنها تعادي مثل هذا التحول، كون النموذج الديمقراطي مُعدٍ وغير مرغوب، ويتيح الفرصة لقوى الربيع العربي وما يسمى “الإسلام السياسي” لعودة قوية، وهو ما لا ترغب به قيادة المملكة، ولا تريده بطبيعة الحال”.

ويعتقد الخطيب أنه: “ولو افترضنا أن شرط الانخراط في العملية السياسية، موجود على طاولة المفاوضات السعودية مع النظام السوري، فإن الأخير غير مستعد للدخول في هذا المسار، وإذا ما دخله سيعمل على تفريغه من مضمونه، ويستمر في المناورة وإغراق الآخرين في التفاصيل، دون تقديم أي تنازل يذكر”.

موضحاً أنه” تدور أحاديث عن شرط سعودي آخر، يتعلق بتعاون النظام في ملف مكافحة تهريب المخدرات، إلا أن النظام بطبيعة الحال، ليس في وارد العمل الجدي على تفكيك منظومة المخدرات، حتى لو امتلك القدرة على معالجة هذا الملف، فالمخدرات أصبحت مصدر تمويل للنظام وقيادات ميليشياته، فإذا ما حاول أن يعالجه بشكل جدي، سيدخل في حالة صراع بيني تزيد من تآكله، وأمام هذا السيناريو المخيف له، سيفضل الاستفادة من هذا الملف عبر ابتزاز المملكة”.

ويرى الخطيب أن “سياسة الابتزاز تلك يواظب عليها النظام مع الكثير من الدول والقوى في الإقليم وحول العالم، ولا يبدو أنه سيتخلى عنها، بدليل استضافته لمهرجان لعصابات “الحوثي” في دمشق قبل أيام، في وقت كانت السعودية تسرّع خطوات التطبيع معه، ولن يعجز النظام عن إيجاد المبررات لما يقوم به، وللمملكة تجارب سابقة معه، وبطبيعة الحال فإنه لن يتوقف عن الإضرار بها، وسينتهز كل فرصة للانتقام منها، فإرث السنوات السابقة التي اتسمت بالعداء بين الجانبين سيبقى حاضراً في سياساته”.

ويتابع الخطيب حديثه فيقول: “هنا لابد من التنويه لكل الجهات التي تريد التطبيع مع النظام، أن هذا النظام لا يتنازل بسهولة ويجيد المراوغة، وأن كل محاولة لتحصيل مصالح تلك الجهات من النظام لن تنجح إلا بالإرغام، وهو ما لم تقم به أي جهة حتى اللحظة، ولذلك كان الفشل وسيبقى هو مصير تلك المسارات، والثمن مزيد من الوقت، الذي تنتشر فيه الفوضى وتزداد خطورة عصابات المخدرات، وميليشيات العنف الطائفي التي تستهدف أمن وسلامة دول وشعوب المنطقة دون أي رادع، وبلا حسابات لاستقلال الدول في الإقليم، فالنظام بات جزءً من منظومة ولاية الفقيه الدينية القومية العابرة للحدود، والمصدرة لثورة الخميني كنموذج يجب أن يسود المنطقة”.

خطوة مقابل خطوة

الإعلامي رياض الخطيب وهو مؤسس ورئيس تحرير موقع داماس بوست يجيب على سؤال نينار برس قائلاً: “خطوات التطبيع بين السعودية وإيران تشمل شروطاً وطلباتٍ يقوم الطرفان بتنفيذها خطوة مقابل خطوة، وهناك طلبات سعودية تتعلق بسورية لم يعرف ما هي حتى الآن، ويتوقع أن الاسد عاجز عنها، علاوة على أن الحل والربط بيد أميركا وهي رافضة للتطبيع حالياً، بل وتعمل على تطبيق العقوبات على كل من يطبّع مع النظام”.

ويضيف الخطيب: “الدول العربية وجدت نفسها مضطرة لإعادة العلاقات مع بشار، لعدة أسباب: أولاً خوفها من وجود عراق آخر، وثانياً، من أجل منع تهريب المخدرات، وثالثاً عودة النازحين وموضوع إعادة الإعمار”.

ويعتقد الخطيب أن ما يخص قرار 2254 فالجميع ينادي بتطبيقه، وحالياً مؤجل هو واللجنة الدستورية بسبب حرب أوكرانيا. وبرأيه أن أسباب التطبيع تكمن فيما ما يلي:

  1. السعودية لها سببان، الأول إيقاف الكبتاغون حيث أضرّ بـ %89 من شعبها، الثاني إيقاف تسليح إيران للحوثيين مقابل عودة النظام لجامعة الدول العربية.
  2. الإمارات ولديها ثلاثة أسباب، أولاً، تعتبر ثورات الربيع تهديداً لكيانات الحكام، ثانياً، قطع الطريق على تركيا كون تركيا مناكفة لها بكل شيء، ثالثاً، تنظر لنفسها العراب في الشرق الأوسط.
  3. الأردن: السبب تدهور الاقتصاد وايقاف المخدرات. أما باقي الدول تحصيل حاصل، ومنها دول مطبّعة من قبل مع النظام.
  4. بنفس الوقت ينطبق هذا على تركيا، فالأسد ليس هو صاحب القرار في تطبيع علاقاته مع تركيا، لذا تبدو محاولات تركيا للتطبيع هي مجرد محاولات لترسيخ الدور التركي في المعادلات السياسية الخاصة بالحل السياسي، وهي ورقة لا يملك النظام اتخاذ قرار فيها، حيث تقف إيران بالمرصاد ولهذا أصرت على انضمامها للمحادثات التي ترعاها روسيا، فصارت محادثات رباعية، وهذا يساعدها على عرقلة أي توافقات تضعف تركيا في سورية”.

ويتابع الخطيب كلامه: “السؤال الذي يجب طرحه: ماذا تستفيد الدول التي تسعى للتطبيع اقتصادياً وسياسياً؟! وهل بمقدور نظام مرتهن أن يقدم أي شيء خارج إرادتهما؟!.

الجواب، النظام لا يمكنه اتخاذ قرارات بهذا الحجم سياسياً، فإذا لم تضمن إيران وروسيا المحافظة على مصالحهما، ولم تضمن موافقة أمريكية فكل شيء سيكون بلا قيمة حقيقية، وان طال عمر معاناة الشعب السوري. بقي أن نقول: هل ستنجح الدول بدعوة نظام الأسد للقمة العربية التي ستعقد أواخر أيار؟! هذا السؤال جوابه في الأيام القادمة، فهل هي حبلى بالمفاجآت؟!.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني