التدخّل العسكري في سوريا: هل سيشكّل الأتراك استثناءً؟
برز دور التدخّل العسكري الخارجي في سوريا بالتزامن مع تنامي ظاهرة كل من “جبهة النصرة” و”داعش” -التنظيمان المسجلان في قوائم الإرهاب- وانتشار سيطرتهما على مساحات واسعة من سوريا، ابتداءً من العام 2013.
ذلك التدخّل كان مطلباً رئيساً من مطالب المتظاهرين منذ بداية الحراك السلمي لحمايتهم من رصاص وقصف النظام، وعارضه الأخير بشدّة واعتبره تدخلاً سافراً وانتهاكاً لسيادة الدولة واستغلّه لاتّهام المعارضين بالتآمر والخيانة مراراً وتكراراً، ما دفع “هيئة التنسيق الوطنية للتغيير الديموقراطي” لتتبنّى مبدأ “لا للتدخّل العسكري الخارجي” ضمن ما عرف بمبادئ (اللاءات الثلاث) التي ضمت أيضاً “لا للتجييش الطائفي والمذهبي، ولا للعنف وعسكرة الثورة” متجنّبة بذلك اتهامها بالخيانة.
وخلافاً لمطالب الثائرين، جاء التدخّل ليصبّ في مصلحة النظام بصورة مباشرة، كونه كرّس ادّعاءات الأخير في وصف الثوار بـ “جماعات إرهابية مسلحة”، مع استمراره في شجب التدخّل الخارجي بوصفه “انتهاكاً لسيادته”.
وباستثناء إيران وميليشياتها التي ساندت النظام وشاركته في قتل السوريين منذ الأيام الأولى للثورة، والروس الذين أسهم تدخلهم العسكري المباشر في سوريا، منذ نهاية أيلول/ سبتمبر 2015، في استعادة نظام الأسد غالبية المناطق السورية التي خسرها في السابق؛ تمتعت المعارضة السورية بدعم مجموعة من الجهات الحكومية الدولية.
وأدّت الولايات المتحدة الأمريكية مع حلفائها الأوروبيين دوراً دبلوماسياً بارزاً في تسهيل جمع البلدان الداعمة للمعارضة تحت مظلات متعددة، بما في ذلك ما يسمى بـ ”مجموعة أصدقاء سوريا“.
وفي حين كانت الولايات المتحدة داعمة في البداية لفوز المعارضة بالكامل في سوريا من خلال الإطاحة بنظام الأسد، إلا أنها راحت تركّز لاحقاً على مواجهة التهديد القائم والمتزايد بالنسبة لها ألا وهو خطر “داعش”.
فصار للتدخّل الأمريكي أيضاً دور كبير في إجبار الفصائل المدعومة من قبله على تحويل الحرب باتجاه تنظيم داعش بدلاً من النظام، وأتبعها بالتخلّي عن فصائل الجنوب ما أسهم في تسليم درعا للروس والنظام.
وحتى في دعمها لـ “قسد” خلال حربها ضد داعش، لم تتدخل أمريكا في علاقة تلك القوات مع نظام الأسد الذي يشاركها السيطرة والإدارة في مدينتي الحسكة والقامشلي ويتقاسم معها النفوذ في محافظتي الرقة ودير الزور.
إذن، فالنظام استفاد فعلياً من الأمريكان عبر سيطرته على مناطق لم يكن ليحصل عليها لولا تدخلهم لدعم قسد وإخراج داعش من تلك المناطق.
وبالمقابل، شكّل الفريق المعارض لنظام الأسد الحلقة الأضعف من تلك المعادلة؛ خصوصاً بعد التدخّل الروسي الذي كانت ذريعته “محاربة التنظيمات الإرهابية في سوريا”، والذي استهدف جميع تشكيلات الفصائل المعتدلة والمدنيين والبنى التحتية دون أن يشكل تهديداً يذكر ضد داعش أو النصرة.
أما بالنسبة لتركيا، فأهداف تدخّلها تختلف تماماً عن الروس والأمريكان، كونها دولة إقليمية وعلى تماس مباشر بما يحصل في الداخل السوري.
ويستند التدخل التركي عموماً على مبدأ التصدّي لتهديد الأمن القومي لتركيا، المتمثل بعدوه التقليدي “حزب العمال الكردستاني- pkk” وجناحه السوري “حزب الاتحاد الديموقراطي- pyd”، والذي بات يشكّل خطراً ملموساً يتهدد حدود تركيا الجنوبية عقب سيطرته على كامل الشريط الحدودي الفاصل بينها وبين الشمال السوري، بحلول العام 2016.
وشاءت الظروف السياسية والعسكرية أن تتقاطع أهداف الدولة التركية مع طيف واسع من السوريين المعارضين للأسد. فاشتركت فصائل المعارضة مع تركيا في تنفيذ العمليات الثلاث ضد “قسد”: درع الفرات 2016، وغصن الزيتون 2018، ونبع السلام في شرق الفرات 2019.
وهنا تجدر بنا الإشارة إلى نقطة بالِغة الأهمية وغابت عن أذهان العديد من متابعي تطورات الحدث التركي على الساحة السورية.
أغلب الظن أن تركيا شعرت مبكراً بخطورة ما يتهدد أمنها عند حدودها الجنوبية في الوقت الذي كانت تتحكم بالساحة السورية أربع قوى رئيسة، تمثلها فصائل المعارضة المقربة من تركيا، وقوات الأسد مع حليفيها الروسي والإيراني، وقسد المدعومة من أمريكا، ورابعاً داعش.
ولضرب مخطط الـ (PKK) المتخفّي بهيئة “قسد”، كان الأتراك مجبرين على جذب الروس إلى طرفهم قبيل انطلاق أولى العمليات، “درع الفرات”، التي بددت حلم (روجافا)، لتتبعها بـ “غصن الزيتون” وتؤمن حدودها.
لكن، وبمجرد انتهائهم من عملية “نبع السلام” في شرق الفرات، بدأت تلوح في الأفق نهاية شهر العسل بينهم وبين والروس.
فيبدو أن الأتراك أدركوا عدم سماح الروس لهم باستكمال إنشاء نقاط المراقبة في المناطق التي تم الاتفاق عليها في مؤتمر سوتشي الأخير، وبأنهم المقصودون من تلك الهجمة.
وجاء استهداف الجنود الأتراك ومقتلهم بقذائف النظام، ليزيل حالة الشك عن نوايا الروس في إحراج تركيا وإخراجها من مناطق الثوار وزيادة ضغط النازحين على حدودها.
كل هذا دفع تركيا للإسراع بإنشاء العديد من نقاط المراقبة وإدخال مختلف صنوف الأسلحة والآليات الحربية الثقيلة والدفع بأكثر من 15 الف جندي من جنودها إلى إدلب، وإعلان الحرب ضد الروس ونظام الأسد.
فهل سيستفيد ما تبقّى من السوريين في إدلب من تدخّل الأتراك بحجم ما استفاد النظام من تدخل بقية الدول في الحرب السورية؟
يبدو أن المؤشرات الأولى توحي بذلك، على الرغم من تأخّرها.