fbpx

التحشيد العسكري الأمريكي في الخليج.. هل يتجرع الخامنئي كأس السم؟

0 2٬322

أعلنت القيادة المركزية للقوات البحرية الأمريكية “المارينز” يوم الإثنين 7 آب وصول أكثر من 3000 بحار وجندي إلى الشرق الأوسط ضمن خطة أعلنها البنتاغون في وقت سابق.

وقالت القيادة في بيانها إنّ” هذه العناصر من مجموعة باتان البرمائية (ARG) والوحدة الاستكشافية البحرية 26 وصلوا إلى الشرق الأوسط كجزء من خطة أعلنت عنها وزارة الدفاع مسبقاً”.

وأضاف البيان “دخلت السفينة الهجومية البرمائية ( LHD 50) USS BATAAN البحر الأحمر بعد عبورها البحر الأبيض المتوسط عبر قناة السويس”مشيراً إلى أنّ “هذه السفن تجلب معها إلى المنطقة أصولاً جوية وبجرية إضافية، بالإضافة إلى المزيد من مشاة البحرية والبحارة الأمريكيين، ما يوفر قدراً أكبر من المرونة والقدرات البحرية للأسطول الخامس الأمريكي”.

وأوضح أنه “يمكن للسفينة الهجومية البرمائية أن تحمل أكثر من 20 طائرة ذات أجنحة دوارة وثابتة، بما في ذلك طائرات إم في 22 أوسبري وطائرات هارير الهجومية بالإضافة إلى العديد من سفن الإنزال البرمائية”.

وذكر أنّ “منطقة عمليات الأسطول الأمريكي الخامس تشمل ما يقرب من 2.5 مليون ميل مربع من المساحة المائية وتشمل الخليج العربي وخليج عمان والبحر الاحمر وأجزاء من المحيط الهندي وثلاث نقاط حرجة في مضيق هرمز وقناة السويس ومضيق باب المندب”.

ولم يكن نشر تلك القوات الأمريكية الجديدة في الشرق الأوسط الأول ولن يكون الأخير وإنما أتى تعزيزاً للانتشار الأمريكي النوعي في المنطقة وقد سبقه وصول طائرات F35 و F22 ونشر المزيد من طائرات F16.مع دخول غواصة نووية يو إس إس فيرجينيا وحاملة الطائرات أبراهام لنكولن وغيرها من الأسلحة النوعية، والرسالة واضحة أنّ الولايات المتحدة باقية في المنطقة ولن ترحل عنها.

أيضا الإعلان عن تحرك ووصول قطع عسكرية إلى منطقة عبر وسائل الإعلام يحمل الكثير من الرسائل، لأنه بالإمكان إخفاء تلك التحركات ليس عن الإعلام فقط بل حتى عن أجهزة وأدوات الرصد الاستخباري.

ولعمليات الانتشار تلك تكاليف مادية وأثمان سياسية وليست عروضاً إعلامية، وتجري بتخطيط وتعاون بين كثير من أجهزة الدولة، وبالطبع لهذا الحشد أهداف محددة ينبغي تحقيقها.

لا ينبغي أن يغيب عن البال الإستراتيجية الأمريكية شبه المعلنة وهي هزيمة الاتحاد الروسي هزيمة منكرة وإسقاط نظام حكم الرئيس بوتين بسبب سلوكه العدواني وتحديه للنظام الدولي الغربي، ومحاصرة الصين وتوجيه الرسائل لها أنّ أي غزو صيني لجزيرة تايوان سيواجَه بأشدّ مما تم مواجهة بوتين به عندنا غزى أوكرانيا.

بالطبع لا ترى الولايات المتحدة في إيران عدواً نوعياً أو منافساً محتملاً، ولا ترى في كل المشروع الإيراني ما يهدد جوهر مصالحها في المنطقة، بل إنّ التخادم مع هذا المشروع تم بشكل واضح منذ الغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق بعد ضربات 11 ايلول 2001.وكان قبله يجري التخادم بعد 1979 بشكل أقلّ وضوحاً حيث يُعتبر وجود الثورة الإيرانية كعدو نوعي للاتحاد السوفييتي الشيوعي، إضافة إلى إنهاك المنطقة عبر مشاريع تصدير الثورة الإيرانية للجوار وجعل دول الخليج أكثر ارتهاناً للحماية الأمريكية بعد تخويفها بالبعبع الإيراني.

لا ترى الولايات المتحدة في نظام ولاية الفقيه أكثر من نظام مارق ديني مُدجّج بالسلاح عابر للحدود الوطنية للدول، يمكن احتواءه و/أو توظيفه ويمكن تَحمّل واستيعاب بعض تحرشاته وتخرصاته.

وأظنّ أنّ التوظيف الإستراتيجي الأمريكي لنظام الملالي في الشرق الأوسط وغرب آسيا قد استنفذ أغراضه بعد أحداث التدمير والفوضى بالمنطقة وهزيمة السلفية الجهادية السنية المتطرفة مقابل السلفية الشيعية بل حتى تم توظيف بعض الفصائل السنية لخدمة المشروع الايراني (حركة حماس مثلاً) ولم تعد الولايات المتحدة تخشى سيناريو سني آخر شبيه ب11 ايلول 2001 ولم تعد لتلك التيارات أي حواضن اجتماعية حقيقية وهرب معظمها إلى افريقيا كداعش والقاعدة وما يرتبط بهما من جماعات محلية كبوكو حرام النيجيرية وحركة الشباب الصومالية وغيرهما، كما أنّ البعبع الايراني أسهم إلى حدّ كبير في توقيع معظم الدول العربية السنية لاتفاقيات سلام مع دولة الاحتلال علناً أو مواربة أو في طريقها للتوقيع، بمعنى لم تَعد ترى دول المنطقة وشعوبها أنّ عدوها الأول هو إسرائيل بل إيران ومعهم كل الحق في ذلك نظراً لأفعال إيران الإجرامية خلال العقدين ونيّف من الألفية الجديدة.

قد يكون التوظيف الأمريكي للمشروع الجهادي الشيعي المسلح سيبدأ من جديد في شرق آسيا وقد هيأت له الولايات المتحدة منذ عامان بانسحابها من أفغانستان وتركها أسلحة حديثة لحركة طالبان بقيمة أكثر من 100 مليار دولار (وفق التصريحات الرسمية الأمريكية ) ولاحظنا منذ مدة قريبة ارتفاع منسوب التوتر بين طالبان والحرس الثوري الإيراني وحدوث عدة صدامات دموية سوف تزداد نوعاً وكماً بالمستقبل القريب إضافة لاستعمال الحرس الثوري لورقته الذهبية داعش خراسان في المنطقة، والبدء بتحضير المسرح الباكستاني بعد إقالة رضا خان (صاحب الهوى الإيراني) من رئاسة الوزراء واعتقاله بتهم فساد ومحاكمته والحكم عليه، حيث يرى مراقبون أنّ باكستان في طريقها للتحول إلى سوريا ثانية بشرق آسيا وبجوار بؤر توتر هائلة كامدة الآن من كشمير إلى تركستان الشرقية وصولاً إلى عمق الاتحاد الروسي.

ومن المعروف أنّ الحرس الثوري الإيراني أجهض الرغبة الأمريكية بعد وصول الرئيس بايدن للبيت الأبيض بالوصول لاتفاق نووي جديد مع أمريكا، وأخذ قراراً خطيراً بتحدي الناتو حيث دخل بتعاون عسكري مع موسكو بحربها على أوكرانيا وصار مشهد المسيرات الانتحارية الإيرانية شاهد 136 مألوفاً في ضرب مدن أوكرانية متعددة بل ويتم العمل على إنشاء مصنع لتلك الطائرات في روسيا نفسها.

والانخراط العسكري الإيراني إلى جانب الروس خط أحمر غامق أمريكي لا يمكن السماح به والتغاضي عنه ولابد من تراجع إيران عن ذلك.

ولابد لها من توقيع اتفاق نووي (ولو مؤقت) خوفاً من عدم نجاح الولايات المتحدة بكبح جماح إسرائيل عن استهداف البنى التحتية النووية داخل إيران وإشعال حرب بالمنطقة لا تخدم الأهداف الأمريكية الحالية بصراعها مع الروس بل تخدم الرئيس الروسي كثيراً وتُتيح له متنفساً وإضعافاً للتركيز الغربي على الجبهة الأوكرانية وصبّ الكثير من الجهود على إطفاء الحرائق التي ستشتعل في المنطقة ولا يمكن التكهن بمداها.

وتزايد في العامين الماضيين عمليات الاختطاف أو الاعتداء على السفن التجارية في الخليج العربي وتهديد أمن الملاحة عبر مضيق هرمز فتم اختطاف أو الاعتداء على ما يقارب الـ 20 سفينة وناقلة نفط، وهذا يُضرّ بهيبة الولايات المتحدة عالمياً والتي تعهدت بحماية طرق الملاحة الدولية مقابل اعتماد الدولار الأمريكي كعملة عالمية وتسعير النفط به.

وإن عزم الأسطول الأمريكي على نشر مجموعات من المارينز على سطح ناقلات النفط والسفن التجارية ماهو الا عزم امريكي على وقف التهديدات الإيرانية. ورقم الـ 3000 عسكري جديد الذين تم الزجّ بهم في الخليج العربي رقم كبير إذ أنّ الولايات المتحدة تُسقط كل قوتها على اكثر من ربع مساحة سورية وتمنع الاقتراب منها بأقل من 1000 عسكري أمريكي، ويعلم الإيرانيون حجم المخاطر من تحدي الإرادة الأمريكية فقد جربوها عام 1988، بعد استهداف الحرس الثوري الإيراني لأكثر من 200 ناقلة نفط خلال عامان ونشر ألغام بحرية في مياه الخليج ومضيق هرمز لإعاقة الملاحة (وكانت تلك التحرشات الإيرانية الورقة الوحيدة المتبقية بيد نظام الملالي لتسجيل انتصار على الرئيس العراقي الراحل صدام حسين بإيقاف الدعم الخليجي له) حينها أصاب أحد الالغام البحرية زورقاً حربياً أمريكياً وكاد ان يُغرقه، فاتخذ الرئيس الأمريكي رونالد ريغان قراره بشنّ عملية فرس النبي، حيث تمكنت البحرية الأمريكية وسلاح الجو من تدمير نصف البحرية الإيرانية خلال 12 ساعة فقط، وبالتالي أدّت تلك العملية إلى نزع الورقة الأخيرة من يد الخميني الأمر الذي اضطره بتاريخ 8/8/1988 إلى تجرّع كأس السم والإعلان عن قبوله قرار مجلس الامن الدولي بوقف الحرب العراقية الإيرانية التي دامت 8 سنوات.

بالطبع البوصلة الأمريكية في الصراع الدولي والتحشيد في اي مكان هو هزيمة روسيا أولاً وإخراجها من أية منطقة تتواجد فيها أو ممكن أن تؤذي الولايات المتحدة عبر أحد حلفائها، ويمكن أن يكون إضعاف إيران وعدم السماح لها برفع أسعار الطاقة والتي يعبر 20% منها يومياً من مضيق هرمز، وإعطاء الثقة والأمان للحلفاء في المنطقة والذين بدؤوا يفكّرون بالاتجاه شرقاً، ومنع دولة الاحتلال الإسرائيلي والتي تحكمها اليوم أسوا حكومة يمينية متطرفة في تاريخها من مغامرة عسكرية مع إيران ليست توقيتها مناسب لأمريكا واخلط أورقاً متعددة، وإرغام إيران على توقيع اتفاق نووي جديد ولو مؤقت ومنعها من التعاون العسكري مع موسكو عبر إرغامها على ذلك سلماً أو كُرهاً.

لا أعتقد أنّ الإيرانيون سيختارون سيناريو عملية فرس نبي ثانية وسيخضعون للمشيئة الأمريكية بدل التعرض للجحيم الأمريكي.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني