fbpx

الباحث السوري عصام خوري لـ نينار برس: فشلَ النظامُ السوري والإسلام السياسي في خلق حالة انسجام مجتمعية بين السوريين

0 333

البحث عن بديل فكري/ سياسي أمرٌ في غاية الأهمية لمسار الثورة السورية، فالنظام السوري المغلق على نفسه لم يستطع البتة أن يكون قاعدة توافق مجتمعي سوري، وكذلك حال تيارات الإسلام السياسي بشتى مسمياتها، والتي فشلت هي الأخرى على اشتقاق مفهوم المواطنة المتساوية بسبب رؤيتها للآخر غير العادلة.

نينار برس التقت السيد عصام خوري “كبير باحثي بلاد الشام في المركز التشيكي السلوفاكي للدراسات المشرقية”، ومؤسس مركز التنمية البيئية والاجتماعية في نيويورك، ومؤلف كتاب “أنا والأسد”، ووضعت أمامها أسئلتها فكان هذا الحوار.

س1- الثورة السورية وبعد انطلاقتها السلمية، لوحظ تراجع حضور التيار الديمقراطي فيها، وهذا أثّر على مسارها وقدرتها على إنجاز مهامها.

كيف يستطيع هذا التيار استعادة حضوره السياسي والشعبي بين السوريين وخصوصاً في مناطق سورية المختلفة؟ ما الوسائل والأدوات التي ترونها ضرورية لإنجاز ذلك؟

يجيب الأستاذ عصام خوري على سؤالنا الأول ويقول:

الديموقراطية لا تنمو في بيئات مشوّهة، الديموقراطية تنتعش في مناخ حرٍّ قائمٍ على الحوار بدون قيود.

 في ظل عائلة الأسد كانت التيارات الديموقراطية، أو ما يسمّى الأحزاب التي تدعي الديموقراطية تمارس العمل السري، وكانت مهمة الأمن التوغل في تلك التنظيمات ومحاولة خرقها، مما يعني أن تلك التنظيمات لم تنضج لنستطيع تسميتها تيارات ديموقراطية، وأكبر تأكيد على ذلك أنها لم تمارس يوماً تداولاً للسلطة “الحكم الرشيد”، لا بل على العكس، كان هناك استئثار بالمناصب لعقود طويلة من قبل نفس القياديين، وقسم منهم كان ينسّق مع الأمن ضمن مناورة السماح لتنظيمه او لحزبه العمل، وبالحقيقة هذا يلغي قيم العمل الديموقراطي.

ويتابع خوري حديثه:

الأمر ذاته عند التنظيمات التي ادعت الديموقراطية، وهادنت سلطات الأمر الواقع في المناطق الخارجة عن سلطة الأسد، والتي نسميها اليوم مناطق محررة، ولكنها في الحقيقة لا تزال حتى اليوم تعيش نفس النهج البعيد كل البعد عن الحريات، مثالاً: الأقليات في مناطق إدلب مهدورة الحقوق، والكثير من نشطاء الثورة من الأقليات ملكياتهم مغتصبة من سلطات الامر الواقع، وهؤلاء لا يتجرؤون على العمل في التنظيمات السياسية.   

في ظل هكذا جنون، لا يمكن للتنظيمات الديموقراطية أن تنمو، وما نشاهده بالحقيقة أفراداً ديموقراطيي الهوى، وهؤلاء كثرٌ ويحتاجون إلى التنظيم، وهو أمر نعمل عليه بهدوء، كي لا تتضرّر هذه الخلايا التي يعوّل عليها صناعة سوريا المستقبلية.  

ولكن السيد عصام خوري يستدرك قائلاً:

بالتأكيد لدينا آلياتنا لتنظيم الحراك الديموقراطي عندما تسنح الأمور، كما لدينا بنك أهداف للشخصيات الواعدة، والتي تمتلك كاريزما الحضور الاجتماعي، وأهم عامل في تنامي هكذا تيار عند إعلانه، هو فشل التيارين الديكتاتوريين “النظام السوري، الإسلام السياسي” في خلق حالة انسجام مجتمعية، وأمن، واستقرار اقتصادي، واجتماعي، وثقافي.

لذا انا لست متشائماً حول مستقبل سوريا البعيد، ولكني على يقين أن هذا المستقبل فيه الكثير من المخاض، وقد يستغرق عقوداً لخلق مصالحات مجتمعية، تنهي حالة الشرذمة المجتمعية التي تعيشها مناطق سوريا المختلفة.    

س2- يسعى الائتلاف الوطني السوري إلى توفير شروط الاستقرار العام في الشمال السوري المحرر، مثل وجود أمن داخلي حقيقي وقضاء مستقل عادل.

هل تعتقدون أن بمقدور الائتلاف الوطني العمل على لعب دور الحوكمة السياسية في هذه المناطق؟ وما الظروف اللازمة لتمكين الحكومة السورية المؤقتة من ممارسة سلطتها الإدارية كطرف وحيد في هذه المناطق؟

يقول السيد عصام خوري في إجابته على سؤالنا الثاني:

التقينا مع عددٍ من قياديي الائتلاف وهم مميزون كأفراد، ولكن الائتلاف كتنظيم لا ينتهج معايير الحكم الرشيد، لأنه يكرر نفس الشخصيات منذ تأسيسه، وفي الحقيقة توجد اليوم تطورات في العلوم السياسية، تفرض على السياسي المحترف تجهيز فريق تقني قادر على مواكبة التطورات العلمية والتكنولوجية كي يستطيع تقديم الجديد والمميز لجمهوره ولشعبه، وهذا الأمر غير متوفر عند الائتلاف، وعندما نعرض الخدمات مجاناً على قيادييه يرحبون، ويعدون بالتواصل، ولكنهم لا يتصلون، والسبب غير معلوم لنا، وهذا الحقيقة معضلة لأنه يلغي الثقة بيننا كأكاديميين وباحثين نسعى الخير لبلدنا، وبين جسم سياسي يُفترض أنه يمثلنا، فما بالك بجمهور شعبي كبير في مناطق درع الفرات ونبع السلام لا يمتلك الصبر على حلّ مشاكله.

ويضيف خوري:

لذا أظن أن مهمة الائتلاف محكومة بالفشل، إلا إذا غيّر طريقة تعاطيه السياسي والإداري، وطبعاً تغيير الطريقة السياسة قد تفرض جدلاً مع المانحين الماليين، لأن الولاء الأول والأخير للائتلاف هو للشعب السوري، ومن غير المقبول أن يتحول القادة فيه إلى موظفين ضمن أجندات المانحين.

ويرى خوري: من هنا أهم أولوية عند سياسيي الائتلاف هو الطلب من المانحين قطع التمويل عن التنظيمات المسلحة، والتعاون مع الوسيط التركي لتوحيد جميع التنظيمات المسلحة في جسم عسكري موحد، ينبثق عنه جهاز شرطة يخلق الاستقرار في مناطق درع الفرات ونبع السلام.

أيضاً على سياسيي الائتلاف التحاور مع سياسيي مناطق شمال شرقي سوريا، لهدف منع الصدام السوري-السوري، وضمان الأمن القومي التركي، وقطع الطريق على أية تفاهمات بين جيش النظام السوري وقوات سوريا الديموقراطية، تطبيقاً للخطة “مسارات متوازية” التي اقترحناها لحل الأزمة السورية، والتي لاقت اهتماماً من عدة أطراف دولية وأكاديمية، وللأسف لم نسمع أي رد من الائتلاف الوطني حولها رغم أهميتها.

س3- باعتباركم تقيمون في الولايات المتحدة الأمريكية منذ سنوات. هل تعتقدون أن قانوني قيصر والكبتاغون ومشروع قانون مناهضة التطبيع مع نظام أسد كافية لإجباره على الانصياع لتنفيذ القرارات الدولية الخاصة بالقضية السورية، وفي مقدمتها القرار 2254؟

يجيب السيد خوري على سؤالنا الثالث بـ كلمة لا، ويستطرد قائلاً:

هذه القرارات مهمتها الرئيسية التأكيد على عدم أهلية الديكتاتور في المجتمع الدولي، ولكنها لن تقصي الديكتاتور من السلطة عبر انتقال سلمي كما نص القرار 2254، الطريقة الوحيدة لإجبار الأسد للخضوع للقرار 2254، هو عبر إعطاء الشرعية الدولية للمناطق الخارجة عن سلطته، وليتم ذلك الأمر على جميع السلطات في تلك المناطق التكاتف في جسم تفاوضي واحد، ونسيان الخلافات التي تذكيها العصبيات القومية والدينية المدعومة من قوى إقليمية.

س4- النظام الأسدي لا يملك حلّاً للخروج من مأزقه الاقتصادي والعقوبات التي تطارده، مما يهدّد وجوده فعلياً. هل ترى أن حليفيه الإيراني والروسي قادران على سدّ عجزه الاقتصادي في مواجهة ظروفه الكارثية؟ وهل العجز الاقتصادي سيدفعه في ظل غياب دعم حليفيه إلى تقديم تنازلات سياسية جوهرية تقود إلى تنفيذ القرار 2254 بصورة مقاربة؟

يقول السيد عصام خوري في إجابته على سؤالنا الرابع:

حوّل الأسد الابن مناطقه الى كانتونات محكومة من عصابات، وحوّل فرق جيشه الى خلايا سرقة متحالفة مع مليشيات تحترف التهريب وزراعة الحشيش، هذا السلوك حوّل الدولة السورية إلى مؤسسات هامشية معترف بها دولياً، لذا الأسد في أضعف مراحله، ومن الواجب على المعارضين استغلال هذه الفرصة لبناء تفاهمات تعزز الثقة بينهم، كي ينهضوا بجسم سياسي قادر على انتزاع الاعتراف الدولي من الأسد، وفي حال نجحوا بذلك لن تكون روسيا او إيران مهمة.

فالروس قوة دولية وتبني علاقاتها على المصالح، أي من الممكن أن ترسم إطار مصالح جديد مع المعارضة في حال انتصرت المعارضة.

أما الإيرانيون فهم سعيدون بالفوضى في مؤسسات النظام السوري لأنها مكنتهم من التوغل في كل مؤسسات هذا النظام.

ويضيف خوري: وعلى المعارضة إن انتصرت يوماً أن تنظّف حالة الفوضى التي خلقتها إيران في مؤسسات النظام وهذه الفوضى هائلة، ومن الواجب علينا كأكاديميين وباحثين المساعدة في رسم آليات الانتقال التدريجي، وهو ما سنوضح في الجزء الثالث من خطة “مناطق متوازية”، التي نشرنا القسم الأول منها لتكون بمتناول النقاشات العامة، ومن تلك النقاشات بدأنا في صياغة المرحلة الثانية من الخطة، التي بحسب وجهة نظري، هي أكثر الخطط الواقعية التي عرّت المشهد السوري ورسمت آفاقاً من الممكن تطبيقها على الأرض، وهو ما أزعج الإيرانيين وحلفاءهم.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني