الانتخابات في سورية الجديدة.. استحقاقات وتحديات
يتردد الحديث اليوم في الشارع السوري بعد تحرير البلاد من الطغاة والغزاة عن شكل ونظام الحكم وعن المؤتمر الوطني والهيئة التأسيسية والاستحقاق الدستوري والانتخابات، وحيث أن هذه الاستحقاقات تتطلب المشاركة الشعبية باعتبار أن الشعب مصدر السلطات، وتعتبر من أهم حقوقه الأساسية السياسية والمدنية في إدارة البلاد على مستوى اختيار الحاكم واختيار أعضاء البرلمان واختيار ممثليهم في الإدارة المحلية، وهي حق لكل مواطن سوري وواجب عليه وكي لا يُحرم هؤلاء المواطنون من حقوقهم لابد أن تتوفر الآليات القانونية والأدوات التنفيذية والرقابية للمشاركة في المؤتمر الوطني وانتخاب الهيئة التأسيسية، لتضفي الشرعية الشعبية على مخرجات المؤتمر العام سواءً لجهة شرعية تشكي الهيئة التأسيسية أو لجهة الإعلان الدستوري الذي ستعمل على إعداده أو تشكيل الحكومة الانتقالية.
وتعد الانتخابات الناجحة عاملاً حاسماً لإقرار الشرعية السياسية في البلدان الساعية إلى التحول نحو الحكم الرشيد وتتطلب الانتخابات من الناحية القانونية ما يلي:
آليات دستورية وقانونية: وهي وجود دستور للبلاد وقانون انتخابات وقانون أحزاب.
آليات تنفيذية: وجود حكومة تقوم بتشكيل هيئة الانتخابات وتشكيل اللجان الانتخابية وتشكيل لجنة إعداد السجل الانتخابي العام الذي يقتضي إعداد سجل الأحوال المدنية وسجلات مكتب الإحصاء المركزي.
آليات الرقابة: وهي من أعمال السلطة القضائية، والبرلمان، ومنظمات المجتمع المدني.
من حيث إمكانية الالتزام بمعايير نزاهة الانتخابات:
من أهم معايير نزاهة الانتخابات أن تكون للمنتخبين الحرية باختيار ممثليهم وحق الانتخاب الشامل، وإجراءات التسجيل المفتوحة، والاقتراعات المؤمنة، وحق الدخول إلى مواقع التصويت للجميع، وهيئات إشرافية مستقلة، والحريات الأساسية للكلام والتعبير والاجتماع.
عدم التمييز بين أفراد الشعب على أساس الدين أو الرأي أو الانتماء السياسي.
سرية الانتخاب أو الاستفتاء بالاقتراع العام المباشر، المتساوي، بصورة حرة وفردية، ولا يجوز ممارسة هذا الحق بالوكالة.
تحديد السن القانوني للانتخاب والترشح: يتمتع بحق الانتخاب أو الاستفتاء كل مواطن أتم الثامنة عشرة من عمره، وفي أنظمة بعض الدول تمنح الحق لمن بلغ سن الحادية والعشرين من عمره.
السجل الانتخابي العام:
يعد التسجيل في السجل الانتخابي العام حقاً أساسياً ومسؤولية فردية لكل مواطن تتوفر فيه شروط ممارسة حق الانتخاب بموجب أحكام هذا القانون، وله أن يطلب تسجيل اسمه في السجل الانتخابي، وله التحقق من تسجيل اسمه إن لم يكن وارداً فيه.
يتم إعداد السجل الانتخابي العام على مستوى الجمهورية العربية السورية من قبل وزارة الداخلية بالتنسيق مع وزارتي العدل والإدارة المحلية والمكتب المركزي للإحصاء.
يجب أن يتضمن السجل الانتخابي العام البيانات الآتية عن كل ناخب: الاسم الثلاثي الكامل. اسم الأم ونسبتها. الجنس. مكان وتاريخ الولادة. مكان الإقامة الدائم. الرقم الوطني. رقم ومكان القيد المدني.
تتم مراجعة السجل الانتخابي العام مرة واحدة في بداية كل عام، للإضافة أو الحذف أو التعديل كما تتم مراجعته قبل مدة شهرين على الأقل من موعد أي استحقاق انتخابي.
على اللجنة القضائية العليا التأكد من تحديث وتدقيق السجل الانتخابي العام قبل شهرين على الأقل من أي عملية انتخابية.
تحديد النظام الانتخابي: تختلف الأنظمة بحسب شكل ونظام الحكم بين النظام الرئاسي وشبه الرئاسي، وبين الملكي والملكي الدستوري، وبين الرئاسي والنيابي، وكان قانون الانتخابات السوري قد اعتمد نظام “الدوائر الانتخابية” و”عدد المقاعد” حيث اعتبر أن أراضي الجمهورية العربية السورية تعد دائرة انتخابية واحدة لغرض انتخاب رئيس الجمهورية والاستفتاء.
وتجري الانتخابات لعضوية مجلس الشعب على أساس الدائرة الانتخابية، وينتخب في كل دائرة عدد من المرشحين يساوي عدد المقاعد المخصصة لها.
تعد كل محافظة دائرة انتخابية بالنسبة لانتخاب ممثليها أعضاء لمجلس الشعب عدا محافظة حلب التي تتكون من دائرتين انتخابيتين هما: دائرة مدينة حلب، دائرة مناطق محافظة حلب.
اللجنة القضائية وغياب المرجع الأعلى للقضاء:
تشكل لجنة قضائية تسمى ’’اللجنة القضائية العليا للانتخابات‘‘ مقرها دمشق، تتولى إدارة الانتخابات والاستفتاء، والإشراف الكامل على انتخابات عضوية مجلس الشعب ومجالس الإدارة المحلية، واتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لضمان حرية ممارستها وسلامتها ونزاهتها، وتتمتع بالاستقلال في عملها عن أي جهة أخرى.
تتألف اللجنة من سبعة أعضاء يسميهم مجلس القضاء الأعلى من مستشاري محكمة النقض، ومثلهم احتياطاً، ويصدر مرسوم بتشكيلها، وتحديد مكافآت أعضائها.
أعضاء اللجنة غير قابلين للعزل، وإذا شغر مكان أحد أعضائها لأي سبب من الأسباب حل بدلاً منه الأقدم من القضاة الاحتياط.
تمارس اللجنة مهامها واختصاصاتها باستقلال تام وحيادية وشفافية ويحظر على أي جهة التدخل في شؤونها ومهامها أو الحد من صلاحياتها.
تأمين الانتخابات:
توكل مهمة تأمين الانتخابات الى وزارة الداخلية.
التحديات:
التحديات الدستورية والقانونية: مع إلغاء العمل بالدستور تعتبر بحكم المُنحل كل السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية، وتعتبر بحكم المنحلة الأدوات والآليات الدستورية المرتبطة بوجود الدستور وجوداً أم عدماً، ومنها المحكمة الدستورية، الهيئة العليا للانتخابات، البرلمان الحكومة مجلس القضاء الأعلى ومحكمة النقض، كما تعتبر ملغاة كل القوانين الناظمة لعمل الأحزاب والجمعيات وقانون الانتخابات.
التحديات التنفيذية: مع تهجير أكثر من نصف الشعب السوري وتدمير ممتلكاته وتدمير المؤسسات الرسمية وحرق وإتلاف السجلات الرسمية وخاصة سجلات الأحوال المدنية والسجلات العقارية، وقيام النظام بوقف العمل بهذا السجلات منذ سنة 2012 حتى سنة 2020، وبسبب الملاحقات الأمنية والأحكام القضائية الجائرة، وبسبب فقدان وتلف الوثائق الشخصية لكثير من السوريين، لم يتم تسجيل وقوعات الأحوال المدنية الطارئة من زواج وطلاق ونسب ووفيات وولادات وفقدان واكتساب الجنسية، وانعدامها لكثر من السوريين الذين لم يتمكنوا من تسجيل أحوالهم المدنية في السجل المدني العام الذي يعتبر المصدر الأساسي والوحيد لاكتساب حقوق المواطنة والالتزام بالواجبات الوطنية ومنها الحق بالترشح والحق بالاقتراع.
وحيث أنه ثبت ونت خلال رصدنا للانتخابات لتي كان يقوم بها النظام البائج قيامه بتزوير السجل الانتخابي العام بما يخالف بيانات مكتب الإحصاء المركزي الذي من كان المفترض أن تكون بياناته متطابقة مع بيانات السجل المدني العام وحيث أن السجلات المدنية في سبع محافظات من المحافظات السورية معطلة لمدة عشر سنوات، ما يعني عدم تسجيل وقوعات الزواج والطلاق والولادات والوفاة فيها، وحيث ثبت فقدان ومقتل أكثر من مليون سوري من المعتقلين، وهناك أعداد كبيرة من المفقودين الذين لم يعرف مصيرهم حتى اليوم، كما يتطلب الأمر معرفة حجم عمليات تجنيس الأجانب من الإيرانيين وغيرهم من المرتزقة. كما يتطلب الأمر إعادة النظر في قرارات النظام السابق الخاصة بحرمان المواطنين من الحقوق المدنية والسياسية وأن من أولى الأولويات في المرحلة القادمة معالجة هذه القضايا وبالتالي إعادة النظر بالسجل الانتخابي العام والسجل المدني العام وبيانات المكتب المركزي للإحصاء فبالتالي فإن هذه السجلات لا تصلح للبناء عليها في إجراء أي عملية انتخابية وإجراء إحصاء عام.
وحيث أن التصويت على الدستور يحتاج لإقراره إجراء استفتاء عام والاستفتاء العام هو من حق جميع السوريين وينظم قانون الانتخابات أحكامه وقانون الانتخابات مرتبط حكماً مع قانون الأحزاب وهذا يتطلب إيجاد البدائل الدستورية والقانونية لتشريع الحلول لهذه التحديات حيث سيكون المؤتمر العام بديلاً للبرلمان والهيئة التأسيسية بديلاً عن اللجنة الدستورية، والإعلان الدستوري بديلاً عن الدستور والحكومة الانتقالية تقوم بإعداد القوانين الخاصة بالأحزاب والانتخابات، وتشكيل الهيئات واللجان الانتخابية والقضائية والرقابية وبالتالي فإن الحديث عن الانتخابات قبل القيام بهذه الخطوات سابقاً لأوانه من الناحية القانونية والواقعية.