الاحتلال الإيراني لسورية زائل ويتقلص
كان نظام الأسد الأب من أول المرحبين بوصول الخميني إلى السلطة في طهران عام 1979، فقد رأى في النظام الإيراني حليفاً استراتيجياً له، يسهم في إعادة إحياء نظرية تحالف الأقليات ضد الأغلبية للاستئثار بالسلطة، إذ كانت هذه النظرية، قد أصيبت بعطب كبير بعد توقيع الرئيس الراحل أنور السادات لاتفاق السلام مع إسرائيل وإخراج مصر من محور الحرب عليها.
فقد أمنت إسرائيل لعدم قدرة العرب على شن حرب بدون مصر، وبالتالي لم تعد مهتمة كما في السابق بتطبيق توصيات بن غوريون بإضعاف المحيط العربي السني المعادي لإسرائيل كأولى أهداف الاستراتيجية الإسرائيلية والغربية عموماً، خاصة بعد وصول الخميني إلى السلطة في إيران وبروز خطر خلافة دينية شيعية في المنطقة.
تميزت سنوات الأسد الأب بتمكين إيران من إنشاء منظمات إرهابية جديدة تتبع للحرس الثوري الإيراني ودعم حركة أمل اللبنانية وإتاحة المجال لها بحرية العمل في لبنان عسكرياً وأمنياً تحت رقابته، والسماح لها بتمدد ديني وثقافي ضمن المجتمع السوري. وكان التغلغل الإيراني في المجتمع السوري بطيئاً لكنه مستمر.
كشف أمين عام حزب الله بلبنان مؤخراً عن إنشاء فيلق القدس بقيادة قاسم سليماني لغرفة عمليات مشتركة مع النظام السوري في نهاية 2010 عند حدوث أولى ثورات الربيع العربي في تونس لمواجهة أية تحديات يمكن أن تصل للعشب السوري الجاف عبر الشرر المتطاير من تونس ومصر، ولم تكن روسيا بعيدة عن تلك الغرفة.
ازداد الدور الإيراني العسكري بسورية بعد القمع المفرط الذي واجه به النظام ثورة الشعب السوري السلمية، ما اضطر السوريين لحمل السلاح والدفاع عن أنفسهم، وبدا واضحاً عجز جيش النظام وميليشياته عن الاحتفاظ بالسيطرة على الأرض وبدأت المناطق تخرج عن سيطرة النظام بتسارع مذهل، عكس حقيقة ضعف بنية النظام السياسية والأمنية والعسكرية.
أوعز الحرس الثوري إلى ميليشيات حزب الله بالتدخل بشكل مباشر تحت شعارات واهية، وكانت معركة احتلال القصير أوضح الصور التي خرجت للعلن عن دخول الحرس الثوري بشكل مباشر في الحرب وليس عبر مستشارين أو دعم لوجستي وعسكري.
استمر التدخل الإيراني إلى جانب قوات النظام وأخذ أشكالاً أخرى حيث تم استجلاب مقاتلين شيعة من أفغانستان وباكستان وتأسيس ألوية لهم، إلى جانب إحضار فصائل شيعية عراقية بكامل هيكليتها، ودرءاً لبعض الإحراج مول ودرب فيلق القدس ميليشيات سورية وألحقها بقوات النظام كرديف أو رأس حربة في المعارك تبعاً لخصوصية وظروف كل منطقة أو معركة.
لم يأت العام 2015 إلا وكانت ميليشيات فيلق القدس متعددة الجنسيات وميليشيا جيش النظام على وشك الانهيار وخسارة الحرب.
بعد توقيع الاتفاق النووي بين إيران والـ 5+1 تم إغراق جيوب إيران بالمال وتم استدعاء التدخل الجوي الروسي وحدث ما حدث بعد ذلك من تغير موازين القوى، حيث أمن الغطاء الجوي الروسي وبسياسة الأرض المحروقة التي يتميز بها الروس وعبر ميليشيات فيلق القدس وميليشيا النظام من استعادة كثير من الأراضي إلى أن وقفت خطوط القتال على شكلها الراهن في بداية ربيع 2020.
بدأت دول المنطقة وأوربة تشعر بالخطر المحدق بها من تنمر الوحش الإيراني المنفلت من أي قوانين أو معايير دولية، والذي تمكن من السيطرة على القرار السياسي بعواصم عربية أربع، وفتك بالمجتمعات المضيفة ودمر بنية تلك الدول عبر تقوية ميليشياته العابرة للحدود وبات حلم أتستراد إيران البري أمراً واقعاً من طهران إلى بغداد فدمشق ومن ثم إلى بيروت والسواحل السورية على المتوسط أمراً واقعاً.
لم تستفد أوربة من التعامل بإيجابية مع إيران بمساهمتها بالوصول للاتفاق النووي، حيث أثبت المشروع الإيراني أنه المصدر الرئيس لثالوث المهاجرين والإرهاب والمخدرات الذي يهدد أمنها. وكانت دول المنطقة تعاني من التحرشات بها وتهديد أمنها القومي، وكانت ذروة عمليات فيلق القدس في السنتين الأخيرتين هي الاستهداف المتكرر لأراضي المملكة العربية السعودية ومنشآتها الحيوية وتهديد الملاحة التجارية في الخليج العربي، ومحاولة تثبيت أو ترسيخ وجود إيران في الدول التي احتلتها أو صادرت قرارها السياسي ثم الانطلاق إلى تحقيق حلمها الإمبراطوري بالتوسع في دول جديدة.
ما يهمنا في هذا المقام سورية، حيث تمثل واسطة العقد في محور إيران الإقليمي، وأي حديث عن ضرب محور إيران الإقليمي لا يبدأ من سورية لن يكتب له النجاح.
لم تثمر الضربات الجوية الإسرائيلية المستمرة منذ عام 2016 حتى الآن عن ثني إيران عن زيادة انتشارها وتموضعها في الأراضي السورية، حيث ما يهم إسرائيل عدم السماح بتخزين أو مرور أسلحة دقيقة إلى حزب الله اللبناني، وأخيراً طفت على السطح أخطار الطيران المسير وما يقال عن أماكن لتجميع أجزائه في سورية.
تروج البروباغاندا الإعلامية الإيرانية إلى انسحاب أمريكي من سورية، أسوة بالانسحاب من أفغانستان وسحب القوات القتالية من العراق، وتروج أيضاً لقرب التوصل لاتفاق نووي جديد مع أمريكا والمجموعة الدولية.
إلا أن الدلائل على الأرض تقول غير ذلك، حيث تعاني أذرع إيران العسكرية في الدول الأربع من ضعف عسكري ظاهر، ورفض شعبي لوجودها مدنياً، فقد خسرت فصائل الحشد الموالية لها في العراق الانتخابات البرلمانية ولن تكون في الحكومة المقبلة، وفشل هجوم الحوثي على مأرب ومن المتوقع حدوث انهيار سريع لقواته، وقيادة حزب الله للبنان أوصلته إلى وضع كارثي معيشي واقتصادي وسياسي معروف. أما عن نظام الأسد فلم يجن من الانتصار الذي يدعيه سوى العواصف، وتدفقت الأموال العربية التي كان يحلم بها إلى عدوه اللدود التركي، فالانفتاح العربي والخليجي على تركيا لا تخطئه عين، سواء كان اقتصادياً أم سياسياً وربما عسكرياً واستراتيجياً في المستقبل المنظور.
مؤتمر المجموعة الدولية المصغرة حول سورية
سيعقد في بروكسل مؤتمر المجموعة الدولية المصغرة حول سورية، وقد انضم لها في مؤتمر روما الذي عقد في الصيف الماضي بحضور تركيا وقطر، والذي يعكس الحراك العربي والإقليمي الذي تم العمل عليه منذ مطلع العام، حيث لم يعد هناك محوراً قطرياً – تركياً متنافساً ومتصارعاً أحياناً مع المحور الآخر، وكان يتم من بعضهم وضع المحور القطري – التركي في خانة أصدقاء إيران، تغير الحال الآن، فما يتبلور الآن، أن العرب والترك في نفس المحور المناهض لإيران المدعوم أمريكياً وأوربياً، وسيتم التأكيد على مرجعية الحل السياسي وفق قرارات الأمم المتحدة، ويبدو واضحاً أن الولايات المتحدة لن تقدم سورية (كما فعلت سابقاً في 2015) كعربون لتوقيع اتفاق نووي ليس مؤكداً حتى الآن الوصول إليه.
يعقد هذا المؤتمر في ظل رفض لعودة شغل النظام مقعد سورية في الجامعة العربية، والإفراج عن قرارات ليست ذات أهمية، باستثناء بعض الأنشطة من عقوبات قانون قيصر، كحصول النظام على حصة عينية من الغاز المصري وليس أموال نقدية، والتعافي المبكر وعمل بعض المنظمات غير الحكومية بدعم الصحة والتعليم والطاقة بشكل محدود إضافة للسماح للنظام باستيراد النفط مما يسمى قوات قسد (والذي كان يأتي تهريباً).
ستصب كل قرارات مؤتمر بروكسل في إطار محاربة الوجود العسكري الإيراني في سورية.
مؤتمر هام أيضاً في الولايات المتحدة
سيعقد مؤتمر هام في التاسع 9 من الشهر الجاري في عاصمة القرار الدولي واشنطن، ستقيمه منظمة “مواطنون من أجل أمريكا آمنة” وهو بمثابة ورشة عمل تحت عناوين، منها الوجود الإيراني في سورية وتأثيره على الاستقرار في المنطقة، ومواجهة اي تطبيع مع نظام الأسد.
سيعقد المؤتمر في مبنى الكونغرس، وستحضره شخصيات أمريكية فاعلة بصنع القرار السياسي الأمريكي، تدرك جيداً الأجواء السائدة حالياً، وتوجه الإدارة الأمريكية المستقبلي، وسيكون من ضمن الحاضرين رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ والسيناتور الثاني في اللجنة وعدد من الشيوخ والنواب من لجان الاستخبارات والموازنة ومجموعة سورية في كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وأيضاً إيثان غولدريتش مسؤول الملف السوري في الخارجية الأمريكية، إضافة الى مسؤولين سابقين كالسفير جيمس جيفري والسيد فرد هوف بالإضافة إلى باحثين ورؤساء أقسام سورية في عدد من مراكز البحث والدراسات الأمريكية.
سواء تم الاتفاق النووي أم لم يتم، وباعتبار أنه غير مرتبط بملف الوجود الإيراني في سورية، واستناداً إلى سحب كميات هائلة من أسلحة الجيش الأمريكي من العراق وتخزينها في سورية، والتي من الممكن وصولها وتخزينها في قاعدة التنف، واستناداً لجو المصالحات العربية – العربية والعربية – التركية، وسماع بعض التصريحات الأمريكية في مؤتمر المنامة وغيره من وزيري الدفاع والخارجية وانعقاد المؤتمرين الأخيرين في بروكسل وواشنطن، فإنه يمكن التكهن بخطط أمريكية لدعم إقليمي ومحلي للبدء بطرد الاحتلال الميليشياوي الإيراني وهو الأمر الذي لن ينج من تداعياته النظام السوري باعتباره أحد الأذرع الإيرانية المتوجب بترها.