الإخفاء القسري سلاح الجبناء
يحل اليوم العالمي لضحايا الاختفاء القسري وآلاف السوريين مفقودين ومختفين قسرياً، وذلك من خلال استخدام نظام أسد الإخفاء القسري كسلاح وحشي يواجه به معارضيه، ووسيلة لكم الأفواه وقمع أي محاولة للتغيير في جمهورية الرجل الواحد.
وفقاً لمنظمة العفو الدولية فإن ضحايا الاختفاء القسري هم أشخاص اختفوا فعلياً عن أحبائهم ومجتمعاتهم، وذلك بالقبض عليهم من قبل مسؤولي الدولة أو أي شخص يعمل بموافقة الدولة، يقبض عليهم في الشارع أو من منازلهم ثم ينكرون هذا الأمر أو يرفضون الكشف عن مكان وجودهم، ولا يخضع عادة ضحايا الاختفاء القسري لمحاكمات حتى عندما تتولى عملية الاختفاء أجهزة رسمية.
هذا وتتفرع عن جريمة الإخفاء القسري جرائم شتى، كالتعذيب وانتهاك الكرامة وعمليات الابتزاز وقد يحكم عليهم بالموت بشكل مباشر دون الإقرار بأي معلومات عنهم، ليُترك ذويهم بحالة بحث دائم دون معرفة أدنى تفصيل عن مفقوديهم، الذين ربما باتوا في عداد الأموات، لتتعلق حالتهم النفسية والاجتماعية بورقة يصدرها النظام تثبت وفاتهم بأحسن الأحوال.
هي إحدى أدوات النظام غير الأخلاقية وغير الإنسانية، التي يستخدمها ويتعمد ألا يقتصر تأثيرها على الضحية فقط وإنما يتعداه إلى أسرته ومحيطه الاجتماعي والمجتمع بأكمله، فتتحول حالة انعدام الأمان إلى وسيلة ترهيب يستخدمها النظام لترسيخ سلطته، من خلال بث الخوف والرعب، ومن تجاوز ذلك الحاجز فمصيره زاوية في إحدى زنازين النظام، لتغص سجونه بمعتقلي الرأس والكلمة والموقف، ويكون ملف المعتقلين السوريين الأكثر إشكالية وحساسية نظراً لبعده الإنساني، ولطريقة التعاطي معه كملف فوق تفاوضي دون وجود آلية بديلة للمطالبة بمعرفة مصير المعتقلين والمغيبين قسراّ، أما بالنسبة للنظام فهذا الملف غير موجود أصلاً وذلك لإنكار النظام وجود معتقلين لديه وحتى رفض الحديث عنهم.
الشبكة السورية لحقوق الإنسان وبمناسبة اليوم العالمي لضحايا الاختفاء القسري أصدرت تقريراً جاء في تفاصيله أن ما لا يقل عن 111907 شخص مغيب قسراً بينهم 3041 طفل و 6642 سيدة جلّهم لدى حكومة النظام تم اعتقال أغلبهم في سنوات الثورة الأولى بسبب كثافة الحراك الثوري وانتشار المظاهرات على الأراضي السورية كافة.
هذا العدد المخيف من المغيبين قسراً يعري نظام الإجرام ويكشف أكاذيبه حول مراسيم العفو التي يصدرها والتي بلغت عشرين مرسوم كان آخرها المرسوم رقم 7 الذي فضح أكاذيب النظام بإنكاره وجود معتقلين بسجونه بعد تجمع أهالي المعتقلين بالآلاف منتظرين خروج أبنائهم ومطالبين بمعرفة مصيرهم.
هذا المرسوم الذي وصفه رئيس المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية المحامي أنور البني بأنه حبر على ورق فقد بلغ عدد المفرج عنهم بموجب العفو 500 من أصل 111000 مع الإشارة إلى أن معظم المفرج عنهم ممن أنهوا فترة حكمهم أو أتموا تسوية أوضاعهم بموجب التسوية التي فرضتها روسيا.
إن الاختفاء القسري جريمة ضد الإنسانية وانتهاك خطير لحقوق الإنسان بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية وبموجب الإعلان العالمي لحقوق الانسان وكذلك القرار 2474 الذي أصدره مجلس الأمن إزاء قضية المفقودين نتيجة النزاعات المسلحة للكشف عن مصيرهم في مناطق الصراع كافة.
وأيضاً في سوريا رغم عدم وجود قانون يجرم الإخفاء القسري إلا أن النصوص الدستورية (غير المعمول بها) تعتبر الحرية حقاً مقدساً، وعلى الدولة أن تكفل للمواطنين حريتهم وكرامتهم.
المادة 53: لا يجوز تحري أحد أو توقيفه إلا بقرار صادر عن سلطة قضائية مختصة.
المادة 54: الاعتداء على الحرية الشخصية والحريات العامة جريمة يعاقب عليها القانون.
بالإضافة للالتزامات المنصوص عليها بالمواثيق والعهود الدولية، التي وقعت عليها الدولة السورية مثل الاتفاق العالمي لحقوق الإنسان واتفاقية مناهضة التعذيب والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، بناءً على هذه المواثيق فان الدولة السورية ملزمة بتكييف قوانينها الوطنية بما يتلاءم مع مضامين تلك المواثيق وبالتالي الالتزام بها.
كل تلك المواثيق والعهود بما فيها مواد الدستور السوري تكسرت على صخور المراوغة والكذب التي يتبناها النظام كسياسة تعامل مع ملف المعتقلين المنكر لوجوده لا بل ورفض الحديث عنه رغم انتشار أدلة تدينه، من صور قيصر إلى حفرة التضامن وغيرها من الجرائم التي ارتكبها النظام على مرآى ومسمع من العالم دون اتخاذ إجراءات رادعة بحقه.
مر اليوم العالمي لضحايا الاختفاء القسري ولازال النظام يمارس إجرامه بإخفاء معارضيه والتنكيل بهم.
ولازال يتصدر بجدارة قوائم العصابات التي تمارس الانتهاكات والجرائم ضد الإنسانية.
لذلك فان الضمان الوحيد لتحقيق العدالة في سوريا هو رفض مصالحة العصابة الحاكمة ومواجهة أي محاولة لإعادة تأهيلها.
في هذا اليوم لابد من مواجهة الصمت العالمي والمطالبة بتطبيق القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة، وإجبار نظام الأسد وسلطات الأمر الواقع المنتشرة على الأراضي السورية كافة، بالكشف عن مصير المعتقلين في سجونهم، ودخول بعثات تفتيش أممية إلى جميع السجون والأماكن المشتبه بها وإنقاذ من تبقى قبل أن تتم تصفيتهم.
كما أنه يجب تسليط الضوء على المنظمات الحقوقية العاملة على توثيق الانتهاكات وتقديم الدعم اللازم لما لعملية التوثيق من أهمية بتحقيق العدالة والمحاسبة.
أخيراً الشفاء الوحيد للوعة قلوب السوريين هو القصاص من كبار مجرمي حرب النظام على شعبه، فرغم أهمية المحاكمات التي تقوم بها بعض الدول بحق عدد محدود من مجرمي الحرب الأسدية ممن تنطبق عليهم أحكام المسؤولية الجنائية الفردية لكنها ليست العدالة التي ينشدها السوريون طالما بقي بشار الأسد ودائرته الضيقة بمنأى عن أي استهداف سياسي أو قانوني.