fbpx

الأولويات في إعادة الإعمار

0 22

تمهيد:

كثرت في الأسابيع الماضية الأخبار السارّة بانفراج الشدّة على السوريين برفع العقوبات، وتدفّق وعود الاستثمارات لإعادة الإعمار. ونأمل من الله أن ما نسمعه حقيقة وينفع الناس. وتقول التقديرات إن سورية تحتاج الى 400 مليار دولار لإعادة إعمارها. وهو مبلغ ضخم جداً، ولن يأتي كلّه دفعةً واحدةً، إذا جاء ربعه على الأكثر

نحن الشعب ونحن حماة الدولة:

لهذا فإننا بصفتنا مواطنين متضررين، ومنتفعين أيضاً فإننا نطالب الحكومة الانتقالية بالإصغاء إلى أصحاب الحقّ وحملة الأسهم، وهم نحن السوريون. سورية الجديدة لكلّ السوريين ونحن نؤيدها، وسوف ندافع عنها، ونحميها من كل أعدائها، من الفلول، ومن الإيرانيين، ومن عصابات البككه، ومن إسرائيل وغيرهم، من أجل بناء دولة الحرية والديمقراطية، التي قامت من أجلها الثورة السورية، وإعادة إعمارها بما يناسبنا ويحفظ كرامتنا.

أولويات حسب المنهجية:

هذا العنوان يعني أن إعادة الإعمار يجب ألا تكون مثل “بيع الجملة” (حط وشيل)، ليشمل كل شيء بأسلوب عصري وشامل ومزيّف، كما يسوق. إنه عمل يحتاج إلى تحضير طويل واستثمارات هائلة ويستغرق وقتاً طويلاً. الاحتياجات الإنسانية للمواطنين واللاجئين والنازحين لا يجوز تأجيلها طويلاً. فهي حاجات ملحّة وأساسية تخدم رفاهية السوريين، حتى ولو لم تكن كاملة. ويمكن تقسيم جهد إعادة الاعمار إلى ثلاثة أقسام: الأول هو:

1- التطوير الواسع من الإعمار في المدى المتوسط والطويل ثمّ القسم الثالث هو:

2- الحماية الاجتماعية للبشر (وليس الحجر) على المدى الطويل بدءاً عام 2025 وما بعده.

مقترح المجلس الأعلى للإعمار:

وبكل الأحوال فإنّ الحكومة الانتقالية لوحدها غير قادرة على رسم الأولويات وتنفيذها أيضاً بالصورة المثالية لأسباب إدارية وسياسية. وبما أنه لا يوجد مجلس شعب منتخب، فإنه من المنطقي أن نقترح إنشاء “المجلس الأعلى لإعادة الإعمار والنهوض الاقتصادي” (بمثابة مجلس تخطيط) لرسم خطة مستقبل الوطن وتحديد الأولويات.

وفيما يلي تسلسل الأولويات في الأقسام الثلاثة:

القسم الأول: الإصلاح: وأسميناه الإصلاح لأنه أولوية عاجلة في جهود إعادة الإعمار. وهذا يقوم بانتهاج إصلاح كل ما يمكن إصلاحه من المساكن والمرافق العامة وإعادتها إلى وضعها السابق فقط. وهذا لن يستغرق أكثر من ثلاث سنوات، عند وجود عزيمة حكومية واضحة. وبالطبع ستكون التكلفة المالية لهذه الأولوية من جهود إعادة الإعمار ولن تزيد عن 40 مليار دولار لهذا القسم في أعلى التقديرات لوجود مشاركة في التكلفة بين الأهالي والدولة، خاصّة في السكن. أما المرافق العامة فستكون من مسؤولية الدولة وحدها. وهنا لا ينصح بإدخال الاستثمارات الخاصة أو الأجنبية في هذا الإصلاح السريع.

(بإعادة إعمار المدمّر إلى وضعه السابق فقط، للفترة 2025-2027)

أولاً: أولوية إصلاح السكن لعودة اللاجئين والنازحين

هنالك الملايين من السوريين اللاجئين والنازحين الذين فقدوا أملاكهم ودُمّرت مساكنهم كليّاً أو جزئيّاً. وهؤلاء ينتظرون فرصة العودة ليعمّروا ما دُمّر. ويأملون بوجود خطة حكومية مالية وقانونية لمساعدتهم.

لهذا فإن أولوية إعادة اللاجئين هو الأولوية رقم واحد. وتحتاج إلى خطّة طوارئ قصيرة المدى لا تتجاوز ثلاث سنوات، بقصد إعادة إعمار سريع للمساكن، إصلاح فقط، لإعادتها إلى وضعها السابق فقط، بتكلفة على ميزانية الحكومة لن تزيد عن 20 مليار دولار، للإسكان فقط. وهي ستكون من أجل تسهيل عودة اللاجئين والنازحين بأقرب فرصة ممكنة.

خطة طوارئ قصيرة الأجل:

خطة طوارئ قصيرة ستتم بالتعاون بين الحكومة، والمنظمات والمجتمع الدولي، والأفراد العائدين أنفسهم. عودة اللاجئين والنازحين هي سند الدولة البشري. وهم الكنز الاقتصادي بما لديهم من خبرة قديمة ومكتسبة وما حصلوه ونمّوه من أموال واستثمارات في بلاد الاغتراب. بقناعتي إن العودة السريعة لهؤلاء هي بحدّ ذاتها سوف تعزز الأمن والاستقرار، وتعجّل بإعادة الإعمار والنهوض الاقتصادي.

ومن مكونات خطة الطوارئ هذه ما يلي:

1- إعلان خطة الطوارئ للعودة:

يعتبر هذا الإعلان الحكومي لبرنامج العودة هو بمثابة إطلاق صفّارة السباق لكل الأجهزة بالتعاون لتسهيل مهمة عودة اللاجئين. وأعتقد إنه من الضروري أن يتضمن بداية خطوات إدارية وقانونية تتعلق بالشخص العائد ذاته مثل: أ- إلغاء جميع الأوامر والعقوبات المفروضة عليه من النظام السابق بسبب انتقاده للنظام، ب- الإعفاء من جميع الضرائب والرسوم الجمركية على عودته، وفي حالة جلب بصحبته عائلته ومقتنيات منزله مهما كبرت، ج- والإيعاز لمراكز الحدود بتسهيل دخول مركبته وإعفائها من الرسوم وتسجيل كل المواد غير الشخصية فقط للمعلومات. هذه الخطوات الإدارية، حتى لو كان لها تأثيرات مالية على موارد الحكومة فهي مقبولة كتكلفة اجتماعية تتحملها الدولة لتسهيل العودة الطوعية لأبنائها.

وخطة الطوارئ هذه تقوم على منهجية التحفيز والتعاون الإنساني الوطني أكثر ما يقوم على الدفعات المالية الحكومية. وبالطبع هذا البرنامج ليس بديلاً عن الخطة العامة للنهوض الاقتصادي. وهذا الجزء من الإعمار الداخل ضمن برنامج الطوارئ هذا يركز على إعادة بناء مساكن اللاجئين والنازحين المدمّرة وتجهيز ما يلزمها من البنية التحتية. وهذا الجزء (من مهمة إعادة الإعمار) المستعجل المحصور بإعادة البناء يفترض أن يستغرق عاماً واحداً وليس أكثر من عامين، لإن إعادة اللاجئين تعتبر مقدسة للدولة إنسانياً واستراتيجيّاً واقتصاديّاً. وهو ينتهج فلسفة إعادة بناء المساكن إلى وضعها السابق حصراً بدون تغييرات عمرانية وسكانية جديدة.

2- صندوق مشترك لإعمار المساكن الاصلية:

رحل نظام الأسد وخلّف بعده بلداً مدمّراً وخزينة دولة خاوية. ولهذا نستطيع إعذار الحكومة للتأخر في إعادة اللاجئين بسبب شحة الموارد المالية. وربّما اقتراحنا لهذا الصندوق سيفتح باباً أمام الحكومة للبدء باستعادة مواطنيها. هذا الصندوق ليس مصرفاً تمويليّاً بالمعنى المعروف، وإنّما علاقة تشاركية بين العائد والدولة، إذ إن العائد سوف يساهم من موارده أو من أسرته بنسبة قد تصل الى 40% من تكلفة البناء. أي بما فيه أي مساعدة مالية من المنظمات المحلية والدولية أو أي جهة كانت. بينما الدولة سوف تتكفل بتمويل ما يصل إلى 60%. ويجب على البلديات والمحليات إعداد تقرير هندسي فنّي عن حالة الدمار في السكن، وتقديرات أولية إعادة بناءه ليكون صالحاً للسكن أو البدائل المتاحة. وهذا التقرير الهندسي سيكون وثيقة معتمدة لكلّ التعاملات القادمة. ويجب أن يركّز التقرير على هدف إعادة بناء المسكن إلى وضعه السابق تحديداً فقط بمعرفة وإشراف صاحب المسكن. أما متطلبات البنية التحتية من شبكة كهرباء ومياه وصرف صحي فهي تقع خارج حدود المنزل. وهي مسؤولية الدولة بالكامل.

وفي هذا الصندوق أو العلاقة التشاركية تلك تقوم الدولة بتقديم مساعدة مالية موثقة (حتى وإن كان الدفع مؤجّلاً) أي ضمانة بالتعهد بمساعدة العائد على إعادة إعمار مسكنه على شكل سندات دين على الدولة أصدرت لصالح العائد، والفائدة على الدولة واجبة السداد خلال فترات من 6 أشهر الى 3 سنوات. ومن المنطق أن يفتح هذا المصرف فرعاً في كل مطار وفي كل معبر حدودي لدخول العائدين، بالإضافة إلى فروع مؤسسية في كل البلدات والمدن ومراكز المحافظات السورية كلها. ولا يعتقد أنه سيتم تمويل كلّ تكاليف البناء وإنما يمنح بداية هبة مالية محددة ثم قرضاً، بدون فائدة، بما لا يزيد عن 60% من التكاليف بضمان سندات وشيكات شخصية من العائد تسهيلاً للأمر.

وقد يكون مناسباً لتسريع العودة هو منح مساعدة نقدية عند وصول العائد إلى الحدود السورية لتغطي نسبة من تكاليف سفر العودة. كما يمكن الاستفادة من البدائل المؤقتة للسكن مثل توزيع خيم مناسبة أو بيوت متنقلة صغيرة لاستخدام الأسرة في موقع سكنهم المدمر الى حين

إصلاح ذلك المسكن.

3- التمويل المحلي الخاص – دور المصارف السورية:

لدى سورية شبكة معقولة من المصارف الحكومية والمصارف الخاصة من حيث العدد. ولكنها لا تغطّي كل الأراضي السورية بإنصاف. ومع هذا فإن عليها ولها دوراً كبيراً في تمويل إعادة بناء المساكن الخاصة أكثر مما هو متوقع. ولن نعطي نصائح هنا، ولكن حان الوقت أن تمارس هذه المصارف دوراً اقتصادياً واجتماعيّاً وليس الاكتفاء بدور الوسط المال المصرفي. ولتشجيعها على ذلك فإن من واجب الدولة تقديم دعم سياسي ومالي لعملياتها.

وأهم خطوة هي أن تعلن هذه المصارف عن تضامنها مع برنامج طوارئ لعودة اللاجئين. وتبدأ بتسهيل إجراءات تسهيل تمويل إعادة البناء بشروط ميسّرة وبممارسات مصرفية مهنية سليمة بفوائد منخفضة تعطي تكلفة المال بضمانات مستندية وشيكات. ولا يجوز أن تمنح قروضاً تزيد عن 40% من تكلفة إعادة البناء للمنزل المدمّر أو إصلاحه.

ثانياً: أولوية إصلاح المرافق والبنية الأساسية

وهي الأولوية الثانية المساندة لأولوية عودة اللاجئين. وهي أولوية وطنية شاملة. ولكننا نرى أنها ضرورية وعاجلة جداً لإصلاح المرافق والبنية الأساسية القائمة وإعادتها إلى وضعها السابق فقط. والمبرر لذلك إن حجم وقيمة الإصلاح لهذا الجزء لن تكون باهظة، ولن تتجاوز 10-15 مليار دولار لهذا الجزء فقط، وتهدف إلى تحسين أداء هذه المرافق لتكون فاعلة، في المدى القصير. ونحن نعلم ان أكثر المرافق القائمة تعمل، ولكنها بأداء ضعيف. وهذه المرافق والبنية الأساسية المرتبطة بإن إعادة اللاجئين تحتاج إلى إصلاح وهي:

  • الكهرباء: وتقوم على إصلاح الشبكات ومحطّات التوليد وهي سوف تغطي نحو 90% من الاحتياجات وتصل إلى 100% من الاحتياجات إذا تمّ تفعيل شبكة الربط الكهربائي مع الأردن ومع تركيا.
  • المياه: وربما تحتاج إلى صيانة أساساً مع بعض الاستكمالات لمناطق محددة.
  • الصرف الصحي: وهو يحتاج إلى صيانة جذرية وربما استكمال في بعض المواقع.
  • الشوارع: في المدن والبلدات وهي تحتاج إلى صينة في معظمها ريثما يأتي دور التطوير لاحقاً.
  • الإنارة العامة: وهي مفقودة في معظم المدن، ولكنها تحتاج إلى صيانة شاملة.
  • المدارس: كل المدارس القائمة تحتاج إلى صيانة مع إعادة بناء المدارس المدمّرة.
  • المشافي: تحتاج كل المشافي إلى صيانة رئيسية.
  • المساجد: هناك نسبة مهمة من المساجد تحتاج إلى صيانة أو إلى إعادة بناء.
  • الاتصالات: وهذه تحتاج صيانة أولاً.
  • الحدائق والملاعب: وتحتاج إلى صيانة جذرية.
  • وغيرها

ثالثاً: إصلاح عجلة الاقتصاد

وهي مشاريع تسعى إلى اصلاح المرافق المرتبطة بالإنتاج الزراعي والإنتاج الصناعي ومؤسسات خدمة التجارة والاستهلاك. وتتمثل في الزراعة بإصلاح شبكات الري وتوفير متطلبات الإنتاج من الوقود المدعوم ومن الأسمدة والبذور وتفعيل المؤسسات الخدمية والرقابية في قطاع الزراعة. أما في الصناعة فتقوم على إزالة العوائق الإدارية والقانونية وإصلاح خدمات المناطق الصناعية وتوفير الطاقة لها

القسم الثاني – التطوير الواسع

(المرحلة الثانية من إعادة الإعمار للارتقاء بالقديم والبدء بالجديد من الأفكار، للفترة 2028-2035)

وهذه الأولوية من إعادة الإعمار هي المرحلة الثانية والأضخم وتأتي بعد استقرار الإنسان السوري في السكن والمعيشة والأمان. وهذا التطوير أو الجزء من إعادة الإعمار ستكون تكلفته عالية جداً ربما تصل إلى 200 مليار دولار إذ إنه سيشمل جميع نواحي الحياة الإنسانية والعمرانية والاقتصادية وحتى الاجتماعية. وتنفيذه سوف يستغرق وقتاً أطول. إن التطوير يجب أن يكون طبيعياً وتدريجياً وينبع من الواقع والطموحات وأن تكون متوائمة مع رغبات الناس وثقافتهم. وإن يكون الناس مشاركين في صناعته وملكيته لا أن يفرض عليهم من الحكومة أو من المستثمرين. ولا يوجد تفصيل أكثر وإنما سيُبنى على ما تمّ إنجازه في مرحلة الإصلاح

1- مشاريع إعادة الاعمار الممتدّة:

وهذه المرحلة تشمل تحقيق وإنجاز كلّ المشاريع والأفكار والطموحات التي تستعيد فيها سورية هويتها الثقافية العربية الإسلامية وتنجز فيها مشاريع ضخمة من التطوير العمراني والمرافق التي تتناسب مع تضحيات شعب ضحّى مثل المطارات والموانئ، والسكك الحديدية، والطرق السريعة، وغيرها.  

2- مشاريع النهوض الاقتصادي

وهي مشاريع عديدة وكبيرة مرتبطة بالاستثمار الخاص السوري والأجنبي والاستثمارات الحكومية أيضاً. ويتوقع أن تكون ضخمة وتشمل كل القطاعات. والتفصيل ليس متاحاً الآن.

3- الحرية الاقتصادية:

تحت هذا العنوان تأتي أهم الخطوات القانونية لتثبيت الهوية الاقتصادية لسورية، وتطوير القوانين، وتشجيع الاستثمارات في التقنية والمعلومات، التي سوف تزيد من مزايا الحرية الاقتصادية والنمو. والتفصيل سيأتي لاحقاً.

القسم الثالث – الحماية الاجتماعية

(وهذا الإعمار الإنساني يبدا 2025 وينتهي 2035)

الفقر والبطالة منتشران جداً في سورية. وتقول الأمم المتحدة إن نحو 90% من السكان هم في حاجة للمساعدة في الغذاء. هذه حقائق على أرض الواقع وليست تهويلاً لأغراض سياسية. لا يجوز للدولة أن تتخلى عن دورها بحماية المواطنين الضعفاء بحجة إن الدولة لديها نظام اقتصادي حر أو إن الخزينة ليس فيها موارد مالية كافية. والحماية الاجتماعية هي جهد اجتماعي أخلاقي وسياسي للبشر (وليس الحجر) في سبيل مسانده السوريين الذين هم بحاجة للمساندة.

أولاً: إصلاح للإسعاف الاجتماعي السريع

يجب أن نعترف ونشكر كثير من الدول الغربية لأنها ساعدت السوريين المعترين إسعافيا وإغاثة على مدى 14 عاماً، حتى داخل منطقة نظام الأسد. ولولا هذه المساعدات المستمرة حتى اليوم لكنا راينا ملايين السوريين يسقطون في الشوارع صرعى الجوع.

أ- ماهي الشرائح المؤهلة للإسعاف

الإسعاف الاجتماعي المقصود هو لفظا اسعاف، مؤقت وبسيط ريثما يتحسن الوضع الاقتصادي ويتم انشاء مؤسسات اجتماعية دائمة للعناية بالمحتاج الدائم وفق أسس اقتصادية، وإنسانية، واضحة، ومراقبة.
سوف نضع المؤهلين لهذا الإسعاف الاجتماعي ضمن شريحتين واسعتين:

1- الشريحة الأولى: هم الفقراء عامة قبل انطلاق الثورة عام 2011. وهذه الشريحة السكانية الأكبر حجما ومعرضة للجوع عام 2025. ويعيش أفراد هذه الشريحة في الأحياء العشوائية في المدن ونسبة كبيرة من سكان الريف وخاصة في مناطق العمليات العسكرية. ويقدر الافراد في هذه الشريحة بنحو 5 مليون نسمة أو ما يعادل نحو 40% من السكان المقيمين داخل سورية عند سقوط الأسد. وهذه تقديرات مهذبة جدا. وقد ساهم الدمار الاسدي العسكري ثم حرب النظام الاقتصادية على السكان في دفع هذه الشريحة ليس الى الفقر المدقع، بل الى المجاعة. ولولا المساعدات الأممية، وتحويلات المغتربين لكان معظم أفراد هذ الشريحة في عداد الأموات.

2- أما الشريحة الثانية التي تحتاج هذا الإسعاف الاجتماعي فهي تضم اسر الشهداء، ومصابي الحرب، والارامل والايتام وسكان المخيمات واغلب من لجا الى لبنان. ويقدر عددهم بنحو 2 مليون نسمة. ان أسر هذه الشريحة تعاني معاناة إضافية معيشية وإنسانية فوق ما يعانيه بقية السوريين.

ب- ما هو مضمون الإسعاف المقترح:
لا يمكن أن يكون إلا برنامجاً حكومياً تمويلاً وإدارة، ولكن ليس حكوميا بالكامل، بل بمشاركة المؤسسات والقنوات القائمة في القطاع الاجتماعي والخاص. ومن الأرقام الواردة أعلاه يوجد لدينا نحو 7 مليون نسمة على الأقل. وإذا افترضنا ان الحكومة سوف تدفع ما يعادل 20 دولار شهريا للشخص (وهو عملياً مبلغ تافه) فهذا يضع التكلفة الشهرية بحدود 140 مليون دولار شهرياً. ومن المتوقع مساهمة الأطراف بحدود 40 مليون شهريا، والحكومة نحو 100 مليون دولار شهرياً. إلا أنه من الممكن وضع آليات للمساهمة المحلية والجمعيات بالإضافة الى أي مساعدة دولية نقدية أو عينية. ان الحكومة ملزمة أخلاقيا وسياسيا بتخصيص سيولة مالية في البداية لا تقل عن 50% من الاحتياجات ريثما تدور عجلة البرنامج وضمان انخراط المجتمعات المحلية والمساعدات الأممية.

إنه من الصعب اليوم تقدير الأعداد المستحقة فعلا للإسعاف. ولكن يمكن استخدام البيانات المتاحة من أنشطة المساعدات الحكومية ومن بيانات المساعدات الأممية وحتى بيانات الجمعيات الخيرية المحلية. وربما يبدأ البرنامج إسعافات بسيطة ثم تزداد تدريجيا مع ازدياد الثقة بالبيانات. ولهذا فإنه من الضروري الإسراع بوضع برنامج اسعاف مبسط يتكون من:

ب-1- الإغاثة العينية

الإغاثة العينية يمكن تأتي من تمويل الحكومة السورية، ولكن تاريخياً كانت تأتي من إعانات الدول والمنظمات الدولية بالمواد الغذائية والطبية والطاقة، ومن مساهمات المجتمعات المحلية. ودور الحكومة حاسم في ضمان وصول وهذا الدعم العيني هو الأسرع والأسلم لضمان وقف المجاعة المتفاقمة.
ب-2- صندوق الاعانة الاجتماعية (نقدية)

ربما يكون اصلاح وتفعيل صندوق الإعانة الدعامة الأساسية لبرنامج الإسعاف هذا. اجتماعي مالي بمثابة إعانة اجتماعية للأسر من المناطق المتضررة للفئات أعلاه والفئات الأخرى الفقيرة مثل المطلقات والأرامل وتوفير نظام رعاية مالية لجرحى الثورة وأسر الشهداء تكريماً لتضحياتهم وتحسين أحوالهم المعيشية والإنسانية.

ب-3- تفعيل مؤسسات مكافحة البطالة:

مشكلة البطالة في سورية اليوم مأساوية ونسبتها لا تقل عن 70% من قوة العمل. هذا إذا كنا متفائلين. لهذا من المنطقي تفعيل مؤسسات فرص العمل للعاطلين مثل هيئة مكافحة البطالة التي كانت وستكون من أهم المؤسسات من خلال انشطة التمويل السريع للمشاريع الفردية. وكذلك تفعيل مؤسسات التدريب المهني العاجل لتلبية احتياجات إعادة الإعمار. ويمكن تفعيل أي مؤسسات أخرى بعيدا عن مكاتب التشغيل المعنية بالتوظيف الحكومي.

ثانياً: تطوير العدالة الاجتماعية

والعدالة الاجتماعية مبنية على مبدأ استغلال العائد الاقتصادي للسوق الحر في تصويب أخطاء الاقتصاد الحر اجتماعياً وفق آلية اقتصاد السوق. وهي تعبير سياسي اجتماعي اقتصادي عن مسؤولية الدولة تجاه مواطنيها. وتحقيقها يستلزم زمناً أطول من الإجراءات الإسعافية المذكورة أعلاه. ومن أهم بنودها:

أ- تخفيض مستوى الفقر:

وهذا البند هو أكثر إلحاحاً في المجتمعات التي شهدت حروبا مثل الثورة السورية. وتشمل إجراءات مكافحة الفقر 1- توزيع اعانات عينية بشكل متواصل للأسر الفقيرة حتى ما بعد برنامج الإسعاف، 2- تخصيص برامج محددة للمساعدة النقدية الى النساء وخاصة الارامل والمطلقات في تغطية جزء من تكاليف المعيشة، 3- المساعدة في توفير السكن الرخيص للأسر الفقيرة، 4- تقوية برامج الرعاية الصحية والتعليم الموجهة الى الفئات الضعيفة. والمجتمع السوري اليوم فقيرا جدا. والتضخم العالي جدا الذي التهم مدخرات الناس رافقه انهيار سعر صرف الليرة السورية تجاه عملات العالم قد أنهك الناس. ولهذا تنتشر مظاهر الفقر الجارحة للضمير الإنساني بين النساء والأطفال وكبار السنين، ومعظم مناطق الريف.

ب- تحسين توزيع الدخل والثروة

إن سوء توزيع الدخل هومن أهم مفاسد النظام البائد مؤسسياً وبشرياً عكس ما يروج له. ولهذا نرى تبايناً فجاً في مستويات المعيشة بين المواطنين والمناطق وحتى الأحياء في ذات المدينة. ومعظم سياسات تحسين توزيع الدخل الناجحة في العالم تقوم على نظام ضريبي اقتصادي اجتماعي متوازن. وعندما يكون في سورية مجلس نواب منتخب ديمقراطياً فإن الخطوة الأولى هي عملية نسف للنظام الضريبي الحالي الفاسد واستبداله بنظام عصري.

ج- تفعيل دور الزكاة:

وهو بند قائم لدى كلّ المسلمين السنّة في سورية حتى قبل سقوط نظام الأسد. واليوم ربما تكون الفرصة مواتية لتفعليه ضمن المنظومة الاجتماعية المالية. ولهذا أدرجنا ضرورة تفعيل نظام الزكاة الإسلامية لأنها أداة واجبة شرعاً، وممتازة اقتصادياً واجتماعياً لمن يستوعب مضامينها.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني